أسست تمودة، ونظيرتها وليلي وغادير أو قادس الإسبانية وقرطاج والقسطنطينة الممتدة على شواطئ المتوسط، لحضارة رومانية عريقة، ظلّت تعانق الزمان حتى عصرنا الحالي. تمودة، المنطقة الأثرية التي تقع خارج أسوار مدينة تطوان، شمال المغرب، يرجح أنها بُنيت في القرن الأول قبل الميلاد على الطريقة الهيلنستية، قبل أن تتحول لمعسكر للرومان.
وبفعل اليقظة التي يشهدها المغرب تجاه تراثه التاريخي المادي واللامادي، خصصت وزارة الثقافة، إضافة لمؤسسات إسبانية، ميزانية للاهتمام وممارسة الحفريات في تمودة بعد توقفها في سبعينيات القرن الماضي. ولا تزال قرية تمودة القريبة من الموضع الأثري الذي يحمل الاسم ذاته، تشهد عمراناً سكانياً، وتحتل مكانة خاصة في المتخيل التطواني، إذ تُعرَف بـ"السوير"، وهو المصطلح الذي يُطلق على الآثار ما قبل الإسلامية.
وقد تم الاعتقاد سابقاً، أن تمودة تنطبق على تطوان، إلى درجة أن المستشكفين الأوائل في القرن العشرين، زعموا أن الأمر يتعلق بالموضع نفسه، وهي الفكرة التي بيّنت حفريات الفرنسي ثيسار لويس دي مونتالبان، خطأها.
وشهد وادي مرتيل، الذي كان مأوى للمغامرين، وبُنيت تمودة على ضفته، نمو تطوان أيضاً، فيما كانت تمودة تحتضر، وساهم في هذا النمو الوجود الأندلسي المُجسّد في سيدي المنظري الغرناطي. واستغلّت تمودة الأثرية مطلع القرن الماضي، مسرحاً للأنشطة العسكرية الاستعمارية، كما استغلت كسجن أيضاً.
شكَّل أقصى غرب العالم خلال العصر القديم، المسرح الأمثل لمتخيّل الإغريق وأساطيرهم. إذ
كانت الكتابات الإغريقية واللاتينية، متأثرة بعالم الخيال المميز لجغرافيّة المغرب الأقصى الذي كان فيه هرقل عموداً، ومكاناً جغرافياً أسطورياً حقيقياً.
وقد تطرق أدباء الإغريق واللاتينيين إلى ذكر "موروزيا" أو "موريتانيا الطنجية"، فقد ذكر بومبونيوس ميلا، والذي ولد على ضفاف المضيق خلال القرن الأول، في مختصره المتعلق بالجغرافية الساحلية، نهر تمودة بالقرب من جبال الإخوة السبعة Septem Fratres (سبتة). وذكر بطليموس، أشهر جغرافيي العصر القديم، مصب هذا النهر. ويعتبر إبلين الشيخ، المؤلف اللاتيني في القرن الأول الميلادي، الكاتب الوحيد الذي أشار إلى أن اسم النهر يُطلق أيضاً على مدينة. وهذا النص هو الوحيد المؤكد الذي ذكر مدينة تمودة، لكن لم يرد اسمها في المسلك الأنطوناني الذي عدّ محطات الطريق البحرية التي كانت تربط طنجة بروسادير. لكنه يذكر الإخوة السبعة والمحطات المرتبطة بفرق الجيش الرومانية، وربما تنطبقان على معسكر تمودة أو حصن "تموكوس" الذي ذكر في نص نوتيثيا ديغنيتاتوم الذي يعود للعصر الإمبراطوري.
اقــرأ أيضاً
وخلال القرن الأول قبل الميلاد، كانت المدينة القديمة تعرف باسم "تمودة" ويُحتمل أنه في الأصل أطلق لتسمية النهر والأراضي المحيطة به، لأن النقود التي ضربت في ذلك العصر، تحمل اسم دار السكة التي سكت فيها تلك النقود على شكل T(a)M(u)T(a)M(u)D(a). وخلال العصر الروماني، تعمّم هذا الاسم بصفته اسماً للنهر الذي ذكره أبرز جغرافيي ذلك العصر، كبومبونيوس ميلا، والذي أورد اسم النهر على شكل تموادة، واستمر المعسكر ومركزه السكني يحمل الاسم نفسه، وورد في النقائش اللاتينية على شكل تمودة أو المعسكر التمودي.
وتناقل الناس اسم المدينة في العصور اللاحقة على هذا الشكل مع بعض التغيير.
اعتقد بعض الباحثين قبل اكتشاف تمودة، أن هذه المدينة كانت توجد تحت الموضع الذي شيدت فيه تطوان، لأن مزاياها تفوق نظيرتها الموجودة على ضفاف وادي مرتيل. إلّا أنه في عام 1921، قام المنقب الفرنسي، ثيسار لويس دو مونتالبان، بعملية اكتشاف وادي مرتيل، وعثر خلالها على آثار تمودة. وفي السنة التالية، درس مانويل غوميث مورينو البقايا الأثرية لتمودة ونشر نتائج اكتشافاته بعدها.
وكان مونتالبان أول أركيولوجي أشرف على التنقيبات الأثرية التي تمت في المدينة القديمة، وبالضبط في حيها الغربي، وبفضله اكتُشف الحصن "كاستيوم" المكون من أسوار والربع الجنوبي الغربي لداخل المعسكر.
وتابع الإسباني، بيلاو كينتيرو أتاوري، الحفريات من بعده. وبين 1940 و1946، نقبّ في جزء من المقابر، وجزء من المدينة الهيلنستية المحاطة بساحة كبرى. مرض كينتيرو عام 1945، وأشرف كل من ثيسار موران وثيثليو خيمينيث على الحفريات التي تمت بالموضع نفسه، ثم تابعها ميغيل تراديل ما بين 1948 و1958، وهو التاريخ الأخير لعملية تنقيب أشرف عليها تراديل إلى غاية 2007. ولم تتم بعدها إلّا عملية سبر أركيولوجي واحدة في إطار أطروحة حضرها المغربي، عبد العزيز الخياري، ولم تنشر نتائجها بعد.
لم يُعرف الزمن الذي استقر به القدامى في تمودة، فقد عُثر على آثار فينيقية، ولم تكشف الآثار عن دلائل لمؤسسي تمودة الأوائل. وهناك احتمال كبير أن تكون لتمودة أصول فينيقية قديمة جداً، نظراً للبحارة القادمين من مدن المشرق الأقصى لغرب المتوسط في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد.
وقد سهّل تأسيس المستعمرات مثل كادير "قادرس" و"ليكسوس" العرائش من عمل التجارة والاستيطان البشري، حتى مستعمرات صغيرة أنشئت على الساحل الأطلسي شمالاً وجنوب مضيق جبل طارق. فتوغل فيها الفينيقيون، ما ساهم في تطور المجتمع والكتابة والتمدن، وتواصل فيها الفينيقيون مع المجتمعات الترتيشية والموريتانية، وتطورت أشكال السكن من قرى صغيرة إلى مدن حقيقية لم يبق فيها وادي مرتيل بمعزل عن هذه الأنشطة والحركة.
اقــرأ أيضاً
وبفعل اليقظة التي يشهدها المغرب تجاه تراثه التاريخي المادي واللامادي، خصصت وزارة الثقافة، إضافة لمؤسسات إسبانية، ميزانية للاهتمام وممارسة الحفريات في تمودة بعد توقفها في سبعينيات القرن الماضي. ولا تزال قرية تمودة القريبة من الموضع الأثري الذي يحمل الاسم ذاته، تشهد عمراناً سكانياً، وتحتل مكانة خاصة في المتخيل التطواني، إذ تُعرَف بـ"السوير"، وهو المصطلح الذي يُطلق على الآثار ما قبل الإسلامية.
وقد تم الاعتقاد سابقاً، أن تمودة تنطبق على تطوان، إلى درجة أن المستشكفين الأوائل في القرن العشرين، زعموا أن الأمر يتعلق بالموضع نفسه، وهي الفكرة التي بيّنت حفريات الفرنسي ثيسار لويس دي مونتالبان، خطأها.
وشهد وادي مرتيل، الذي كان مأوى للمغامرين، وبُنيت تمودة على ضفته، نمو تطوان أيضاً، فيما كانت تمودة تحتضر، وساهم في هذا النمو الوجود الأندلسي المُجسّد في سيدي المنظري الغرناطي. واستغلّت تمودة الأثرية مطلع القرن الماضي، مسرحاً للأنشطة العسكرية الاستعمارية، كما استغلت كسجن أيضاً.
شكَّل أقصى غرب العالم خلال العصر القديم، المسرح الأمثل لمتخيّل الإغريق وأساطيرهم. إذ
وقد تطرق أدباء الإغريق واللاتينيين إلى ذكر "موروزيا" أو "موريتانيا الطنجية"، فقد ذكر بومبونيوس ميلا، والذي ولد على ضفاف المضيق خلال القرن الأول، في مختصره المتعلق بالجغرافية الساحلية، نهر تمودة بالقرب من جبال الإخوة السبعة Septem Fratres (سبتة). وذكر بطليموس، أشهر جغرافيي العصر القديم، مصب هذا النهر. ويعتبر إبلين الشيخ، المؤلف اللاتيني في القرن الأول الميلادي، الكاتب الوحيد الذي أشار إلى أن اسم النهر يُطلق أيضاً على مدينة. وهذا النص هو الوحيد المؤكد الذي ذكر مدينة تمودة، لكن لم يرد اسمها في المسلك الأنطوناني الذي عدّ محطات الطريق البحرية التي كانت تربط طنجة بروسادير. لكنه يذكر الإخوة السبعة والمحطات المرتبطة بفرق الجيش الرومانية، وربما تنطبقان على معسكر تمودة أو حصن "تموكوس" الذي ذكر في نص نوتيثيا ديغنيتاتوم الذي يعود للعصر الإمبراطوري.
وخلال القرن الأول قبل الميلاد، كانت المدينة القديمة تعرف باسم "تمودة" ويُحتمل أنه في الأصل أطلق لتسمية النهر والأراضي المحيطة به، لأن النقود التي ضربت في ذلك العصر، تحمل اسم دار السكة التي سكت فيها تلك النقود على شكل T(a)M(u)T(a)M(u)D(a). وخلال العصر الروماني، تعمّم هذا الاسم بصفته اسماً للنهر الذي ذكره أبرز جغرافيي ذلك العصر، كبومبونيوس ميلا، والذي أورد اسم النهر على شكل تموادة، واستمر المعسكر ومركزه السكني يحمل الاسم نفسه، وورد في النقائش اللاتينية على شكل تمودة أو المعسكر التمودي.
اعتقد بعض الباحثين قبل اكتشاف تمودة، أن هذه المدينة كانت توجد تحت الموضع الذي شيدت فيه تطوان، لأن مزاياها تفوق نظيرتها الموجودة على ضفاف وادي مرتيل. إلّا أنه في عام 1921، قام المنقب الفرنسي، ثيسار لويس دو مونتالبان، بعملية اكتشاف وادي مرتيل، وعثر خلالها على آثار تمودة. وفي السنة التالية، درس مانويل غوميث مورينو البقايا الأثرية لتمودة ونشر نتائج اكتشافاته بعدها.
وكان مونتالبان أول أركيولوجي أشرف على التنقيبات الأثرية التي تمت في المدينة القديمة، وبالضبط في حيها الغربي، وبفضله اكتُشف الحصن "كاستيوم" المكون من أسوار والربع الجنوبي الغربي لداخل المعسكر.
وتابع الإسباني، بيلاو كينتيرو أتاوري، الحفريات من بعده. وبين 1940 و1946، نقبّ في جزء من المقابر، وجزء من المدينة الهيلنستية المحاطة بساحة كبرى. مرض كينتيرو عام 1945، وأشرف كل من ثيسار موران وثيثليو خيمينيث على الحفريات التي تمت بالموضع نفسه، ثم تابعها ميغيل تراديل ما بين 1948 و1958، وهو التاريخ الأخير لعملية تنقيب أشرف عليها تراديل إلى غاية 2007. ولم تتم بعدها إلّا عملية سبر أركيولوجي واحدة في إطار أطروحة حضرها المغربي، عبد العزيز الخياري، ولم تنشر نتائجها بعد.
لم يُعرف الزمن الذي استقر به القدامى في تمودة، فقد عُثر على آثار فينيقية، ولم تكشف الآثار عن دلائل لمؤسسي تمودة الأوائل. وهناك احتمال كبير أن تكون لتمودة أصول فينيقية قديمة جداً، نظراً للبحارة القادمين من مدن المشرق الأقصى لغرب المتوسط في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد.
وقد سهّل تأسيس المستعمرات مثل كادير "قادرس" و"ليكسوس" العرائش من عمل التجارة والاستيطان البشري، حتى مستعمرات صغيرة أنشئت على الساحل الأطلسي شمالاً وجنوب مضيق جبل طارق. فتوغل فيها الفينيقيون، ما ساهم في تطور المجتمع والكتابة والتمدن، وتواصل فيها الفينيقيون مع المجتمعات الترتيشية والموريتانية، وتطورت أشكال السكن من قرى صغيرة إلى مدن حقيقية لم يبق فيها وادي مرتيل بمعزل عن هذه الأنشطة والحركة.