11 سبتمبر 2024
تمنيات كوبلر والتعقيد في ليبيا
بدا رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر، في أثناء اجتماع وزراء خارجية دول الجوار في تونس، في 22 مارس/ آذار الجاري، أحرص الناس على دعم حكومة فايز السراج المنبثقة عن اتفاقيات الصخيرات في المغرب، الموقعة في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2015. ويحمل حرصه، في طياته، صفة الإلزام لأطراف النزاع الليبي الأخرى بضرورة الانضواء تحت لواء هذه الحكومة، وعدم عرقلة مسيرها، وعودتها إلى العاصمة طرابلس. وإذا كان الألماني كوبلر مستعجلا من أمره لأغراضٍ شخصية أولا، وتوسلاً لنجاحات دبلوماسية لم يفلح في تحقيقها المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، الإسباني برناردينو ليون، فإن دفعه هذا الاتفاق إلى مداه دونه معوقات جمة، لا يمكن تجاوزها بتمنياتٍ أو وثائق ما زالت أطراف كثيرة في التنازع الليبي غير متفقة على فحواها، ويهددون بعرقلة وجودها، ولو تطلب الأمر ذلك قوة عسكرية ومعارك.
اعتراف كوبلر نفسه بهشاشة ما حصل في الصخيرات من اتفاق، وما تبعه في العاشر من مارس/ آذار في تونس من تسريع لخطوات الاتفاق، بتفعيل وجود حكومة الوفاق الوطني، يشي بوجود معوقاتٍ حقيقيةٍ لا يمكن القفز عليها في هذا الوقت بالذات، خصوصاً وأنه يلزم عمل دبلوماسي كثير لإقناع الجهات الرافضة للاتفاق بجدواه، حسب الصيغة الحالية.
لم يجب كوبلر عن أسئلةٍ غير قليلة بشأن الخطوات العملية لمساعدة حكومة السراج في التحول عاجلاَ إلى العاصمة الليبية، في ظل نذر فوضى واضطراب هناك، فقوات فجر ليبيا تهدّد بالتصدي بالقوة لأي مجموعاتٍ مسلحة تحاول دخول المدينة، على الرغم من تأكيد السراج أن الترتيبات الأمنية لدخول حكومته إلى طرابلس لن تتسبب في سفك قطرة دم واحدة. صحيح أن كوبلر تحدث عن علمه بوجود تفكير جدّي لدى دول أوروبية، ولدى الولايات المتحدة، بفرض عقوباتٍ على بعض الشخصيات الرافضة للاتفاق أو المعرقلة له، لكنه لم يستطع تحديد المآلات التي يمكن أن تصل إليها تلك القرارات، إن تم اتخاذها، وهل تستطيع بالفعل أن تدفع القوات الرافضة حكومة فايز السراج إلى التخلي عن مواقفها، في ظل قول كوبلر إن القائد العسكري المليشياوي، خليفة حفتر، جزء من الاتفاق السياسي، وأن حكومة الوفاق هي من ستحدد إدخاله في المفاوضات، وإن إعادة بناء الجيش الليبي يجب أن تمر عبر توافقٍ بين القوات الموجودة على الأرض، وأن مهمة هذا الأمر ستوكل إلى حكومة فايز السراج.
كانت جراب مارتن كوبلر مليئة بأربعة مشاريع، يراها ضرورية لأمن ليبيا، فهو يسرّع الخطى أولاً في تحقيق انطلاق عمل حكومة "الوفاق الوطني" من طرابلس، ويشدّد على وجوب حدوث ذلك في أيام، لا أسابيع، ولكن رئيس حكومة طرابلس غير المعترف بها دولياً، خليفة الغويل، وضع العصا في عجلة كوبلر المتسرّعة، ومنع طائرته من الهبوط في طرابلس، فألغى المبعوث الأممي زيارته التي كان ينوي القيام بها إلى العاصمة الليبية، لتمهيد الطريق أمام انتقال الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة من تونس إلى طرابلس، وهو الدعم الذي يعترض عليه الغويل الذي ذهب في توصيف كوبلر بأنه "مبعوث للدمار وليس مبعوثاً للسلام".
حديث مارتن كوبلر عن مباشرة حكومة السراج أعمالها في غضون أيام لا يمكن حدوثه، في ظل معطيات الرفض التي تبديها حكومة خليفة الغويل، إلا إذا صح ما تسرّب عن حماية قوات خاصة، بريطانية وأميركية، أطقم حكومة السراج، وإدخالها بالقوة إلى طرابلس. وإذا كان كوبلر قد نفى، في مؤتمر صحفي، تلا اجتماع وزراء خارجية ليبيا علمه بوجود هذه القوات واستعداداتها، إلا أن تسريباتٍ من داخل الاجتماع ذهبت إلى تأكيد ترتيباتٍ تعتمد على تشكيلاتٍ عسكريةٍ موجودة في العاصمة الليبية، تساندها قوات أجنبية، في حماية بعثة الأمم المتحدة وتأمين حكومة السراج؟ ولعل في صيغة الفقرة السادسة من البيان الختامي للاجتماع الثامن لوزراء خارجية دول جوار ليبيا ما يوحي بإمكانية وجود تدخل أجنبي في ليبيا، في حال عجز حكومة فايز السراج عن بسط نفوذها على العاصمة، فقد ورد فيها أن "أي عمل عسكري موجه لمحاربة الإرهاب لابد أن يتم بناء على طلب حكومة الوفاق الوطني، ووفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة". وإذا كان الاعتراض الذي تبديه دول الجوار على التدخل الأجنبي في ليبيا مشروطاً، إلا أنه يُفهم من البيان أنه تركت الباب مفتوحاً لحكومة السراج لأن تطلب تدخلاً أجنبياً في حال رأت ضرورة لذلك، الأمر الذي يجعلها مباشرة في وجه حكومة الغويل الذي يبدو أنه استشعر هذا التوجه، فلوَّح "بقطع الطريق أمام من يهدد العاصمة"، وأضاف أنه "لم يعد مقبولاً أن تفرض إرادة خارجية على أي شعب من الشعوب بالقوة القاهرة".
الوضع الأمني في العاصمة الليبية الذي يتسم بالتقلب وعدم الاستقرار، سيزيده الإصرار الأممي على دخول حكومة السراج إلى طرابلس احتقاناً، ولا يبدو أن الأيام المقبلة ستكون هادئةً في ظل تصريحات متشددةٍ وأخرى رافضة لها، لا تطمئن المواطن الليبي إلى عودة الحياة إلى حالتها الطبيعية.
وتحدث كوبلر أيضاً عن توحيد القوات الليبية، والعمل على إيجاد طرقٍ لتحقيق ذلك، عبر دعم الأمم المتحدة لها، كما أسهب في رغبته في دعم اتفاق الصخيرات بتوافقاتٍ مستقبلية ونقاشات سوف يقودها هو شخصيا مع زعماء القبائل في الجنوب، وفي مختلف مناطق ليبيا البعيدة، وعبر مختلف البلديات والحواضر، على أن يُتوج ذلك أخيراً بكتابة دستور جديد للبلاد يتجاوز الخلافات. وعلى الرغم من أن مبعوث الأمم المتحدة عَبَّرَ مراراً عن الابتعاد عن التمنيات والنظريات والمحادثات الطويلة، كما أشار إلى ذلك في مداخلاته الصحفية، في لقاء دول الجوار الليبي في تونس، إلا أنه سقط، من حيث لا يدري، في عتبة التنظير السياسي الذي تعوزه الواقعية التي تجعل كلامه قابلاً للتحقيق، أو على الأقل تحقيق جزء يسيرٍ منه، بما يضمن بداية استقرار لمؤسسات الدولة الليبية، وبعث وجودها من جديد، بما يحقق الأمن والاستقرار لشعبها.
اعتراف كوبلر نفسه بهشاشة ما حصل في الصخيرات من اتفاق، وما تبعه في العاشر من مارس/ آذار في تونس من تسريع لخطوات الاتفاق، بتفعيل وجود حكومة الوفاق الوطني، يشي بوجود معوقاتٍ حقيقيةٍ لا يمكن القفز عليها في هذا الوقت بالذات، خصوصاً وأنه يلزم عمل دبلوماسي كثير لإقناع الجهات الرافضة للاتفاق بجدواه، حسب الصيغة الحالية.
لم يجب كوبلر عن أسئلةٍ غير قليلة بشأن الخطوات العملية لمساعدة حكومة السراج في التحول عاجلاَ إلى العاصمة الليبية، في ظل نذر فوضى واضطراب هناك، فقوات فجر ليبيا تهدّد بالتصدي بالقوة لأي مجموعاتٍ مسلحة تحاول دخول المدينة، على الرغم من تأكيد السراج أن الترتيبات الأمنية لدخول حكومته إلى طرابلس لن تتسبب في سفك قطرة دم واحدة. صحيح أن كوبلر تحدث عن علمه بوجود تفكير جدّي لدى دول أوروبية، ولدى الولايات المتحدة، بفرض عقوباتٍ على بعض الشخصيات الرافضة للاتفاق أو المعرقلة له، لكنه لم يستطع تحديد المآلات التي يمكن أن تصل إليها تلك القرارات، إن تم اتخاذها، وهل تستطيع بالفعل أن تدفع القوات الرافضة حكومة فايز السراج إلى التخلي عن مواقفها، في ظل قول كوبلر إن القائد العسكري المليشياوي، خليفة حفتر، جزء من الاتفاق السياسي، وأن حكومة الوفاق هي من ستحدد إدخاله في المفاوضات، وإن إعادة بناء الجيش الليبي يجب أن تمر عبر توافقٍ بين القوات الموجودة على الأرض، وأن مهمة هذا الأمر ستوكل إلى حكومة فايز السراج.
كانت جراب مارتن كوبلر مليئة بأربعة مشاريع، يراها ضرورية لأمن ليبيا، فهو يسرّع الخطى أولاً في تحقيق انطلاق عمل حكومة "الوفاق الوطني" من طرابلس، ويشدّد على وجوب حدوث ذلك في أيام، لا أسابيع، ولكن رئيس حكومة طرابلس غير المعترف بها دولياً، خليفة الغويل، وضع العصا في عجلة كوبلر المتسرّعة، ومنع طائرته من الهبوط في طرابلس، فألغى المبعوث الأممي زيارته التي كان ينوي القيام بها إلى العاصمة الليبية، لتمهيد الطريق أمام انتقال الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة من تونس إلى طرابلس، وهو الدعم الذي يعترض عليه الغويل الذي ذهب في توصيف كوبلر بأنه "مبعوث للدمار وليس مبعوثاً للسلام".
حديث مارتن كوبلر عن مباشرة حكومة السراج أعمالها في غضون أيام لا يمكن حدوثه، في ظل معطيات الرفض التي تبديها حكومة خليفة الغويل، إلا إذا صح ما تسرّب عن حماية قوات خاصة، بريطانية وأميركية، أطقم حكومة السراج، وإدخالها بالقوة إلى طرابلس. وإذا كان كوبلر قد نفى، في مؤتمر صحفي، تلا اجتماع وزراء خارجية ليبيا علمه بوجود هذه القوات واستعداداتها، إلا أن تسريباتٍ من داخل الاجتماع ذهبت إلى تأكيد ترتيباتٍ تعتمد على تشكيلاتٍ عسكريةٍ موجودة في العاصمة الليبية، تساندها قوات أجنبية، في حماية بعثة الأمم المتحدة وتأمين حكومة السراج؟ ولعل في صيغة الفقرة السادسة من البيان الختامي للاجتماع الثامن لوزراء خارجية دول جوار ليبيا ما يوحي بإمكانية وجود تدخل أجنبي في ليبيا، في حال عجز حكومة فايز السراج عن بسط نفوذها على العاصمة، فقد ورد فيها أن "أي عمل عسكري موجه لمحاربة الإرهاب لابد أن يتم بناء على طلب حكومة الوفاق الوطني، ووفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة". وإذا كان الاعتراض الذي تبديه دول الجوار على التدخل الأجنبي في ليبيا مشروطاً، إلا أنه يُفهم من البيان أنه تركت الباب مفتوحاً لحكومة السراج لأن تطلب تدخلاً أجنبياً في حال رأت ضرورة لذلك، الأمر الذي يجعلها مباشرة في وجه حكومة الغويل الذي يبدو أنه استشعر هذا التوجه، فلوَّح "بقطع الطريق أمام من يهدد العاصمة"، وأضاف أنه "لم يعد مقبولاً أن تفرض إرادة خارجية على أي شعب من الشعوب بالقوة القاهرة".
الوضع الأمني في العاصمة الليبية الذي يتسم بالتقلب وعدم الاستقرار، سيزيده الإصرار الأممي على دخول حكومة السراج إلى طرابلس احتقاناً، ولا يبدو أن الأيام المقبلة ستكون هادئةً في ظل تصريحات متشددةٍ وأخرى رافضة لها، لا تطمئن المواطن الليبي إلى عودة الحياة إلى حالتها الطبيعية.
وتحدث كوبلر أيضاً عن توحيد القوات الليبية، والعمل على إيجاد طرقٍ لتحقيق ذلك، عبر دعم الأمم المتحدة لها، كما أسهب في رغبته في دعم اتفاق الصخيرات بتوافقاتٍ مستقبلية ونقاشات سوف يقودها هو شخصيا مع زعماء القبائل في الجنوب، وفي مختلف مناطق ليبيا البعيدة، وعبر مختلف البلديات والحواضر، على أن يُتوج ذلك أخيراً بكتابة دستور جديد للبلاد يتجاوز الخلافات. وعلى الرغم من أن مبعوث الأمم المتحدة عَبَّرَ مراراً عن الابتعاد عن التمنيات والنظريات والمحادثات الطويلة، كما أشار إلى ذلك في مداخلاته الصحفية، في لقاء دول الجوار الليبي في تونس، إلا أنه سقط، من حيث لا يدري، في عتبة التنظير السياسي الذي تعوزه الواقعية التي تجعل كلامه قابلاً للتحقيق، أو على الأقل تحقيق جزء يسيرٍ منه، بما يضمن بداية استقرار لمؤسسات الدولة الليبية، وبعث وجودها من جديد، بما يحقق الأمن والاستقرار لشعبها.