تمكين نفسك من الحياة

27 يونيو 2018
+ الخط -

مرحلة تمكينك من الحياة، هي مرحلة تستوطنك فجأة، قد تولد بعد تحليق، فجيعة داخل فلكك أو تتبلور داخلك مع مرور السنوات، ردود أفعالك لحظة عبورك هذه المرحلة ستتجاوز منطقك القديم والبالي ومبدأ الحرية التي كنت تنشدها سيختلف، هي مرحلة تدرك من خلالها أن العديد من سنوات عمرك تسربت من بين يديك كما يتسرب الموت بين المقابر، وأن فضائلك التي زرعتها في دروب الآخرين ستكون مبهمة بالنسبة لهم ولن يكون للعطاء، الذي أهديته لهم أية قيمة.

شعورك بالجمال سيختلف، الجمال المبهرج الصارخ لم يعد يستهويك بل ستسعى لرؤية وامتلاك الجمال الهادئ، سوف تعي أن الجميع من حولك يظنون أنهم يملكون الحقيقة الكاملة. ستجهض أحاديثهم بالصمت وستعلن الإضراب عن موقفك ورأيك من القضايا السياسية والاجتماعية المتناثرة حولك، سوف تستحضر من الذاكرة لحظات كنت تظنها تافهة وستكتشف أنها أجمل ما مر عليك، ستدرك أن أحزانك القديمة كانت بلهاء وأن إخفاقات النجاح الأول قد صنعت منك ما أنت عليه الآن وأن المقاومة لا تقتصر على مقاومة عدوك بل أن أعسر الحروب هي الحروب التي تخوضها مع نفسك، وستلاحظ أنه كلما دنوت من القاع لحظة سقوطك عند مواجهتك للكدر أو كلما اقتربت من القمم سيكون منقذك الوحيد هو أنت.

ستحظى بشكيمة عظيمة لتواجه أي شيء، ستفهم أن الغرور عبارة عن بئر فارغ وأن جميع الرجال لا يصلحون للحب وأن بعض النساء لا يستحققن الأمومة وأن الاحترام بين الزوجين أهم من الحب وأن الحب يغتاله الزواج وأن معظم الأقارب سفح من جهنم.

ستعلم أن الجهل هو القاتل الأول وأن الخوف يوازي الجهل ضرراً، وستتنبه إلى أن بعض الفاسدين والقتلة يزاحمون الناس للصلاة في الصف الأول في المساجد، وأن الشخص الناجح قد لا يكون مثقفًا، وأنّ المثقف قد لا يكون ناجحًا، وأن أنصاف المثقفين وبعض المشاهير الذين ينتشرون هذه الأيام أشد خطرًا من الحروب.

ستوقن أن تقبل اختلاف الآخرين يحلّ نصف مشاكلنا، وأنّ نفي معظم السياسيين يحلّ النصف الآخر، وأنّ الدهشة بهذا الوقت قد اختفت والكرامة أصبحت زئبقية.

سوف تفطن إلى أن بعض الأحلام لا قيمة لها إذا جاءت متأخرة وأن المرض من أصعب امتحانات الحياة، وأنّ وصب الفضيحة أشدّ ألمًا من الموت، وأنّك قد تقضي معظم حياتك في سبيل قضية أو فكرة ما فتكتشف زيفها قبل وفاتك، وأنّ تمكين نفسك من الحياة أفضل ما توصلت إليه في حياتك.

دلالات