تمديد المفاوضات النوويّة الإيرانيّة: نصف انتصار ونصف خسارة

20 يوليو 2014
استضافت جنيف اجتماعات أميركية ايرانية غير مسبوقة (فرانس برس/getty)
+ الخط -
لم ينتظر المعنيون بالملف النووي الإيراني حلول الموعد الذي كان مقرراً، اليوم الأحد، في العشرين من يوليو/ تموز، لاختتام الجولة السادسة من محادثات فيينا بين إيران ودول 5+1، لكي يعلنوا تمديد مفاوضات الاتفاق النهائي أربعة أشهر إضافية، إذ اختتموا جلسات مفاوضاتهم قبل الموعد المقرر بيومين، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، مع تراكم الكثير من الملفات العالقة على الطاولة، في جولة اعترف الإيرانيون بصعوبتها.

أراد فريق الرئيس، حسن روحاني، تتويج إنجازاته بتوقيع اتفاق تاريخي، بعد 13 عاماً من التفاوض، لإنقاذ البلاد من عقوبات أثقلت كاهل المواطنين، والصمود أمام الهجوم الشرس للمحافظين المتشددين في الداخل، الرافضين أصلاً للتفاوض مع الغرب، والداعين إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من دون تبني الخطاب الدبلوماسي.


وظل السؤال الجوهري الذي طرحه المتشددون في طهران، وواشنطن بالذات، يتمحور حول الجدوى من التمديد، فجاءت التصريحات الاستباقية لتتحدث عن محاولة الجميع رسم أرضية تفاهم، وتحديد نقاط اتفاق تستمر على أساسها الجولات المقبلة التي ضُرب لها موعد جديد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

يرى كثيرون أن التمديد يصب في مصلحة إيران، لأنه لا يعني الفشل الذي ينتظره المحافظون في الجمهورية الإسلامية، الذين أعطوا فرصة للفريق المفاوض، نظراً للضوء الأخضر الذي منحهم إياه المرشد الأعلى، علي خامنئي، أولاً، والحاجة إلى إنعاش اقتصاد البلاد، ثانياً.

في المقابل، ستستمر العقوبات المفروضة على الجمهورية الاسلامية، وهو ما يشكل مبرراً لاستمرار هجوم المحافظين، بما أن الاتفاق المؤقت الذي جرى إبرامه في نوفمبر الماضي، لم يسمح بدخول الشركات الكبرى إلى إيران بعد تحضيرات دامت لشهور، بهدف الشروع في إبرام صفقات استثمارية ضخمة فور إلغاء الحظر الذي تأجل بحكم عدم التوصل لاتفاق شامل ونهائي.

أميركياً، يبدو أن العقبة أمام إدارة الرئيس باراك أوباما طابعها سياسي أكثر من أن يكون متعلقاً بالشق النووي الإيراني، وهي تتعلق بالجمهوريين الأميركيين تحديداً. لكن التمديد، الذي يزيد من احتمال التوصل إلى اتفاق، قد يصب لصالح الديمقراطيين في الكونغرس، أو حتى لصالح مرشح آخر يخلف أوباما بعد انتهاء ولايته الرئاسية. خلال هذه الفترة، سيطرح الغرب العقد الخلافية "التفصيلية"، وأولها منشأة "فردو"، التي تحوي جيلاً جديداً من أجهزة الطرد المركزي القادرة على إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة.


يريد الغرب خفض هذا العدد، أو السماح لإيران بامتلاك الجيل القديم فقط، في حين تصرّ طهران على حاجتها إلى 190 ألف "سو" (وهي وحدة قياس طاقة التخصيب)، وهذا يتطلب عشرات الآلاف من أجهزة الطرد. وتتعلق العقدة الثانية بمنشأة "آراك"، التي تعمل بالماء الثقيل، ما يعني أنها منشأة تنتج البلوتونيوم الذي يسهّل صنع السلاح النووي، والمطلوب غربياً تحويل "آراك" إلى مفاعل يعمل بالماء الخفيف، وهذا ما يرفضه الإيرانيون، لكنهم قد يقدمون تنازلاً بإنتاج كميات محدودة من البلوتونيوم سنوياً، يُصرَّح عنها لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

أما القضية الثالثة، فتتعلق بتخصيب اليورانيوم بنسب ضئيلة، وهذا لا يشكل عقدة أساسية بالنسبة لإيران التي وقّعت، في اتفاق جنيف المؤقت، على البند الذي ينص على السماح لها بالتخصيب بنسبة 5 في المئة فقط، فضلاً عن تخفيض نصف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. لكن طهران تطلب في المقابل تحديد سقف زمني قصير المدى لاتفاق من هذا النوع، أو بنداً يضمن لها حق العودة إلى التخصيب بنسب مرتفعة بالتوافق مع الوكالة، في حال استهلكت كل الوقود النووي الذي تمتلكه وإن لم يزودها به أي طرف.

أخيراً، تبقى قضية إلغاء العقوبات كلياً موضوعاً شائكاً؛ فعلى الرغم من أن اتفاق جنيف المؤقت، ألغى العقوبات عن قطاع البتروكيماويات والذهب، وسمح لطهران بتحديث أسطول الطيران المدني، وأفرج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في المصارف الأميركية، يصرّ الفريق المفاوض على إلغاء الحظر فوراً، وليس بالتدريج. التفاصيل السابقة، التي تنطوي على خلافات كبيرة، جعلت الصورة قاتمة في محادثات فيينا، وهو ما سيلقي بظلاله على فترة التمديد.

ستكون الأشهر الأربعة المقبلة بمثابة حبل إنقاذ لكل من الطرفين الإيراني والأميركي، اللذين يواجهان متشدّدين كل في معسكره. وتشعر طهران بالحاجة إلى اتفاق يفعّل التحسن البطيء للعلاقات مع الغرب، وهو ما يُترجم من خلال فتح السفارات بطهران، وجذب الاستثمارات. كذلك كانت المفاوضات فرصة لتحقيق انفراجة مع واشنطن، إذ استضافت أروقة فيينا اجتماعات ثنائية بين جون كيري ومحمد جواد ظريف.