تلك الثمار الإسرائيلية المرّة

02 يونيو 2018

من آثار قصف إسرائيلي على بعلبك (22/7/2018/فرانس برس)

+ الخط -
احتفل لبنان، الأسبوع الماضي، بذكرى تحرير الجنوب من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. 18 عاماً مرت على الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب الذي أنهى حقبة من الصراع على أرض لبنان، وساهم في استعادة لبنان سيادته وسيطرته على أرضه، لكنه لم يساعد في ترسيخ قواعد راسخة لهدوء واستقرار حقيقيين على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وأبرز دليل على ذلك اشتعال حرب تموز/ يوليو بعد ست سنوات على ذلك الانسحاب، واستمرار التهديدات الإسرائيلية للبنان بسبب ترسانة حزب الله الصاروخية، والتهويل الدائم بشن حرب مدمرة على لبنان، إذا تجرأ مقاتلو حزب الله على مهاجمة أهداف إسرائيلية، من داخل الأراضي اللبنانية أو السورية. بالإضافة إلى الخوف المستجد في لبنان من أن تتطور المناوشات بين إسرائيل وإيران في سورية إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق، يكون حزب الله طرفاً أساسياً فيها، ويدفع لبنان مرة أخرى ثمن المواجهة الدائرة حالياً بين إسرائيل وإيران في سورية.
استرجاع لبنان سيادته على حدوده لم يمنحه الاستقرار الداخلي المأمول في ظل اختلال موازين القوى الداخلي، والشعور بأن الحياة السياسية اللبنانية كلها مرهونة بفائض القوة العسكرية التي يملكها حزب الله، وتصاعد نفوذه السياسي داخل مؤسسات الدولة، ولا سيما بعد النتائج التي حققها في الانتخابات النيابية أخيرا. والواقع اليوم أن قرار الحرب والسلم في لبنان اليوم في يد حزب الله وحلفائه الإقليميين.
وإذا كان شعور اللبنانيين بالزهو بإنجاز التحرير يخالطه شيءٌ من القلق والخوف على المستقبل من اعتداءاتٍ إسرائيلية جديدة، فإن الموقف الإسرائيلي من هذه الذكرى يغلب عليه الشعور 
بالمرارة، وتضييع الفرصة، ينعكس هذا جلياً في كتبٍ تناولت تلك الحرب التي يسمّيها الكاتب موتي فريدمان "الحرب المنسية"، كما يبرز في مقالات وتعليقات إسرائيلية تناولت الحدث بعد مرور 18 عاماً.
قد يكون السبب الأساسي للمرارة الإسرائيلية أن ذلك الانسحاب الأحادي شكل سابقةً لانسحاب أحادي لا يقل عنه أهمية، هو قرار إريئيل شارون الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة صيف 2005. عندما ينظر الإسرائيليون اليوم إلى نتائج الانسحابين يجدون صورة قاتمة لا تصب في مصلحتهم. تحول حزب الله الذي كان مليشيا صغيرة في مايو/ أيار 2000 إلى جيش شبه نظامي، وبات يشكل دولةً في داخل الدولة. وبحسب تقارير غربية، أصبح من أغنى التنظيمات في العالم، مع دخل يفوق مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى امتلاكه 130 ألف صاروخ، أي ما يفوق ما تملكه دول غربية كبيرة، ناهيك عن أنه عنصر أساسي في المحور الشيعي الذي تقوده إيران في المنطقة. أما الانسحاب من غزة فقد حوّل القطاع إلى "كيان معادٍ"، بحسب التعريف الإسرائيلي، وإلى بؤرة توتر ومواجهات عسكرية بعد سيطرة حركة حماس.
وما لا يقل أهمية عن هذا كله أن الانسحاب الأحادي من لبنان سنة 2000، أو من غزة سنة 2005، شكلا بداية مرحلة تصاعد النفوذ الإيراني هنا وهناك.
ومن الدروس البارزة الأخرى للانسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000 قدرة تأثير حركات الاحتجاج الجماهيري على متخذي القرارات، ورفض المجتمع الإسرائيلي الحروب الطويلة، وخصوصا الأثمان البشرية لها. وقد برز هنا دور حركة "الأمهات الأربع" التي نشأت في أعقاب حادثة اصطدام مروحيتين إسرائيليتين في فبراير/ شباط 1997 كانتا تقلان جنوداً إلى لبنان. وقد تحولت تلك الحركة إلى أداة ضغط جماهيرية ضد استمرار احتلال إسرائيل للحزام الأمني في لبنان. وقد تلقف تلك المطالبة زعيم حزب العمل آنذاك، إيهود باراك، وجعلها عنواناً لحملته الانتخابية، وأول ما فعله باراك بعد فوزه بالانتخابات تنفيذ وعده بالانسحاب من لبنان. وعلى الرغم من كل التحفظات الإسرائيلية على نتائج الانسحاب، يفخر باراك به، ويرى أنه كان ضرورياً.
التجربة المرة الأخرى هي المصير المأساوي الذي لاقاه حلفاء إسرائيل في لبنان، خصوصا أفراد جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم، سواء من فرّوا إلى إسرائيل أو من بقوا في لبنان وتعرّضوا للملاحقة والمحاكمة والنبذ.
ثمة استنتاج إسرائيلي آخر، هو محدودية فعالية القرارات الدولية التي اتخذت بعد الانسحاب الأحادي سنة 2000، وحتى التي اتخذت بعد حرب تموز/ يوليو 2006، فما فشلت إسرائيل في تحقيقه عسكرياً في لبنان، أي إبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود الجنوبية، وكبح تعاظم قوته العسكرية، لم تحققه هذه القرارات.
توضح الانعكاسات البعيدة المدى للانسحابات من طرف واحد أنها لا تشكل حلاً جذرياً للصراع، بقدر ما تعمل على تأجيل هذا الحل، واستمرار الصراع بدرجات متفاوتة الحدة إلى ما لا نهاية.
دلالات
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر