يقضي ناصر (14 عاماً) ساعات يومه الطويل في مشغل الخياطة الذي بدأ يعمل فيه قبل عامَين، عندما قرر والده إخراجه من المدرسة ودفعه إلى سوق العمل. بحسرة يقول المراهق الصغير: "كنت أحلم بدراسة الطب. كنت شاطراً في المدرسة".
ويروي: "عندما أنهيت الصف السادس ابتدائي، أعلمني والدي أن تلك كانت سنتي الدراسية الأخيرة، ويجب أن أعمل. وعندما أبلغته برغبتي في مواصلة تعليمي، أجاب: الدراسة ما بتطعمي خبز". يضيف أنه عندما تغيّب مع بداية العام الدراسي الجديد، جاء زملاؤه للسؤال عنه، وكذلك حاول عدد من الأساتذة التوسّط لدى والده لإعادته إلى المدرسة، لكن من دون جدوى.
والمراهق الصغير الذي طلب أن يكون اسمه المستعار "ناصر"، يدرك السبب الرئيسي لوضعه هذا. يقول: "أنا الأكبر سناً بين إخوتي الذكور، ووالدي مصاب بديسك (انزلاق غضروفي) في ظهره، ولا يستطيع العمل. بالتالي، عليّ أن أعيل عائلتي المكونة من ثمانية أفراد هم والداي وشقيقتان وثلاثة أشقاء".
يعمل ناصر 14 ساعة يومياً، يقضيها في قص الخيوط الزائدة وفتح العروات، وهو ما يعرف بـ "التشطيب" في عالم الخياطة. ومقابل ساعات العمل الطويلة والمرهقة تلك، يتقاضى سبعة دنانير أردنية (نحو 10 دولارات أميركية) يومياً. هو لا ينفق شيئاً منها، ويسلمها لوالده فور عودته إلى البيت مساءً. ويخبر أن "البيت قريب من المشغل، لذا يقصده مشياً. والمعلم (صحاب المشغل) يؤمن لنا وجبة الغداء".
لا يخفي ناصر الحزن الذي يشعر به عندما يشاهد أصدقاءه وهم يقصدون المدرسة صباحاً، فيما هو يتوجّه إلى العمل. يقول: "كنت أتمنى أن أبقى معهم"، ويكشف أن والده أخرج شقيقتَيه من المدرسة وزوّجهما قبل أن تبلغا الثامنة عشرة.
تقرّ وزارة التربية والتعليم في الأردن بتوسّع ظاهرة التسرب المدرسي في فترة التعليم الإلزامي، التي تنتهي بحسب القانون في الصف العاشر أساسي أي عند بلوغ التلميذ السادسة عشرة، لكنها لا تفصح عن أي أرقام. وكانت دراسة أجرتها الوزارة قبل عامين قد خلصت إلى أن الأسباب التي تدفع بأولياء الأمور إلى إخراج أولادهم من المدرسة، تعود إلى عوامل اقتصادية من قبيل الفقر والحاجة إلى عمالة الأطفال، وأخرى اجتماعية كمنع الفتيات من متابعة الدراسة وتزويجهن مبكراً، بالإضافة إلى عوامل أسرية تتمثل بوفاة أحد الوالدين أو الطلاق وما شابه.
وتتحدث مديرة التعليم النظامي في الوزارة زينب الشوابكة عن "سلسلة من الإجراءات التي تلجأ إليها الوزارة للحد من التسرب، والتي تقضي بتطبيق التشريعات القانونية على جميع أولياء الأمور الذين لا يبدون تعاوناً بشأن إعادة أبنائهم إلى المدرسة، وذلك من خلال عقوبات مادية ومعنوية. إلى ذلك، تأتي تشريعات تمنع تشغيل الأطفال".
وتشير الشوابكة إلى "دور الوزارة التوعوي مع أولياء الأمور، من خلال لقاءات عن طريق مجلس أولياء الأمور والمدرسين بالتعاون مع المرشد التربوي، لتعريفهم بأهمية التعليم الإلزامي". تضيف أن "ثمة دوراً علاجياً أيضاً في حال تغيّب التلاميذ لفترة طويلة عن الدراسة. فبالتنسيق مع المرشد التربوي في المدرسة، تنظم زيارات إلى منازلهم لمعرفة أسباب غيابهم. وفي حال كان ولي الأمر هو من أجبر ابنه على ذلك، يستدعيه الحاكم الإداري لحثه على إعادته إليها".
لكن كل تلك الإجراءات وغيرها لم تنجح في إعادة رجاء إلى مقاعد الدراسة بعدما أجبرها والدها على التوقّف عنها للزواج، قبل أن تكمل السادسة عشرة. هي اليوم في التاسعة عشرة وأم لطفلين.
تخبر رجاء: "أجبرني والدي على ترك المدرسة لأنني خطبت، فأخبرت بنات صفي بذلك. فرحن لي، لكن إحدى المدرّسات اصطحبتني إلى مكتب المديرة لما عرفت أنني سأتزوج. فطلبت الأخيرة لقاء ولي أمري". تضيف: "وعندما أخبرت والدتي، أجابت: خلصنا مدارس".
تزوجت رجاء بقرار من القاضي الشرعي، لأن القانون الأردني يمنع زواج الفتيات دون الثامنة عشرة إلا بقرار من القاضي الشرعي، بناءً على ادعاء والدها بأن في زواجها مصلحة لها.
وتشدد هنا المتخصصة في علم النفس خالدة محادين على أن "منع التلاميذ من متابعة دراستهم بهدف تشغيلهم أو تزويجهم، أمر في غاية الخطورة، ويمثل اعتداءً على حقوقهم الأساسية". وتوضح أن "إخراج الأطفال من المدرسة إلى سوق العمل ينتزعهم من بيئتهم الطبيعية، فيحرمهم بالتالي من الاحتياجات اللازمة لتطورّهم العقلي والنفسي والجسدي، ويجد الصغير نفسه في بيئة جديدة تجرّده من طفولته وتجعله عرضة للاستغلال". تضيف محادين أن "إخراج الفتيات من المدرسة لتزويجهن، سيحولهن إلى أمهات طفلات، يعجزن عن تأمين الرعاية لأطفالهن لأنهن ما زلن بحاجة إلى الرعاية والاهتمام".
ويروي: "عندما أنهيت الصف السادس ابتدائي، أعلمني والدي أن تلك كانت سنتي الدراسية الأخيرة، ويجب أن أعمل. وعندما أبلغته برغبتي في مواصلة تعليمي، أجاب: الدراسة ما بتطعمي خبز". يضيف أنه عندما تغيّب مع بداية العام الدراسي الجديد، جاء زملاؤه للسؤال عنه، وكذلك حاول عدد من الأساتذة التوسّط لدى والده لإعادته إلى المدرسة، لكن من دون جدوى.
والمراهق الصغير الذي طلب أن يكون اسمه المستعار "ناصر"، يدرك السبب الرئيسي لوضعه هذا. يقول: "أنا الأكبر سناً بين إخوتي الذكور، ووالدي مصاب بديسك (انزلاق غضروفي) في ظهره، ولا يستطيع العمل. بالتالي، عليّ أن أعيل عائلتي المكونة من ثمانية أفراد هم والداي وشقيقتان وثلاثة أشقاء".
يعمل ناصر 14 ساعة يومياً، يقضيها في قص الخيوط الزائدة وفتح العروات، وهو ما يعرف بـ "التشطيب" في عالم الخياطة. ومقابل ساعات العمل الطويلة والمرهقة تلك، يتقاضى سبعة دنانير أردنية (نحو 10 دولارات أميركية) يومياً. هو لا ينفق شيئاً منها، ويسلمها لوالده فور عودته إلى البيت مساءً. ويخبر أن "البيت قريب من المشغل، لذا يقصده مشياً. والمعلم (صحاب المشغل) يؤمن لنا وجبة الغداء".
لا يخفي ناصر الحزن الذي يشعر به عندما يشاهد أصدقاءه وهم يقصدون المدرسة صباحاً، فيما هو يتوجّه إلى العمل. يقول: "كنت أتمنى أن أبقى معهم"، ويكشف أن والده أخرج شقيقتَيه من المدرسة وزوّجهما قبل أن تبلغا الثامنة عشرة.
تقرّ وزارة التربية والتعليم في الأردن بتوسّع ظاهرة التسرب المدرسي في فترة التعليم الإلزامي، التي تنتهي بحسب القانون في الصف العاشر أساسي أي عند بلوغ التلميذ السادسة عشرة، لكنها لا تفصح عن أي أرقام. وكانت دراسة أجرتها الوزارة قبل عامين قد خلصت إلى أن الأسباب التي تدفع بأولياء الأمور إلى إخراج أولادهم من المدرسة، تعود إلى عوامل اقتصادية من قبيل الفقر والحاجة إلى عمالة الأطفال، وأخرى اجتماعية كمنع الفتيات من متابعة الدراسة وتزويجهن مبكراً، بالإضافة إلى عوامل أسرية تتمثل بوفاة أحد الوالدين أو الطلاق وما شابه.
وتتحدث مديرة التعليم النظامي في الوزارة زينب الشوابكة عن "سلسلة من الإجراءات التي تلجأ إليها الوزارة للحد من التسرب، والتي تقضي بتطبيق التشريعات القانونية على جميع أولياء الأمور الذين لا يبدون تعاوناً بشأن إعادة أبنائهم إلى المدرسة، وذلك من خلال عقوبات مادية ومعنوية. إلى ذلك، تأتي تشريعات تمنع تشغيل الأطفال".
وتشير الشوابكة إلى "دور الوزارة التوعوي مع أولياء الأمور، من خلال لقاءات عن طريق مجلس أولياء الأمور والمدرسين بالتعاون مع المرشد التربوي، لتعريفهم بأهمية التعليم الإلزامي". تضيف أن "ثمة دوراً علاجياً أيضاً في حال تغيّب التلاميذ لفترة طويلة عن الدراسة. فبالتنسيق مع المرشد التربوي في المدرسة، تنظم زيارات إلى منازلهم لمعرفة أسباب غيابهم. وفي حال كان ولي الأمر هو من أجبر ابنه على ذلك، يستدعيه الحاكم الإداري لحثه على إعادته إليها".
لكن كل تلك الإجراءات وغيرها لم تنجح في إعادة رجاء إلى مقاعد الدراسة بعدما أجبرها والدها على التوقّف عنها للزواج، قبل أن تكمل السادسة عشرة. هي اليوم في التاسعة عشرة وأم لطفلين.
تخبر رجاء: "أجبرني والدي على ترك المدرسة لأنني خطبت، فأخبرت بنات صفي بذلك. فرحن لي، لكن إحدى المدرّسات اصطحبتني إلى مكتب المديرة لما عرفت أنني سأتزوج. فطلبت الأخيرة لقاء ولي أمري". تضيف: "وعندما أخبرت والدتي، أجابت: خلصنا مدارس".
تزوجت رجاء بقرار من القاضي الشرعي، لأن القانون الأردني يمنع زواج الفتيات دون الثامنة عشرة إلا بقرار من القاضي الشرعي، بناءً على ادعاء والدها بأن في زواجها مصلحة لها.
وتشدد هنا المتخصصة في علم النفس خالدة محادين على أن "منع التلاميذ من متابعة دراستهم بهدف تشغيلهم أو تزويجهم، أمر في غاية الخطورة، ويمثل اعتداءً على حقوقهم الأساسية". وتوضح أن "إخراج الأطفال من المدرسة إلى سوق العمل ينتزعهم من بيئتهم الطبيعية، فيحرمهم بالتالي من الاحتياجات اللازمة لتطورّهم العقلي والنفسي والجسدي، ويجد الصغير نفسه في بيئة جديدة تجرّده من طفولته وتجعله عرضة للاستغلال". تضيف محادين أن "إخراج الفتيات من المدرسة لتزويجهن، سيحولهن إلى أمهات طفلات، يعجزن عن تأمين الرعاية لأطفالهن لأنهن ما زلن بحاجة إلى الرعاية والاهتمام".