لم يعد مخفيّاً على أحد أنّه للتلاميذ الأفغان المقاتلين في صفوف "طالبان" معاملة خاصة. هؤلاء يحصلون على علامات مرتفعة من دون أي عناء، ومن دون الحاجة إلى حضور الصفوف. السلاح كفيل بحل أية مشكلة.
ما من سبب قد يدفع محمد الله، وهو أفغاني، لبذل أي جهد في المدرسة، بهدف الحصول على علامات جيّدة في الامتحانات. وليس للأمر علاقة بذكائه، بل سلاح وقوة طالبان. هذا الشاب الذي يتحدر من مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار، يدرس في إحدى الثانويات، ويحصل على علامات جيدة، رغم أنه لا يملك كتباً حتى. فهو إضافة إلى كونه مقاتلاً في "طالبان"، فإنه يتولى أعمالاً أخرى.
هذا الشاب على ثقة بأنه سيتخرّج رغم لامبالاته بالدراسة وقانون المدرسة، ورغم ما يرتكبه من انتهاكات بحقّ المدرسين، والسبب أنه أحد مقاتلي طالبان. بالتالي، يمكنه تهديد أي شخص، تحديداً المدرسين. فهمّ هؤلاء الأساسي هو الحصول على لقمة العيش.
بالنسبة إلى محمد الله، لا فائدة من الذهاب إلى المدرسة بانتظام وقراءة الكتب، فقد اختار لنفسه مستقبلاً مختلفاً. من جهة أخرى، يشكو من كثرة تغيب المدرسين أو انشغالهم بالزراعة وأعمال أخرى. ويرفض ما يقال حول أن سبب حصوله على علامات جيّدة يرتبط بكونه مقاتلاً مع طالبان، لافتاً إلى أنّ هذا يحصل مع تلاميذ آخرين بطريقة أو أخرى، وذلك إمّا لأنهم يساعدون الأساتذة في الحقول والزراعة، أو في أمور أخرى، أو لأنهم يجلبون لهم الهدايا. لكلّ شخص أسلوبه إذاً للحصول على علامات جيدة. من جهة أخرى، تمارس "طالبان" ضغوطاً على الأساتذة بهدف إنجاح التلاميذ المجندين في صفوفها أو الذين يتعاونون معها.
في هذا السياق، يقول سيد كريم، أحد سكان إقليم ننجرهار، إنّه لا يمكن للتلاميذ الذين ينتمون إلى طالبان الرسوب. على العكس، يحصلون على علامات جيّدة خوفاً من سلاح طالبان. كما أنّ قيادات طالبان المحليّة تعطي المدرسين أسماء المقاتلين معها، لضمان حصولهم على علامات جيّدة. وكانت الصحف المحلية قد أثارت القضية قبل فترة، لافتة إلى أن طالبان تتدخل في النظام الدراسي في أفغانستان، ليس فقط من خلال فرض مواد دراسية ومنع أخرى، بل أيضاً من خلال الضغط على الأساتذة والمسؤولين في المدارس لإنجاح مسلّحي طالبان.
من جهته، يوضح الزعيم القبلي محمد سرور أنّ تدخل طالبان في النظام الدراسي، خصوصاً في المناطق النائية، لم يعد مخفياً على أحد. يضيف أن مسلحين كثيرين تخرّجوا من المدارس علماً أنهم كانوا يذهبون إليها خلال فترة الامتحانات فقط، كما أن المدرسين يعدون لهم امتحانات خاصة، خوفاً منهم.
وإلى دور الحكومة، يقول سرور إن المعضلة الأساسية هي ضعف الحكومة في كثير من المناطق النائية في الأقاليم، في ظل سيطرة طالبان، التي تفعل ما تشاء. ويلفت إلى أن جميع المدارس في أيدي المسلحين.
ولا تقتصر الأمور عند هذا الحد، بل إنّ عدداً كبيراً من الأساتذة والمدرسين في المدارس في الأقاليم يقاتلون في صفوف "طالبان". ولا يحضر مدرسون إلى المدارس، ويتقاضون رواتبهم من الحكومة. وفي الوقت نفسه يقاتلون في صفوف طالبان. وهذا الأمر يؤكده المسؤولون في الحكومة.
ويقول الناطق باسم الحكومة المحلية في إقليم لوجار المجاور للعاصمة كابول، سليم صالح، إنّ بعض المدرسين في الأقاليم يدرسون في النصف الأول من النهار، ثم يقاتلون في صفوف طالبان. ويوضح أنه في أحيان كثيرة، يقتل مدرسون أثناء المعارك مع القوات المسلحة. على سبيل المثال، قتل أخيراً اثنان من المسلحين في إحدى ضواحي مدينة "بول العلم" في إقليم لوجار، واكتشف جهاز الاستخبارات أن أحدهم كان مدرساً في مدرسة العثمانية الواقعة في المدينة. واستهدفت عمليّة للقوات الخاصة في مديريّة محمد آغا في الإقليم نفسه، منزل أحد المدرسين، ما أدى إلى مقتل أربعة مسلحين، أحدهم صاحب المنزل وهو مدرس في إحدى المدارس الثانوية.
وكانت القوّات المسلحة الأفغانية قد صادرت كميّات كبيرة من المتفجرات والأحزمة الناسفة من مدارس كابول خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى تشديد الرقابة على المدارس. ويعد استخدام المدارس لأهداف عسكرية، والتدخل فيها من قبل الجماعات المسلحة، ضربة قوية لقطاع التعليم في البلاد الذي شهد تقدماً نسبياً خلال العقد الماضي، رغم المشاكل التي يواجهها.
ويقول أحد العاملين في المجال التربوي، لطف الله وفا، إنّ استخدام التعليم لأغراض عسكريّة يعد مشكلة كبيرة بحق مستقبل هذه البلاد، لافتاً إلى أنه يتوجب على الحكومة والمجتمع المدني التحرك لمحاربة هذه الظاهرة، إذ سيكون لها آثار وخيمة في حال استمرت. يضيف أنّ بعض الجهات في الداخل والخارج تسعى إلى القضاء على قطاع التعليم، خصوصاً أنّه كفيل بتدمير مستقبل البلاد.