تلاميذ الجزائر إلى صفوفهم

15 سبتمبر 2017
في ملعب المدرسة (أحمد كمال)
+ الخط -

بعد غد الأحد في السابع عشر من سبتمبر/ أيلول، ينطلق العام الدراسي الجديد في الجزائر ويتوجّه التلاميذ إلى صفوفهم أسوة بتلاميذ الجارة تونس

مع انطلاق العام الدراسي الجديد، لا يخفي أولياء الأمور في الجزائر شكواهم من المطالب المدرسية الكثيرة التي تفرغ جيوبهم. وبينما يتطلّع الصغار الذين تطأ أرجلهم المدرسة للمرّة الأولى إلى البداية الجديدة، يعرف هؤلاء الذين يعودون بعد عطلتهم الصيفية جيداً أنّهم سوف يرجعون إلى الواجبات والحقائب الثقيلة.

السعيد حلاسي موظف في إحدى الإدارات الرسمية، وهو أب لأربعة أولاد أكبرهم يخضع هذا العام لامتحان شهادة البكالوريا فيما أصغرهم في الصف الثاني متوسط. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه يعاني من "قلق وهواجس يومية من جرّاء المدرسة، لا سيّما أنّ المستلزمات المدرسية من كراريس وكتب وغيرها تتزايد في كل عام، وكذلك اشتراطات بعض المدرّسين". ويسأل: "كيف يواجه ابن القلّيل (الفقير باللهجة الجزائرية) التكاليف الباهظة؟".

ويتحدّث حلاسي عن "الحقيبة الثقيلة التي تسبّبت في ألم ظهر ابنه الأصغر". فالحقيبة في الجزائر تحوّلت إلى عبء ثقيل على التلميذ بحسب ما يشكو كثيرون من أولياء الأمور. من جهتها، تقول حياة بن سلامة لـ "العربي الجديد" إنّ "ابني وهو تلميذ في الصف الخامس ابتدائي، يشتكي منذ أشهر من آلام حادة في الظهر والسبب هو المحفظة المثقلة بالكراريس والكتب والمستلزمات الضرورية". وبينما لا تخفي بن سلامة خوّفها من أن يتأذّى ابنها الثاني من الأمر نفسه، تعلّق والدة أخرى قائلة لـ "العربي الجديد" إنّ "وزن الحقيبة أثقل من وزن التلميذ بحدّ ذاته، قبل أن نتحدّث عن المشاكل الأخرى، من مضمون الكتب والمستوى الدراسي".

إلى ذلك، يشكو بعض المدرّسين من الاكتظاظ في الفصول، نظراً إلى ارتفاع عدد التلاميذ في الجزائر الذي يتخطّى تسعة ملايين تلميذ في المراحل التعليمية الثلاث، الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وعلى الرغم من إنشاء مدارس جديدة وتجهيزها لتستقبل الأعداد المتزايدة من التلاميذ خلال الموسم الدراسي الجديد 2017 - 2018، فإنّ مشكلة الاكتظاظ ما زالت تؤرّق المدرّسين وأولياء أمور التلاميذ لجهة جودة التحصيل التعليمي. يقول المدرّس ندير بو عبدالله لـ "العربي الجديد" إنّ عدد التلاميذ يصل في الصف الواحد إلى 40 وهو أمر يتكرر سنوياً ويعاد طرحه عاماً بعد عام إذ "يمثّل قضية يطرحها المدرّسون ترتبط بتحكّمهم بالصف وبتعليم التلاميذ وبضمان تكوين (تدريب) جيّد".

ثمّة تخوّف من المستوى التعليمي (أحمد كمال)
 

من جهة أخرى، برزت قضيّة جديدة، فكانت تعليقات وأخرى مضادة على حذف البسملة من عدد من الكتب المدرسية في الجزائر، ولم تسلم وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط من سهام المنتقدين الذين اتهموها بأنّها تؤسس لتيار "تغريبي" من خلال حذف البسملة. وفي تصريح صحافي للإذاعة الجزائرية قالت بن غبريط "بسم الله الرحمن الرحيم لم تكن موجودة في كتب مدرسية عدة منذ سنوات في حين ما زالت في بعض الكتب"، في محاولة لوضع حدّ للجدال الذي ما زال قائماً في الأوساط التربوية.

وفي هذا الإطار، ذهب البعض إلى المطالبة بانتقاد مضامين الكتب والكادر التربوي وظروف التعليم وغيرها من مشاكل بدلاً من مناقشة "مشكلة ثانوية". بالنسبة إلى الإعلامي أنس جمعة المتابع للشأن التربوي، فإنّ "ثمّة مشاكل تحول دون تحسين في أوضاع المدرسة الجزائرية عموماً، تبرز مع انطلاق كل عام دراسي جديد". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "إصلاح المنظومة التربوية في الجزائر لا يمر عبر مسألة ثانوية. الأهم هو التركيز على حلّ مشاكل الاكتظاظ في الصفوف ووجبات المقاصف المدرسية، خصوصاً في المدن الداخلية وفي المناطق النائية حيث يضطر التلميذ إلى التنقل لعشرات الكيلومترات إلى المدرسة ويتعذّر عليه الحصول على وجبة الغذاء في المدرسة".

كذلك، يشدد جمعة على "أهمية إعادة النظر في تدريب الأساتذة وتكوينهم تماشياً مع متغيّرات العصر وأساليب التعليم"، موضحاً أنّ "مستوى المدرّس في المؤسسات التربوية ما زال ضعيفاً بالمقارنة مع التطور الحاصل في التعليم عموماً والإصلاحات ذات الصلة منذ سنوات طويلة. من شأن ذلك التأثير على التحصيل المدرسي للتلاميذ ويؤدّي إلى اختلال في جودة التعليم ومستواه".



ثمّة مشكلة أخرى تستهدف آلاف التلاميذ، خصوصاً في القرى والمدن الداخلية، وهي النقل المدرسي. فكثيرون يضطرون إلى قطع الكيلومترات سيراً على الأقدام من أجل تلقّي الدراسة، وهو الأمر الذي يدفع بالأهل إلى اتخاذ قرارات خاطئة في حقّ أبنائهم، فيمنعونهم من الدراسة نهائياً أو يجعلونهم يتغيّبون خصوصاً في فصل الشتاء مع البرد القارص. كذلك، يتخوّف الأهل من الاعتداءات أو الاختطاف التي قد يتعرّض لها أبناؤهم على الطرقات.

النقل المدرسي مشكلة حقيقية (أحمد كمال)
 

في سياق متّصل، تتخوّف وزارة التربية الوطنية في الجزائر من ارتفاع نسب الرسوب في المدارس، لذا طلبت من مصالحها التربوية إعداد مخطط لمواجهة ذلك. وكانت تصريحات سابقة لوزيرة التربية قد بيّنت وصول عدد الراسبين خلال العام الدراسي الماضي إلى أكثر من 200 ألف تلميذ، وهو ما دفع بمسؤولة قطاع التعليم إلى وضع خطة لمحاربة "إعادة السنة" في المراحل الثلاث. فالأمر بالنسبة إليها "ظاهرة" لا بدّ من التصدي لها في العام الدراسي الذي ينطلق اليوم، وقد دعت إلى الاهتمام بالصعوبات التي يواجهها التلميذ.

إلى ذلك، كشفت البيانات عن استفادة أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ في مختلف ولايات الجزائر من مجانية وجبات الطعام خلال الدوام المدرسي ومجانية الكتب كذلك، بالإضافة إلى تأمين المستلزمات المدرسية مجاناً لأكثر من مليون و500 ألف تلميذ في إطار برنامج لمساعدة الأسر المعوزة.

المساهمون