تكريت - عدن: أين البوصلة؟

04 ابريل 2015

تظاهرة لحركة رفض الشبابية ضد انقلاب الحوثي (28مارس/2015/الأناضول)

+ الخط -

لم يمر وقت كثير على ذلك النقاش، أو النقاشات، التي دارت مع مجموعات من الأصدقاء، السابقين ربما. كان ذلك قبل أربع سنوات، وامتد شهوراً، وتحديداً مع اندلاع الثورة السورية، حين قررنا أن نقف في صف الشعب السوري في وجه النظام الهمجي الذي كان، ولا يزال، يعيث بأبناء شعبه تقتيلاً. كانت ذريعة الطرف الآخر في النقاش أن الثورة في سورية هي لتغيير وجهة البندقية، وحرف البوصلة عن فلسطين ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لم تفلح كل المناظرات في الإشارة إلى أن الوقوف إلى جانب الشعوب المستضعفة ليس بالضرورة تسليماً بقضاء الاحتلال الذي تذرعت به الأنظمة في سنوات ديكتاتوريها الطويلة، بل ربما على العكس، فالتحرر الداخلي لا بد أن يؤدي إلى التحرر الأكبر المنشود، وبشكل أكثر جدية.

انتهى النقاش على خلاف واختلاف، وذهب كل إلى ما قادته إليه قناعاته. مرت الأيام، قصيرة وليست طويلة، وبدأ انخراط حزب الله في الحرب السورية، واتضحت مشاركته أكثر وأكثر في مواجهة الشعب السوري. الأصدقاء نفسهم، أو من كانوا كذلك، غاصوا في تحليلاتهم للمشاركة التي تصب في خدمة "البوصلة" "مواجهة الهجمة الإمبريالية" على الممانعة السورية، وما إلى ذلك من عبارات خشبية ـ صالحة لكل زمان ومكان، ولها جمهورها الذي يصدقها، ليس لحقيقتها. ولكن، لأنها تلعب ضمناً على أوتار طائفية ومذهبية. وهذا تحديداً ما لم يعد المشاركون في الحرب السورية يخفونه، إذ أضافوا إلى البوصلة وجهة أخرى، هي حماية المسيحيين والأقليات في المنطقة، مستفيدين من الإجرام الداعشي في سورية والعراق. ونجح تعديل البوصلة في تحشيد مناصرين ومقاتلين، لتبتلعهم ساحات الوغى السورية.

أيضاً، وقبل أن يمر وقت كثير، برزت وجهة مختلفة لبوصلة "الأصدقاء"، فباتت معارك تكريت ومتابعتها ورفدها بالتعليق وشحن المعنويات، وكأنه يحاكي التقدم لتحرير القدس المحتلة، على الرغم من أن آلاف الكيلومترات تفصل بين المدينتين. لم يملك هؤلاء، أو على الأقل غالبيتهم، جرأة الإقرار أن المعركة لا بوصلة لها إلا الخلفيات المذهبية، ولا أبعاد لها إلا المزيد من الشحن الذي يؤمن لها الوقود من الطرفين، على حد سواء.

كان للانخراط في الأحداث العراقية، بالنسبة لهم، ما يبرره. عنوان "داعش" العريض كان يستخدم وقوداً لإعطاء الدفع للدخول في الحربين السورية والعراقية، وذلك كله بذريعة "الحروب الاستباقية" البوشية، ودرء الخطر قبل تمدده. ثم جاءت الحرب اليمنية، والحديث هنا عن مرحلة ما قبل التحالف العشري بشهور. انتقل التحشيد فجأة إلى محور آخر، وبات للبوصلة عنوان جديد، هو التمدد الحوثي الذي أضفي عليه، فجأة، طابع القداسة والنضال. متابعة لحظية لكل خطوة تقدم ينجزها الحوثيون نحو العاصمة صنعاء، وبهجة عارمة يوم احتلال المدينة، وبدء الزحف نحو عدن، وهي المعركة التي يتابعها هؤلاء، اليوم، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنها المعركة الفصل في "حرب الخير والشر". هذه المرة لا يأتون على ذكر فلسطين، ولا حتى "داعش"، طالما أن اليمن لا يزال بعيداً عن يد هذا التنظيم، وحتى بيان تبني تفجيرات صنعاء الذي ظهر باسم التنظيم تثار حوله تساؤلات كثيرة، فربما كان ضمن عدة إضفاء "الشرعية" على المعارك الحوثية. لكن، بغض النظر عن هذا التفصيل، لم تكن البوصلة حاضرة في حديث المعسكر الحوثي وأنصاره الممتدين إلى خارج الحدود اليمنية. لم تحضر إلا مع بدء ضربات التحالف العشري، من باب التساؤل عن سبب عن تدخل العرب سابقاً في الأراضي المحتلة، وكأن الحوثيين المتحالفين مع صالح كانوا في طريق الزحف على القدس، قبل أن تنقض عليهم الطائرات.

من الأفضل التوقف عن حديث البوصلة هذا، والزج في فلسطين في معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولا بد من الإقرار أن اتجاه البوصلة ما لبث يبتعد، ربما إلى "ما بعد بعد" اليمن.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".