غابت تكريت ومعاركها عن ساحة الاهتمام العربي، وخف ضجيجها عند العراقيين أنفسهم وهم يراقبون مجريات عملية "عاصفة الحزم" ضدّ جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) الانقلابية في اليمن، وتطوراتها السياسية، على الرغم من أن المعركة ازدادت شراسة عما كانت عليه في الأسبوع الماضي.
اقرأ أيضاً (عشائر تكريت تتعهّد بسد فراغ انسحاب المليشيات)
وبعدما أحرجت تكريت إيران نتيجة فشل قواتها الخاصة، ممثلة بالحرس الثوري، في اقتحامها، واضطرار حكومة حيدر العبادي وقادة عراقيين آخرين إلى الاعتراف بصعوبة اقتحام المدينة، تم اللجوء إلى الولايات المتحدة بغرض المساعدة في اقتحام المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 30 كيلومتراً وبطلب رسمي من بغداد.
ومع مرور شهر على بدء معركة تكريت، لا يزال أصحاب الرايات السوداء يبسطون سيطرتهم على المدينة التي تحولت، بفعل القصف الجوي لقوات التحالف الدولي والقوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي"، إلى نسخة ثانية من مدينة عين العرب السورية، لكن بفارق حجم المساحة وطرفي الصراع.
اقرأ أيضاً ("عين العرب": مدينة نصفها أطلال والعائدون بلا مأوى)
وكشفت مصادر محلية خاصة فضلت عدم نشر اسمها، في حديث لـ"لعربي الجديد"، عن أرقام مخيفة في الخسائر التي تكبّدتها المدينة جرّاء تلك المعارك منذ شهر، تفاوتت بين خسائر بشرية وأخرى مادية، أعادت المدينة التي كانت توصف ببغداد ثانية في العراق لجمالها وسحر طبيعتها إلى مرحلة ما قبل الصناعة، إذ جاء الدمار على كل شيء.
وقال مسؤول محلي بتكريت، يتولى مهام التنسيق بين المنظمات الدولية الإغاثية ومقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إن إحصائية أولية أظهرت وجود خسائر كبيرة بين المدنيين لم يعلن عنها في وسائل الإعلام.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن عدد الضحايا المدنيين بلغ 84 شخصاً من بينهم 29 طفلاً دون سن السادسة عشرة و17 امرأة وثمانية مسنين قتلوا خلال شهر بدء الهجوم على المدينة بفعل القصف الجوي للتحالف وسلاح الجو العراقي والقصف الصاروخي الذي تنفذه المليشيات المساندة للجيش.
وأشار إلى فقدان أثر 7 أسر اختطفت بالكامل بعد خروجها من المدينة هرباً من القصف، متهماً المليشيات بالوقوف وراء خطفهم.
وأضاف المسؤول نفسه أنّ "حصيلة الخسائر البشرية غير دقيقة وهي أولية، إذ أبلغنا عن مدنيين آخرين ما زالوا تحت الأنقاض منذ أسبوع وأسبوعين، قتلوا بقصف جوي وصاروخي ولم يتم استخراجهم حتى الآن. ولا تشم إلا رائحة الجثث من تحت الركام، وهناك آخرون قتلوا وتم دفنهم بدون أن يمر بهم بالمستشفى لتسجيل وفاتهم".
وحول الخسائر المادية، أوضح المنسق أن "29 مدرسة ابتدائية وثانوية دمرت بشكل كامل أو شبه كامل، فضلاً عن 7 كليات تابعة لجامعة تكريت وثلاثة معاهد علمية ومراكز تعليم وروضتي أطفال. كما دمر 13 جامعاً ومسجداً عدا عن تدمير محطات الكهرباء والماء والاتصالات وشبكات المجاري وثلاثة جسور و14 مبنى حكوميّاً، وتضرر أكثر من 1900 منزل لمدنيين بفعل القصف وهي أضرار متفاوتة بين دمار كامل أو جزئي".
وتابع أن "غالبية تلك المواقع والمنشآت المدمرة كان يمكن أن تبقى على حالها لولا استهتار كبير من الجيش ونوايا تخريب مسبقة من المليشيات لتدمير تكريت، لاعتبارات طائفية معروفة"، على حد قوله.
غير أن أحد قادة وحدات الجيش العراقي المتواجدة قرب تكريت، ويدعى اللواء الركن ماجد السوداني، قال لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم (داعش) هو من دمر وأحرق المباني قبل أن تطأ أقدامنا حدود المدينة وهو يفخخ كل شيء وأي شيء أمامه، وعمليات استهدافه من قبلنا تتم بناءً على معلومات مسبقة عن أماكن تواجده".
لكن بغضّ النظر عمّن يدمر المدينة، فإن أحياءها المطلة على دجلة تحولت إلى مجرد أطلال أو بقايا لشواخص تثير شجن الأهالي، بعد دخولهم تكريت مرة أخرى. لكنهم لغاية اللحظة يوجهون أصابع الاتهام بتدمير مدينتهم لمن يسمونه "الشيطان الأقرع"، وهو اللقب المتداول بين العراقيين لرئيس الوزراء نوري المالكي. و"الشيطان الأقرع" قصة تراثية عراقية تتحدث عن قائد سفينة سجن جميع الركاب، فأكل الملح جلودهم ولما سال الدم منها اجتمعت الحيتان على السفينة فخرقتها ومات الجميع بمن فيهم "الشيطان الأقرع" نفسه.
وبالعودة إلى مجريات المعارك على الأرض، فقد نجحت طائرات التحالف الدولي بتدمير جزء واسع من (منظومة حقول الألغام)، التي وضعها تنظيم "داعش" حول المدينة، وذلك عبر استخدام قنابل ارتجاجية ألقتها على حزام المدينة، وأسفرت عن انفجار العشرات من تلك الألغام إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار المعارك على محيطها وبمسافات متباينة تصل إلى 500 متر في أشدّ حالاتها وهو المحور الجنوبي.
ويقول اللواء السوداني، في حديثه مع"العربي الجديد"، إن "المعركة قد تطول أكثر وليس لدى أحد تصور متى تنتهي، لكن نحن مصممون على دخول تكريت بأي ثمن".
ويضيف: "لقد قدمنا مئات الشهداء من الجيش والمليشيات ولن نعود إلى ديارنا قبل اقتحام المدينة، والتحالف نعوّل عليه كثيراً في ذلك، ولا أمانع إذا ما طرح خيار استخدام صواريخ الفوسفور الأبيض التي استخدمت بالفلوجة عندما استعصى دخولها على الأميركيين".
في هذه الأثناء، أكّد سكان محليون غادروا تكريت أخيراً عبر طريق نيسمي، الذي يسيطر عليه (داعش) ويفضي إلى مدينة الشرقاط الخاضعة لسيطرته، أن "عدد مقاتلي التنظيم يتراوح ما بين 800 إلى 1200 مقاتل غالبيتهم من العراقيين ومن دول شمال أفريقيا العربية تم استقدامهم بدل المسلحين السابقين لضراوة المعارك".
وقال محمد عبد التكريتي (43 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غالبية من شاهدهم كانوا يرتدون أحزمة ناسفة أو أنهم يحملونها معهم أينما ذهبوا، ولا يتركونها سوى بالحالات الضرورية لهم كالصلاة أو النوم وسمعنا من بعضهم أن لديهم أوامر بعدم الانسحاب والقتال حتى الموت، وهذا سبب تزويدهم بالأحزمة الناسفة".
وأضاف الشاهد نفسه أنّ "إمدادات متواصلة تأتي إليهم وبشكل شبه يومي تدخل المدينة ولا يبدو على المقاتلين أنهم قلقون، بل حزنوا على انسحاب إيران من المعركة، إذ كانوا يؤمّلون أنفسهم بقتل (قاسم) سليماني أو أي ضابط إيراني كبير".
وعلى ما يبدو فإن قرار اقتحام تكريت سواء اليوم أو غداً قد اتخذ وبإصرار أميركي على المدينة لاعتبارات سياسية بعد فشل إيران في اقتحامها، والذي جاء مفرحاً لواشنطن على ما يبدو، إلا أن النهاية بالتأكيد لن تكون في صالح المدينة وأهلها.
وحول ذلك، يقول عضو مجلس عشائر تكريت، الشيخ محمد ناصر، لـ"العربي الجديد"، "إن المدينة ستدمَّر. يحتفل البعض بدمارها، وآخرون بتحريرها، و(داعش) يحتفل أيضاً على طريقته الخاصة، إلا نحن فسنكون الخاسرين من دون أن يكون لنا ناقة أو جمل في الموضوع منذ البداية وأوقعنا الشيطان فيها ورحل".
اقرأ أيضاً (عشائر تكريت تتعهّد بسد فراغ انسحاب المليشيات)
وبعدما أحرجت تكريت إيران نتيجة فشل قواتها الخاصة، ممثلة بالحرس الثوري، في اقتحامها، واضطرار حكومة حيدر العبادي وقادة عراقيين آخرين إلى الاعتراف بصعوبة اقتحام المدينة، تم اللجوء إلى الولايات المتحدة بغرض المساعدة في اقتحام المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 30 كيلومتراً وبطلب رسمي من بغداد.
ومع مرور شهر على بدء معركة تكريت، لا يزال أصحاب الرايات السوداء يبسطون سيطرتهم على المدينة التي تحولت، بفعل القصف الجوي لقوات التحالف الدولي والقوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي"، إلى نسخة ثانية من مدينة عين العرب السورية، لكن بفارق حجم المساحة وطرفي الصراع.
اقرأ أيضاً ("عين العرب": مدينة نصفها أطلال والعائدون بلا مأوى)
وكشفت مصادر محلية خاصة فضلت عدم نشر اسمها، في حديث لـ"لعربي الجديد"، عن أرقام مخيفة في الخسائر التي تكبّدتها المدينة جرّاء تلك المعارك منذ شهر، تفاوتت بين خسائر بشرية وأخرى مادية، أعادت المدينة التي كانت توصف ببغداد ثانية في العراق لجمالها وسحر طبيعتها إلى مرحلة ما قبل الصناعة، إذ جاء الدمار على كل شيء.
وقال مسؤول محلي بتكريت، يتولى مهام التنسيق بين المنظمات الدولية الإغاثية ومقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إن إحصائية أولية أظهرت وجود خسائر كبيرة بين المدنيين لم يعلن عنها في وسائل الإعلام.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن عدد الضحايا المدنيين بلغ 84 شخصاً من بينهم 29 طفلاً دون سن السادسة عشرة و17 امرأة وثمانية مسنين قتلوا خلال شهر بدء الهجوم على المدينة بفعل القصف الجوي للتحالف وسلاح الجو العراقي والقصف الصاروخي الذي تنفذه المليشيات المساندة للجيش.
وأشار إلى فقدان أثر 7 أسر اختطفت بالكامل بعد خروجها من المدينة هرباً من القصف، متهماً المليشيات بالوقوف وراء خطفهم.
وأضاف المسؤول نفسه أنّ "حصيلة الخسائر البشرية غير دقيقة وهي أولية، إذ أبلغنا عن مدنيين آخرين ما زالوا تحت الأنقاض منذ أسبوع وأسبوعين، قتلوا بقصف جوي وصاروخي ولم يتم استخراجهم حتى الآن. ولا تشم إلا رائحة الجثث من تحت الركام، وهناك آخرون قتلوا وتم دفنهم بدون أن يمر بهم بالمستشفى لتسجيل وفاتهم".
وحول الخسائر المادية، أوضح المنسق أن "29 مدرسة ابتدائية وثانوية دمرت بشكل كامل أو شبه كامل، فضلاً عن 7 كليات تابعة لجامعة تكريت وثلاثة معاهد علمية ومراكز تعليم وروضتي أطفال. كما دمر 13 جامعاً ومسجداً عدا عن تدمير محطات الكهرباء والماء والاتصالات وشبكات المجاري وثلاثة جسور و14 مبنى حكوميّاً، وتضرر أكثر من 1900 منزل لمدنيين بفعل القصف وهي أضرار متفاوتة بين دمار كامل أو جزئي".
وتابع أن "غالبية تلك المواقع والمنشآت المدمرة كان يمكن أن تبقى على حالها لولا استهتار كبير من الجيش ونوايا تخريب مسبقة من المليشيات لتدمير تكريت، لاعتبارات طائفية معروفة"، على حد قوله.
غير أن أحد قادة وحدات الجيش العراقي المتواجدة قرب تكريت، ويدعى اللواء الركن ماجد السوداني، قال لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم (داعش) هو من دمر وأحرق المباني قبل أن تطأ أقدامنا حدود المدينة وهو يفخخ كل شيء وأي شيء أمامه، وعمليات استهدافه من قبلنا تتم بناءً على معلومات مسبقة عن أماكن تواجده".
لكن بغضّ النظر عمّن يدمر المدينة، فإن أحياءها المطلة على دجلة تحولت إلى مجرد أطلال أو بقايا لشواخص تثير شجن الأهالي، بعد دخولهم تكريت مرة أخرى. لكنهم لغاية اللحظة يوجهون أصابع الاتهام بتدمير مدينتهم لمن يسمونه "الشيطان الأقرع"، وهو اللقب المتداول بين العراقيين لرئيس الوزراء نوري المالكي. و"الشيطان الأقرع" قصة تراثية عراقية تتحدث عن قائد سفينة سجن جميع الركاب، فأكل الملح جلودهم ولما سال الدم منها اجتمعت الحيتان على السفينة فخرقتها ومات الجميع بمن فيهم "الشيطان الأقرع" نفسه.
وبالعودة إلى مجريات المعارك على الأرض، فقد نجحت طائرات التحالف الدولي بتدمير جزء واسع من (منظومة حقول الألغام)، التي وضعها تنظيم "داعش" حول المدينة، وذلك عبر استخدام قنابل ارتجاجية ألقتها على حزام المدينة، وأسفرت عن انفجار العشرات من تلك الألغام إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار المعارك على محيطها وبمسافات متباينة تصل إلى 500 متر في أشدّ حالاتها وهو المحور الجنوبي.
ويقول اللواء السوداني، في حديثه مع"العربي الجديد"، إن "المعركة قد تطول أكثر وليس لدى أحد تصور متى تنتهي، لكن نحن مصممون على دخول تكريت بأي ثمن".
ويضيف: "لقد قدمنا مئات الشهداء من الجيش والمليشيات ولن نعود إلى ديارنا قبل اقتحام المدينة، والتحالف نعوّل عليه كثيراً في ذلك، ولا أمانع إذا ما طرح خيار استخدام صواريخ الفوسفور الأبيض التي استخدمت بالفلوجة عندما استعصى دخولها على الأميركيين".
في هذه الأثناء، أكّد سكان محليون غادروا تكريت أخيراً عبر طريق نيسمي، الذي يسيطر عليه (داعش) ويفضي إلى مدينة الشرقاط الخاضعة لسيطرته، أن "عدد مقاتلي التنظيم يتراوح ما بين 800 إلى 1200 مقاتل غالبيتهم من العراقيين ومن دول شمال أفريقيا العربية تم استقدامهم بدل المسلحين السابقين لضراوة المعارك".
وقال محمد عبد التكريتي (43 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غالبية من شاهدهم كانوا يرتدون أحزمة ناسفة أو أنهم يحملونها معهم أينما ذهبوا، ولا يتركونها سوى بالحالات الضرورية لهم كالصلاة أو النوم وسمعنا من بعضهم أن لديهم أوامر بعدم الانسحاب والقتال حتى الموت، وهذا سبب تزويدهم بالأحزمة الناسفة".
وأضاف الشاهد نفسه أنّ "إمدادات متواصلة تأتي إليهم وبشكل شبه يومي تدخل المدينة ولا يبدو على المقاتلين أنهم قلقون، بل حزنوا على انسحاب إيران من المعركة، إذ كانوا يؤمّلون أنفسهم بقتل (قاسم) سليماني أو أي ضابط إيراني كبير".
وعلى ما يبدو فإن قرار اقتحام تكريت سواء اليوم أو غداً قد اتخذ وبإصرار أميركي على المدينة لاعتبارات سياسية بعد فشل إيران في اقتحامها، والذي جاء مفرحاً لواشنطن على ما يبدو، إلا أن النهاية بالتأكيد لن تكون في صالح المدينة وأهلها.
وحول ذلك، يقول عضو مجلس عشائر تكريت، الشيخ محمد ناصر، لـ"العربي الجديد"، "إن المدينة ستدمَّر. يحتفل البعض بدمارها، وآخرون بتحريرها، و(داعش) يحتفل أيضاً على طريقته الخاصة، إلا نحن فسنكون الخاسرين من دون أن يكون لنا ناقة أو جمل في الموضوع منذ البداية وأوقعنا الشيطان فيها ورحل".