تكدير أهالي سيناء...عقاب جماعي للمهجرين على يد الدولة والمجتمع

18 ابريل 2019
يعاني أهالي سيناء المهجرون من ضغوط معيشية خانقة (Getty)
+ الخط -
يرصد الناشط والإعلامي السيناوي عادل أبو مسلم، آثار وتداعيات عمليات التهجير القسري لأهالي سيناء التي بدأت منذ إعلان السلطات المصرية إنشاء ما سميت المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، إذ عانى أبناء قبيلتي "السواركة" و"الإرميلات" من الدولة، وكذلك من المجتمعات التي حاولوا الانتقال إليها، بعد استهداف القبيلتين نظراً لقربهما جغرافياً من الحدود في ظل خصومة بين القبائل السيناوية والسلطة المصرية تعود لإهمال أهداف التنمية، لكن تلك الخصومة لا تتبع محددات (الريف - الحضر، الاستقرار - البدو، وعقلية القبلي - موظف الدولة)، وإلا لقدرت أعداد المسلحين المناوئين للدولة بعشرات الآلاف وفق ما جاء في ورقة تحليل "الصراع في سيناء"، للباحثة عفت إدريس الصادرة عن جامعة برمينغهام البريطانية في مارس/آذار من عام 2017.

وتنصّ المادّة 63 من الدستور المصري الذي تم إقراره عام 2014، على أن "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم"، وبالرغم من تلك المادّة فقد بدأت عمليات تهجير أهالي سيناء وإخلاء "المنطقة العازلة" في شمال سيناء في ذات العام، بدعوى إنهاء وجود المقاتلين المسلحين في المناطق الحدودية، إلا أن أعمال التدمير المستمرة لحقت في العام الماضي 3.600 بناية سكنية وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، التي تم تجريفها وتشريد أصحابها، وفق تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية في مارس/ آذار من العام الماضي، ليبلغ عدد المهجرين من مدينتي رفح والشيخ زويد 100 ألف مواطن، وفق تقرير المشهد السيناوي الصادر عن المعهد المصري للدراسات في فبراير/ شباط من العام الجاري.

تصنيف أمني

يعدّ الانتماء الفكري والسياسي أحد أسباب استهداف سكان رفح والشيخ زويد بعمليات التهجير القسري، وهنا يوضح عادل أبو مسلم أن بعض أبناء القبيلتين مصنفين أمنياً ضمن المنتمين فكريت للتيار الإسلامي، وهو ما ظهر بقوة في نتائج الانتخابات الرئاسية؛ بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق في عام 2012، إذ صوّت أهالي شمال سيناء لمرسي بفارق 23.963 صوتاً، ويفيد عادل أبو مسلم بأن قوات الجيش استهدفت أهالي قتلى مذبحتي "رابعة العدوية" و"النهضة" عام 2013، ومن ثم كان "الانتقام" على رأس الأسباب الدافعة لتوسيع نطاق الدمار والتهجير، بحسب ما رصده تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الصادر في مايو/ أيار من عام 2018، وخاصة أن أهالي بعض القبائل كانوا أوائل المتمردين ضد حكم الرئيس السابق مبارك، أثناء احتجاجات 2011 التي أفضت لاستقالته بحسب تحليل جامعة برمينغهام للصراع في سيناء.



اغتراب مضاعف

طاولت خسائر التهجير الموظفين وأصحاب الحرف والتجار، مروراً بأصحاب المزارع ومعاصر الزيتون، وضاعفت المشكلات الاجتماعية والفئوية من الكارثة الإنسانية بين المهجرين. ويذكر الدكتور أحمد سالم، الباحث والأكاديمي المتخصص في الشأن السيناوي، أن تنفيذ المراحل المتقدمة من المنطقة العازلة أظهر الانقسامات الاجتماعية والطبقية بين المهجرين من البدو وعائلات المركز في رفح والشيخ زويد، خلال الفترة منذ عام 2014 وحتى عام 2016، ثم في مدينة العريش، إذ أدى تباين النمط الاجتماعي إلى ضعف استيعاب الأسر الحضرية في مركزي رفح والشيخ زويد للبدو المهجرين، ورغم التواصل عبر رفح والشيخ زويد من خلال علاقات الزواج والتجارة بين البدو والعائلات التي يمتد أصول بعضها إلى فلسطين كما يفيد عادل أبو مسلم، فقد ظلت التكوينات المجتمعية منفصلة بحيث لم يجد المهجرون حواضن اجتماعية في الحضر، تستوعب التنكيل الذي طاول آلاف الأهالي من البدو.

ويضيف سالم إلى التباين المجتمعي اختلافاً في النشاط المعيشي، وما يدور حوله من علاقات داخل مجتمع سيناء، إذ تمركز نشاط البدو على الأعمال الحرة من رعي وتجارة وزراعة، ثم تحول بعضهم بدافع إهمال الدولة لحاجات التنمية، لتجارة السلاح والمخدرات والتهريب، وفق ما يرصده الدكتور علي ليلة في عرضه للتحولات المجتمعية بمصر، ضمن كتابه النظرية الاجتماعية وقضايا المجتمع: آليات التماسك الاجتماعي، إذ لا يزال الظهير القبلي للمدينتين منفصلاً عن سكان المركز، الذين سادت في أوساطهم فئات الوافدين كموظفي الإدارات الحكومية والمؤسسات التعليمية، أو الحرفيين والعمالة الوافدة في قطاع المحاجر والمقاولات، وبالتالي تضاعفت تبعات التنكيل على مهجري البدو الذين انتقلوا لمراكز المدن.


ولم يكن الوضع مختلفاً للمهجرين إلى العريش منذ عام 2016، إذ ترجع أصول العائلات العرايشية للبوشناقيين الذين تمركزوا حول قلعة العريش منذ أيام الحكم العثماني، وأهمها عائلات الشوربجي والكاشف والبيك، بحسب إفادة سالم، وخاصة أن مجيئهم ارتبط بفترة الحكم العثماني للبلاد.

وبينما يبدو الوضع مماثلاً للمهجرين إلى محافظات البحيرة والشرقية وقلب الإسماعيلية، تبدو المفارقة واضحة بينهم وبين المهجرين لبئر العبد، حيث تسكن قبائل البياضية والسماعنة، وأطراف العريش والظهير الصحراوي للإسماعيلية، حيث تسود التكوينات القبلية والبيئة المشابهة لصحراء رفح والشيخ زويد، وهو ما يمكن من خلاله تفسير ممارسات التمييز والتنكيل بالمهجرين من قبل الدولة والمجتمع المحلي على السواء، كما تفيد مصادر المادّة. 


القمع والتمييز

لم يكن الإضرار بالمعائش وكسب الرزق واحداً على جميع المهجرين، فبالنسبة للقادمين من مركزي رفح والشيخ زويد، حيث يعمل الموظفون وأصحاب الحرف والتجار، يشير سالم إلى أن الضرر كبير على المهجرين من رفح وبنسبة أقل لأهالي الشيخ زويد، وبعض المهجرين من مركز رفح توزعوا بين الشيخ زويد والعريش، وبينما نقل معلمو مدارس رفح لإدارات أخرى وزاول البعض أعمال التدريس، تعرض بعض الموظفين للفصل لعدم الحضور، رغم تعرض أحيائهم السكنية لحصار قوات الأمن بشكل تعسفي ما أدى لمنع الذهاب إلى أعمالهم، ولم يسلم الحرفيون من الضرر أيضاً، إذ يشير عادل أبو مسلم إلى أن حظر إدخال موادّ السباكة والبناء أدى لوقف أعمال كثير من الحرفيين، ومن بقي منهم داخل المنطقة العازلة تضرر بغلق "المنطقة الصناعية".

أما التجّار فقد تضرروا لفقدان استثماراتهم، وإن كان حجم الضرر أقل من المزارعين، وحتى الذين لم يتم تهجيرهم من رفح والشيخ زويد يعانون الخسائر المادّية المرتفعة لتوريد البضائع من محافظات الوادي، لأن تمريرها من كوبري السلام يكلف مبالغ طائلة ويستلزم تصاريح أمنية قد تطول مدد استخراجها لأسابيع، ما يؤدي لارتفاع الأسعار أو فساد البضائع، وبالتالي لم يبق على استثماراته إلا نسبة قليلة من التجار، ويؤكد تقرير المشهد السيناوي الصادر عن المعهد المصري للدراسات في أغسطس/ آب من عام 2018، معاناة الأهالي من الحصار الاقتصادي للمنطقة، وكانت أهم الصناعات المتضررة هي معاصر الزيتون إذ يعاني تجار الزيت بالشيخ زويد من صعوبات النقل واستخراج التصاريح، والغالبية التي أغلقت محالّها لم تستثمر مرة أخرى بل انتقلت للقاهرة لتجنب التمييز في العريش والإسماعيلية، بحسب سالم.

وتضررت فئة المزارعين بشدة من العمليات العسكرية بالمنطقة، لأن منطقة غرب رفح كانت من أخصب الأراضي السيناوية، وترتّب على تهجير أهاليها وتجريف المزارع فقدان استثمارات زراعية من أجود أنواع الموالح والزيتون، إذ تقدر مساحة الفدادين المثمرة التي جرف معظمها بنحو 35 ألف فدان من إجمالي 55 ألف فدان، من المساحة المزروعة التي حوت 4 ملايين شجرة زيتون، كما يشير عادل أبو مسلم إلى أن مزارعي رفح كانوا من أمهر العمالة في استعمال أدوات الزراعة الحديثة، منذ وقوع المنطقة تحت الاحتلال الإسرائيلي وبعد تحريرها بفضل التعامل التجاري عبر الحدود، وفضلاً عن العمالة الماهرة، فقد تم تشريد الأسر المالكة وإفقارها وضرب فرص التوظيف والتجارة بسيناء في مقتل، ويقدر تقرير المشهد السيناوي قيمة المزارع المجرفة بمليار جنيه.

ولا تغطي تعويضات الدولة للمهجرين خسائرهم، إذ لم تزد عن 1100 جنيه في مقابل متر المباني الخرسانية، وهو ما لم يقترب شبراً من الخسائر الفلكية التي تكبدها الأهالي بعد تجريف المزارع والاستيلاء على الأراضي، وخاصة أن كثيراً من المزارع والمنازل المتضررة لم تتم معاينتها ليتقاضى أهلها التعويضات المعلنة، وفق ما رصده الباحث الحقوقي هيثم غنيم في تقرير المشهد السيناوي الصادر في يوليو/ تموز من العام الماضي.

ولاحقت الخسائر من رحلوا إلى الظهير الصحراوي بالإسماعيلية، كما يقول عادل أبو مسلم مشيراً إلى محاولة بعض المهجرين شراء أراض زراعية في قرية "أبو طفيلة"، واستصلاحها وبعضهم عمل بالزراعة عند أصحاب الأراضي المحليين، ليجد جرافات الدولة تزيل المنازل في وسط الأراضي الزراعية بدعوى أنها أبنية مخالفة للقانون، ولا يطبق هذا عادة على أهالي الإسماعيلية الأصليين، وهو ما وثقته معدة المادّة عبر تقارير أعمال الإزالة عام 2015، و2016، وشكاوى الأهالي من تكرار الأمر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

يضاف لهذا، ضعف العائد المادّي من استثمارات الأراضي المستصلحة حديثاً بأيدي المهجرين، إذ يشير عادل أبو مسلم إلى أن أشجار الموالح والزيتون تحتاج إلى 4 أو 5 سنوات من الزراعة قبل أن تبدأ طرحها، وحتى بعد ذلك، ورغم مخاطر القمع والاستهداف بالتجريف، و"يبقى المهجرون من سيناء مضارين بفقدان مياة الآبار والسماد الطبيعي الذي كانت توفره ماشيتهم، وكذلك خسارة المزايا النوعية لسقيا الآبار والأراضي الزراعية بسيناء، التي كانت تمنح المنتجات مزية تنافسية عالية بحسب ما جاء في ورقة المؤتمر القومي للتنمية الزراعية في سيناء، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول من عام 2012" كما قال سالم، بينما يضيف عادل أبو مسلم قائلاً: "الآن صار لزاماً على المهجرين دفع تكاليف السقيا والسماد والكهرباء وإيجارات الأراضي والخدمات وحتى النقل، ولا يختلف الوضع لأصحاب المزارع المجرفة في جنوب العريش حيث تضرروا من صعوبة السقيا وقطع طرق الوصول إليها".

وتزامنت الخسائر الهائلة مع جفاء المعاملة وتضييق المعائش، في علاقات التأجير والاستئجار للمنازل والمحالّ والأراضي كما يضيف أحمد سالم، موضحاً أن: "التضييق والاستهداف أفضى بأصحاب المزارع والمنازل للعزوف عن التعامل مع المهجرين تجنباً لمضايقات بالأمن، على اعتبار أن كل أهل سيناء "إرهابيون محتملون" بالطبيعة، كما تروّج الصورة الذهنية الخطأ المنتشرة مجتمعياً عبر الإعلام". 


الأنكى مما سبق، كما يضيف الناشط الحقوقي هيثم غنيم، هو أن قوات الأمن تستهدف النساء في الحواجز والأكمنة الأمنية مشيراً إلى توثيق حالة 100 امرأة، تعرضن للاعتقال والتعذيب في الفترة بين شهري مارس ويونيو 2018، لافتاً إلى عدم إبلاغ القبائل عنهن تجنباً للعار، ويضيف غنيم أن قسم أول وقسم رابع العريش مشهوران بانتهاك حقوق النساء منذ بداية ما تسمى "العملية الشاملة" للجيش في سيناء في 9 فبراير من عام 2018، بينما تشير التقارير الحقوقية لاعتقال النساء مع أطفالهن من المنازل في العريش واستهداف قريتي "بالوظة والنصر" في بئر العبد بمداهمات متكررة، وقيام ضباط المباحث بقسم الصالحية الجديدة بالإسماعيلية باستهداف الأطفال والشباب المهجرين من رفح والشيخ زويد وحبسهم بتهم ملفقة، إلى جانب سقوط ضحايا بين المهجرين بسبب إطلاق قوات الجيش والشرطة الرصاص العشوائي في العريش، واعتقال المئات من أبناء المحافظة في مداهمات متفرقة، ويستمر "التكدير" بتقليص حصص الوقود وفرض حظر التجوال والحصار الاقتصادي على مدن شمال سيناء، وحتى في بئر العبد حيث المناخ الاجتماعي أقرب إلى معيشة البدو يعاني المهجرون من مداهمات كبيرة، وحرق عشش سيدات وأسر لم يتمكنوا من الانتقال لمحافظات أخرى، لعدم الحصول على تعويضات أو عدم توفر المال كما تعتقل الدولة أفراد تلك الأسر المتناثرة عشوائياً، ويتكرر مسلسل "التكدير" بصور مختلفة في الإسماعيلية، إذ يمنع أبناء شمال سيناء من المرور عبر معدية رقم 6 لأجل غير معروف، كما يضيف عادل أبو مسلم لافتاً إلى قيام محافظ مدينة العاشر من رمضان، بهدم منازل المهجرين وهدم الدولة لتجمع بدوي كامل في الظهير الصحراوي للإسماعيلية.



التنكيل بالأسر الممتدة والأطفال

قبل إخلاء المدينتين، استند الشكل القبلي للمعيشة على وجود ديوان للعائلة وقواعد لحل الخلافات وتجنب مؤسسات الأقسام والشرطة، فلا يتصل المجتمع القبلي بها في حلّ النزاعات الداخلية ولا لاستخراج الأوراق الرسمية، بل يضيف عادل أبو مسلم أن البدو كانوا يتعاملون مع المؤسسات الحكومية من خلال وسيط، يقوم باستخراج كافة الوثائق وإنهاء المعاملات مقابل مبلغ من المال، حيث يعدّ الذهاب إلى أقسام الشرطة "سبة" يتعاير بها أهل البدو.

الآن لم يعد الأمر مقتصراً على التعامل مع الأمن والمصالح الحكومية بشكل يومي، بل أصبح المهجرون هدفاً يومياً للحملات التي تهاجم المساكن وتحتجزهم شهوراً قد لا يعودوا بعدها أبداً، خصوصاً في المناطق التابعة لمحافظة الإسماعيلية، بشكل يفرض العزلة والتخفّي على الأسر المهجرة بحسب إفادة مصادر المادّة.

كما تتعمد قوات الشرطة والجيش قطع الأواصر بين المهجرين وأسرهم الممتدة في شمال سيناء، إذ يجري الاعتقال والاحتجاز في الحواجز ومداخل المدن بمجرد الاطلاع على البطاقة الشخصية، ويفيد سالم بأن كثيراً من الشباب والأهالي أصبحوا لا يذهبون إلى قراهم الأصلية بسبب عشوائية الاحتجاز، وخاصة أن قوات الأمن تستعين بالمناديب المحليين لتحديد هوية المارّين من وإلى شمال سيناء ما يزيد فرص الاعتقال بالاشتباه.

كما لم يسلم الأطفال من تبعات القمع، وبحسب عادل أبو مسلم لم يذهب الطلاب للمدارس في بعض القرى بالشيخ زويد، مثل الظهير، منذ ثلاث سنوات، ويعتمد التعليم هناك على الجهود الأهلية من قبل المسنين والمتطوعين لمحو الأمية فقط، بينما وثق ثلاث حالات لطلاب تم فصلهم من المدارس بالإسماعيلية لانتمائهم لأهل سيناء، وحالات أخرى لطرد الطلاب السيناويين من المدارس، لافتاً إلى أن أسوأ مناطق التمييز تشمل الصالحية والبحيرة. وبسبب عدم دمج الأطفال المهجرين في مؤسسات التعليم أو نقل ملفاتهم التعليمية لمواقع جديدة، نظراً للسعي المتواصل لتغيير المساكن تجنباً للاستهداف الأمني، يبقى عدد المتسربين من التعليم غير معروف، كما لا يتوقع أن تندمج الأجيال الناشئة في بيئة محملة بالكراهية والعنف تجاه أصولهم البدوية والثقافية.



مخاطر مستقبلية

تفيد المصادر السابقة بسعي الشباب السيناوي، وتحديداً شباب البدو الحاملين لبطاقات رفح والشيخ زويد، لتغيير محلّ الإقامة إما لأسباب اقتصادية وإما بسبب الملاحقات الأمنية، ورغم أن التحليل الكلّي لاجتماع المدن يشير لانتشار مظاهر الاغتراب وذوبان الهوية، إلا أن بدو سيناء، لتمايز اللهجة والخصائص البشرية، يعانون التمييز على الهوية حتى في العاصمة حيث يعتبرهم الأهالي مسؤولين ولو معنوياً عن قتل المجندين، بحسب ما تفيده شهادة الباحث أحمد سالم.

ويحذر الحقوقيون من تزايد حالات الاعتقال التي أفضت لمقتل المهجرين، وهو ما يوفر دوافع الانتقام لدى ذويهم وأقاربهم، وخاصة بعد تعمد النظام والقوات الأمنية تجريف كل البنى التحتية التي تم تأسيسها في عهد حسني مبارك، مثل المراكز الصحية والمراكز والمستشفيات والمدارس، والمصالح الحكومية والتمييز بالهوية أمنياً واجتماعياً ضد المهجرين، والتنكيل بمن لم يتمكنوا من الانتقال لمنازل أو أراض في المجتمع المضيف، عبر هدم البيوت والعشش وتمييز السلطة السياسية في دفع التعويضات، واللعب على التوازنات القبلية البينية والداخلية وقطع الاتصال بالقبائل والعوائل الممتدة، وتمسك المهجرين بأمل العودة لأراضيهم المغتصبة، وخصوصاً أنهم قد هجروا في حرب 67 إلى القاهرة وإسماعيلية والبحيرة، وعادوا بينما لم يستقر في المجتمعات المضيفة إلا القليل جداً منهم، وهو ما يبدو في السرديات المحلية التي تقيس تعامل السلطة السياسية على "حكم الفراعنة"، الذين سجلوا "حملات تأديب بدو سيناء" ضمن إنجازات الملوك".

وفي المقابل، يرى عادل أبو مسلم أن دوافع الانتقام أكبر من الخلاف القائم بين المهجرين و"تنظيم الدولة"، فقوة الروابط القبلية والتضامن البيني مع المسلحين، إلى جانب التوافق القيمي والعقدي بين بعض مقولات التنظيم الجهادية ونمط المعيشة البدوي، خاصّة ما يتعلق بالمرأة وحيازة السلاح وتحكيم الشريعة الإسلامية والثأر والعصبية ونظام العرف في التقاضي، كلها عوامل  تزيد من قابليات التضامن معه بصرف النظر عن هوية القاتل والمقتول، ويضيف عادل أبو مسلم أن تنظيم الدولة، قبل مجزرة مسجد الروضة كان يسعى بقوة لزيادة عدد أعضائه من أبناء القبائل، ورغم الانخفاض الشديد في انضمام أبناء القبائل إليه بعد أحداث التفجير، فقد صار الآن يتغذى على الوافدين من الوادي ومدن التهجير الذين ينضمون بدافع الثأر أو العصبية، وخاصة أن تفكيك الظهير القبلي، وإن كان هدفاً طويل المدى للسلطة الأمنية ووسيلة للتنكيل بالمهجرين، لكنه أدى لاتجاه الأفراد لقرارات السعي في الثأر دون اتباع لتوجيهات "شيخ القبيلة"، الذي تهاوت سلطته مع سياسة التجنيد القائمة، وتوافق تلك الرؤى تقارير الرصد الحقوقية التي تفيد باستمرار العمليات العسكرية في مناطق التهجير (العريش تحديداً)، إذ يخلص تقرير المشهد السيناوي الصادر في فبراير الماضي إلى أن ممارسات القمع تمدّ التنظيم بالعناصر النوعية، التي تتحرك بشكل عشوائي وفردي وتكتسب مهارات أكبر بالاختلاط بالسياقات الحضرية، عبر استثمار الغضب الناتج عن كثافة القمع الأمني، ما يعني توزيع بؤر الصراع لمختلف المراكز الحضرية إضافة إلى شمال سيناء.

دلالات