تكتيكات الاغتيال

30 نوفمبر 2019
+ الخط -
نظراً لمركزية الاغتيال في الفكر الإسرائيلي، واعتباره سلوكاً أساسياً وأداة جوهرية تتقدم أحياناً على أدوات أخرى كأولوية لا غنى عنها منذ تأسيس دولة الاحتلال، والذي يواجه تعقيدات ميدانية أحياناً، ويفرض تحديات ذات تشابكات وتداعيات تنعكس سلباً وربما خطراً مركباً لا قبل لدول الاحتلال بتحملها، فإن أساليب وأنماط الاغتيال تعددت طرقها بما ينسجم وواقع ومكان ونوعية المُستدف، كما أن خبرة المؤسسات والأذرع العسكرية والأمنية في إسرائيل ومن قبلها الحركة الصهيونية حتى قبل تأسيس دولة الاحتلال، في عمليات الاغتيال أوجدت وفرة في أساليب الاغتيال وهامش تحرك ومرونة أكبر للقيادة السياسية، وتاريخياً احتكم قرار الاغتيال والأسلوب المُقترح إلى عدة معايير وضوابطـ من أبرزها: المكان والجغرافيا وقدرة وصول فرق الاغتيال في الزمان والمكان المناسبين دون التعرض لمخاطر غير متوقعة، والتداعيات السياسية بعد عملية الاغتيال في حال كان ميدانها كيان صديق أو عدو لإسرائيل، ومدى أهمية ومكانة المُستدف في التراتبية التنظيمية والضرورة الملحة وعنصر الزمن في تسريع أو تأجيل عملية الاغتيال، والهدف من عملية الاغتيال، سواء أكانت على سبيل الانتقام، أو نشر الخوف والرعب، أو إبطال خطر وشيك حسب وجهة نظر دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، وبناءً على هذه المعايير وربما معايير أخرى كانت فرق الاغتيال تقترح طريقة الاغتيال وتضع الخطة والسيناريوهات والمخاطر المفترضة، وقد جرت العادة على تولي فرق الاغتيال التابعة لجهاز الموساد "الاستخبارات الخارجية" المستهدفين خارج الأراضي المحتلة مع بعض الاستثناءات كما في حالة اغتيال خليل الوزير، وقادة حركة فتح الثلاثة عام 1972، أما في الأراضي المحتلة فقد تولت وحدات المستعربين في جيش الاحتلال الإسرائيلي بإشراف وتوجيه من الشاباك "جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي" عمليات الاغتيال، وبالتعاون مع عملاء محليين في مناطق السلطة الفلسطينية.

خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1994) وفي سياق مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي تصاعدها، تأسست وحدات المستعربين أو فرق الموت بأمر مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي في حينه إسحق رابين، وهي أربع وحدات: وحدة "دوبدوبان" وعملت في الضفة الغربية، و"شمشون" وعملت في قطاع غزة، و"الجدعونيم" وهي وحدة تابعة لحرس الحدود وعملت في الضفة الغربية، والرابعة وحدة تابعة للشرطة الإسرائيلية وعملت في منطقة القدس، وقد اعتادت هذه الوحدات المدربة على العمل متنكرة بين الفلسطينيين بإشراف من جهاز الشباك لاغتيال العشرات من قادة الانتفاضة.

وبعد تشكيل السلطة الفلسطينية وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وعدم قدرة وحدات المستعربين على العمل بحرية، لجأت إسرائيل إلى طرق أخرى أكثرها القصف من الجو كما في حالة اغتيال صلاح شحادة وأبو علي مصطفى وجمال منصور وجمال سليم وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وبعد تطوير سلاح الطائرات بدون طيار واستخدامه في الاغتيالات عام 2004 تم تنفيذ مئات عمليات الاغتيال في قطاع غزة منذ ذلك الوقت حتى الآن.

أما وحدات الاغتيال المباشر التابعة للموساد، وهي تقوم بالاغتيالات التي تتصاعد فيها درجة المخاطرة كون العملية تتم على أراضٍ أجنبية ربما تكون "معادية" بالنسبة لإسرائيل، وأكثر عمليات الاغتيال بإطلاق النار نفذها الموساد في أوروبا ضد قادة في منظمة التحرير خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وآخر عمليات الاغتيال بهذا الأسلوب؛ اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري عام 2016، والعالم الفلسطيني فادي الطش في كوالالمبور عام 2018، واغتيال خبراء في البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية خلال الأعوام القليلة الماضية.

والاغتيال بالسم هي الطريقة الفريدة التي توصي بها القيادة السياسية في حالة حاجتها الضرورية الملحة وربما الإجبارية إلى إخفاء أمر الاغتيال من ناحية المبدأ، عوضاً عن انكشاف الجهة المسؤولة عن عملية الاغتيال، نظراً لتداعيات سياسية أو أمنية خطيرة متوقعة قد تتسبب بتعقيدات قانونية أو سياسية أو أمنية ربما لا قِبَل لإسرائيل بتحملها، وغالباً ما يتم الاغتيال بوضع عنصر مشع بكميات ضئيلة جداً كالبولونيوم في الطعام أو الشراب والذي يؤدي إلى الوفاة بعد فترة زمنية لا يمكن لأدوات الطب التقليدية اكتشافها، ومن أشهر عمليات الاغتيال بهذه الطريقة اغتيال القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد عام 1978 المسؤول عن خطف عدة طائرات، ومحاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997 في عمان، واغتيال ياسر عرفات بأمر وبإصرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون وبمعرفة وربما بتواطؤ أميركي بريطاني، بدسّ مقادير ضئيلة جداً من البولونيوم المشع في وجبة طعام كان عرفات يعشقها من أحد المقربين قبل وفاته بستة أشهر، والتي عانى فيها عرفات من الموت البطيء حتى وفاته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004.

وتلجأ وحدات الاغتيال لتنفيذ عمليات بعبوة أو شحنة متفجرة لسهولة الوصول إلى بعض مقتنيات أو مكان إقامة المُستهدف، أو لخطورة إرسال وحدة اغتيال مباشر إلى مكان الاغتيال المُخطط له، وقد نفذت وحدات الاغتيال في الموساد عشرات العمليات بطرق وأساليب مختلفة ومبتكرة، بزرع شحنة متفجرة في المركبة، أو الهاتف، أو المكتب، أو مموهة على قارعة طريق، أو في طرد بريدي، ومن أشهر عمليات الاغتيال بهذه الطريقة؛ اغتيال الضابط المصري والمسؤول عن العمل الفدائي في غزة مصطفى حافظ بطرد مفخخ انفجر بين يديه عام 1956، واغتيال المسؤول في حركة فتح محمد أبو دية بتفجير سيارته عام 1973، ومؤسس القوة 17 وممثل المنظمة في باريس محمود الهمشري بتفخيخ هاتفه عام 1975، وقائد القوة 17 أبو حسن علي سلامة بتفجير عبوة أثناء مرور سيارته في أحد شوارع بيروت عام 1979، ومحاولة اغتيال الناطق باسم الجبهة الشعبية ورئيس تحرير مجلة الهدف بسام أبو شريف بطرد بريدي مفخخ عام 1972، والمسؤول العسكري لحماس ومهندس المتفجرات يحيى عياش بتفخيخ هاتف نقال عام 1996، والمسؤول العسكري في حركة حماس إبراهيم بني عودة بتفخيخ سيارة عام 2000 في مدينة نابلس.
المساهمون