في جلسة الحكومة اللبنانيّة التي تلت سقوط مطار الطبقة العسكري في مدينة الرقة السورية في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/آب الماضي، أبلغ وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، مجلس الوزراء أن سقوط المطار وسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش) على محافظة الرقة بالكامل ألغى الحدود بين شرق وغرب سورية. وحذر ريفي الذي شغل، سابقاً، منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، من أن لبنان سيكون عرضة "هجمات الجهاديين في حال استمر غياب الموقف الموحّد للدولة اللبنانيّة لجهة ضبط الحدود". وجاء كلام ريفي نتيجة تقرير غربي وصل إلى الدولة اللبنانيّة، حذّرها من خطر انتقال مقاتلي "داعش" إلى أراضيها نتيجة الضربات الأميركيّة له في العراق، والتحضير لضربات مماثلة في سورية، ويمكن اختصار التقرير على الشكل التالي:
اتخاذ قرار دولي حاسم بكسر شوكة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق بالدرجة الأولى، وفي سورية أيضاً، وتتم الاستعانة حالياً بالضربات الجوية الأميركية إلى جانب قوات البشمركة كقوة قتالية أساسيّة، إلى أن يتم إعادة ترتيب الوضع الداخلي العراقي وإعادة التوازن إلى السلطة فيه، وعندها ستدخل العشائر السنية بقوة على خط المعارك.
ويُشير من أُطلع على التقرير إلى أن "داعش" سيجد أن الانسحاب باتجاه سورية هو الخيار الأمثل له، لتأمين استمراريته، والحفاظ على ما يتبقى من قواته على قيد الحياة، لأن دخول العشائر السنية المعركة، سيؤدي إلى انتفاضة البيئة التي يعيش فيها التنظيم.
كما تُشير المعلومات الواردة في التقرير، إلى أن دخول التنظيم إلى سورية لن يكون نزهة، بل سيواجهه "الجيش السوري الحرّ" الذي يدعم التحالف الدولي ما تبقى من كتائبه، خصوصاً في الشمال السوري، وتحضيرها لتأدية دور أساس في محاربة "داعش"، وهي التي خاضت ضده معارك شرسة وانتصرت عليه في شمال غرب مدينة حلب، وبذلك سيتجه التنظيم غرباً باتجاه لبنان.
لكن السؤال يبقى: هل لبنان جاهز لمواجهة هذا الخطر؟ يؤكّد عدد من وزراء الحكومة أن الوحدة الوطنية هي الوسيلة الأبرز لحماية لبنان، ويشدد هؤلاء على ضرورة التكاتف والتضامن.
عمليّاً، هذا الكلام لن يوقف عسكر "داعش" عند الحدود اللبنانية، وتعرف الحكومة اللبنانية ذلك، ولا يوجد بين الوزراء من يعتقد أن الجيش اللبناني قادر على حماية هذه الحدود، إذاً ما العمل؟
يقول أحد المسؤولين في تيار "المستقبل"، إنه عندما قرأ التقرير الغربي، لم يخطر في باله إلا "حزب الله"، "هو الفريق الأقدر على حماية لبنان". وتقول وجهة نظر سائدة في تيار "المستقبل"، إن الخيار الوحيد هو طلب الحكومة اللبنانيّة من "حزب الله" حماية الحدود اللبنانيّة السورية، أي تحويل الحزب إلى حارس للحدود الشرقية للبنان، بعدما تحوّل إلى حارس للحدود الجنوبية من عام 2006. وتُشير وجهة النظر هذه إلى ضرورة تقسيم سلاح "حزب الله" إلى ثلاثة مستويات والتعاطي معه على هذا الأساس:
المستوى الأول، وهو السلاح الموجه إلى إسرائيل والذي يُنظمه القرار الدولي رقم 1701.
المستوى الثاني، وهو سلاح "حزب الله" الداخلي، ويجب الاستمرار بالضغط على الحزب في هذا المجال، لمنع استخدام السلاح في الداخل اللبناني. وفي هذه النقطة تحديداً، يتم وضع سلاح "سرايا المقاومة" على طاولة البحث والمطالبة بتسليمه.
المستوى الثالث، وهو حرس الحدود الشرقية، ولكن تحت إدارة الحكومة، لكن المشكلة في هذا الملف أنه لا ضمانة، لأن يفصل "حزب الله" بين معركة حماية الحدود ومعركته إلى جانب النظام السوري المستمرة منذ ثلاث سنوات، وهل سيقبل حزب الله إدارة حكومية لسلاحه، وقد تهكّم أحد السياسيين عن هذا الأمر بالقول، إن المشكلة أننا لا نعرف عمق هذه الحدود، هل تصل إلى حلب أم دمشق أم بغداد؟
لكن المشكلة في هذا الطرح على حد قول أحد وزراء تيار "المستقبل"، أنه سيؤدي إلى انفجار الصراع المذهبي في لبنان، "فأي معركة يُشارك فيها فصيل مذهبي تتحوّل من معركة حماية لبنان، إلى معركة تدمير لبنان"، ويؤكّد الوزير نفسه أنه سيرفض الأمر إذا ما طُرح في مجلس الوزراء.
المثير في الأمر، أن زعيم تيّار المستقبل، سعد الحريري، نفى مشاركة "حزب الله" في معارك عرسال إلى جانب الجيش اللبناني، فيما أكّده أحد مسؤولي حزب الله لـ"العربي الجديد".
في الجانب السنّي، بدأت ترتفع بعض الأصوات في الجماعة الإسلامية (الذراع اللبنانية للإخوان المسلمين) لتحضير الجماعة شبابها للقتال في وجه "داعش"، ولا يزال هذا الصوت خفيفاً وغير مؤثّر.
ويكاد يتطابق موضوع الدفاع عن الحدود اللبنانية، مع موضوع إعادة العسكريين المخطوفين لدى "داعش" و"جبهة النصرة" منذ بداية شهر أغسطس/آب الماضي. فأيّ من القوى السياسيّة لا يطرح أن يقوم الجيش اللبناني بعمليّة عسكرية لاستعادة العسكريين، وتتراوح خيارات الحكومة بحسب مقربين من أعضاء خلية الأزمة، بين ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: وضع اللاجئين السوريين كورقة ضغط في وجه "داعش" والتهديد بطردهم جماعياً من لبنان، أو وضعهم في مخيمات بالقرب من الحدود. ولا يبدو هذا الطرح موضوعيّاً، إذ سيواجَه الأمر برفض داخل مجلس الوزراء، ومن شريحة واسعة من الشعب اللبناني، إضافةً إلى رفض عربي ودولي.
الخيار الثاني: نقل الموقوفين الإسلاميين وإبعادهم عبر الحدود مع سورية، وهو ما يعني القبول بمبدأ التفاوض، وهو ما يُرفض حتى اللحظة.
الخيار الثالث: الطلب من "حزب الله" القيام بعمليّة عسكرية لاستعادة العسكريين.
لا يوجد أي احتمال عدا هذه الخيارات، وسيزداد الضغط باتجاه أحد الخيارين الثاني أو الثالث، في حال قيام "داعش" بتنفيذ تهديداته بذبح عسكريين آخرين.