تقاسم النفوذ والجبهات والمناطق في عدن: للإمارات حصة الأسد

14 أكتوبر 2018
خارطة صراع وتقاسم للمناطق في عدن(Getty)
+ الخط -
أفرز التنافس القائم في العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، خارطة صراع وتقاسم للمناطق بين الإمارات وحلفائها من جهة، وبين الحكومة الشرعية من جهة أخرى. وكان يتوقع أن يكون اليوم، 14 أكتوبر/ تشرين الأول، يوماً دموياً جديداً في عدن، قبل أن تقرر "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم من الإمارات، قبل أيام، التراجع عن تنظيم نشاطاتها التي كان يتوقع أن تكون محاولة انقلابية جديدة لطرد كل ما يمت بصلة لحكومة عبد ربه منصور هادي من عدن، ومن الجنوب كله ربما. وبرر المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي، عضو هيئة الرئاسة، سالم ثابت العولقي، قرار تأجيل أو إلغاء فعاليات اليوم، بـ"الأوضاع المعيشية والإنسانية الصعبة التي يشهدها الجنوب"، في ظل ترجيحات بأن يكون قرار تجميد الخطوة الإماراتية قد صدر نتيجة ضغط سعودي ومساومات تقودها الرياض قد ينتج عنها ولادة حكومة جديدة تكون مقربة من أتباع الإمارات في جنوب اليمن.

وتنقسم محافظة عدن إلى عشر مدن تنتشر على مساحة 760 كيلومتراً مربعاً تقريباً، ومع ذلك فإنه لا وجود لمنطقة واحدة مغلقة بشكل كامل لأي جهة، نتيجة لتداخل مختلف الأطراف في عدن، لكن توجد مناطق ذات أهمية بالغة، ومناطق أقل أهمية بالنسبة للطرفين. في الفترة الأخيرة، بدأت مدن مثل خور مكسر والبريقة والشيخ عثمان، بالتمرّد على الإمارات وحلفائها في المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وقوات الحزام الأمني، وخرجت في تظاهرات داعمة للرئيس عبدربه منصور هادي وشرعيته، بعد سنتين من الاعتقالات والقمع والملاحقات والقتل لكل المعارضين للمجلس والإمارات وفقاً لمنتقديهم. وفي خور مكسر يتقاسم الطرفان النفوذ عسكرياً وأمنياً، غير أن الجمهور هناك أقرب إلى هادي من الإمارات؛ ففي الوقت الذي تحتضن فيه خور مكسر معسكر جبل حديد، وإدارة أمن ومطار عدن الموالية للإمارات وحلفائها، فإنها أيضاً تحتضن معسكرات بدر، أكبر مقرات الشرعية في عدن، إلى جانب معسكر الصولبان، وهو معسكر القوات الخاصة الموالية لهادي شخصياً. وهذه المعسكرات تحيط بمطار عدن شرقاً وجنوباً. وتُعدّ خور مكسر ذات أهمية استراتيجية كأهم مدن عدن، كونها تربط مدن شمال عدن بمدن جنوبها، كذلك تربط عدن بمحافظة أبين، مسقط رأس هادي، لذلك حاولت الإمارات الدفع بقوات وتعزيزات إلى مطار عدن، خوفاً من سيطرة القوات الموالية للشرعية المرابطة في محيطه.

أما في التواهي فيتقاسم الطرفان أيضاً النفوذ، وترابط قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، بالإضافة إلى القوات البحرية وخفر السواحل، فيها إلى جانب مبنى مؤسسة موانئ خليج عدن والإذاعة والتلفزيون ومبنى المخابرات وقصر 22 مايو. كما أنها تضمّ مقرّات لقيادة المجلس الانتقالي، كرئيسه عيدروس الزبيدي، ومدير أمن عدن اللواء علي شائع، وتنتشر فيها قوات الحزام الأمني أيضاً. وتسعى الإمارات إلى وضع قبضتها الكاملة على هذه المدينة، إلى جانب مدينة المعلا، الممر الرئيسي إلى التواهي، وتربطها بمدينتي خور مكسر وكريتر. ويقع ميناء عدن الرئيسي في مدينة المعلا، فضلاً عن مقر مبنى المحافظة ومقر شركة النفط، وتسيطر الإمارات على مبنى المحافظة والميناء، لكن يبقى مقر شركة النفط مع قيادة الشرعية، وتسعى الإمارات وحلفائها إلى السيطرة عليها.

ووفقاً لخبراء عسكريين في المنطقة العسكرية الرابعة، فإن مقر شركة النفط لا يمثل صعوبة في السيطرة عليه، نظراً لوقوع المقر على مقربة من القوات الموالية للإمارات، ولا توجد قوات للشرعية قريبة وقادرة على حمايته، علماً أن سيطرة الإماراتيين على المقر ستشكّل دعماً معنوياً لمعسكر أبوظبي، وقد يُفقد الشرعية نقطة مهمة في صراعها مع هؤلاء.

ويبدو الثقل العسكري بالنسبة للإمارات وحلفائها مكثفاً في مناطق غرب عدن، حيث مقر قيادة التحالف في مدينة البريقة، ويعتبر مخزن السلاح الأكبر في عدن، فضلاً عن كونه مقراً لقوات الحزام الأمني في مدينة الشعب. وتمثل مدينة البريقة واحدة من ساحات الصراع المهمة بين الطرفين، فإلى جانب القاعدة الإماراتية هناك الكلية الحربية، ومعسكر صلاح الدين، فضلاً عن قوات تابعة للمنطقة العسكرية الرابعة، العائدة للشرعية. وفي غرب عدن أيضاً مقرّ مصافي عدن وميناء الزيت، وهما هدف للإمارات وحلفائها، وتكاد تكون شعبياً داعمة لهادي، لكن نظراً لبعدها ووقوعها غرب عدن، فإن الإماراتيين يستطيعون عزلها بسهولة، كما حدث في انقلاب يناير/ كانون الثاني 2018.

لا تتخوّف مدن عدة أخرى، كمدن الشيخ عثمان والمنصورة، من احتمالات حصول حرب أهلية واسعة النطاق فيها، نظراً لأن القوات الموجودة فيهما قليلة، لكن هناك تخوّفاً من مدينة دار سعد، البوابة الشمالية لمدينة عدن، حيث تستقر قوات من ألوية الحماية الرئاسية وقوات العمالقة وقوات موالية للإمارات، ومع ذلك هناك مدينة يمثل سقوطها ضربة أخرى لحصون الشرعية في عدن، وهي مدينة كريتر، فهي الحصن الأخير لقصر المعاشيق، والسيطرة عليها ستعني فرض حصار على قصر الرئاسة، مقر قيادة الشرعية والحكومة، كما أن البنك المركزي اليمني يقع فيها، على مقربة من البوابة الرئيسية للقصر.

ووفقاً لأحد الخبراء العسكريين، فإن "احتمال اندلاع مواجهات بين الطرفين يتركز بشكل كبير على مناطق خور مكسر والمعلا وكريتر إضافة إلى شمال عدن وشرقها في دار سعد أيضاً، وقد تصل إلى البريقة مع إمكانية وجود عنصر المفاجأة من قبل الطرفين، إذا ما امتدت لتشمل كل مناطق عدن".

أما أمنيًا فإن كريتر فعلياً تقع بمعظمها تحت سلطة الأمر الواقع، أي القوات الموالية للإمارات. ووفقاً لثلاثة مصادر أمنية، بينهم أحد الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإن "الإمارات تملك قوات موالية لها، ومرتبطة بها بشكل مباشر، عبارة عن كتائب، وبعضها لا تخضع للانتقالي، بل معارضة له. هنا يأتي دور الإماراتيين الذين يجمعونهم حين يريدون لتنفيذ عمل عسكري ما". ورجّح البعض أن "هذا النهج الإماراتي سببه الخوف من حصول تمرّد ضدهم من قبل قوات معينة، وخشية انضمام البعض إلى خصوم الإمارات، لذلك عملت أبوظبي على خلق ولاءات متعددة" لتتمكن من مواصلة إحكام القبضة على قرارها وولاءاتها.

وحول قدرات وإمكانات كل طرف، كشفت مصادر مطلعة أن "الإمارات وحلفاءها يملكون القدرات والإمكانات العسكرية الكبرى، سواء في السلاح ونوعيته، أو في التقنيات والقدرات العسكرية الحديثة، مقارنة مع القوات الموالية للشرعية. ومع ذلك يراهن الموالون للشرعية على أن قواتهم لديها القدرة على المواجهة والسيطرة، لكنهم يتخوّفون من أن دخول الإمارات في حرب مباشرة، يساعدها في استخدام الطيران، لاستهداف قوات الشرعية، بما يشكل خللاً كبيراً في توازن القوى العسكرية، على غرار ما حدث في محاولة الإمارات تنفيذ انقلاب 28 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما فشلت القوات الموالية لها في السيطرة وهزيمة لواء واحد من ألوية الحماية الرئاسية، ما اضطرها إلى استخدام الطيران، واستهداف مقر اللواء الرابع ــ حماية رئاسية، لتحسم الأمر. أما اليوم، فالأمر يبدو مختلفاً، لأن من يقود المعركة هم الإماراتيون أنفسهم، وهو ما قد يجعل سفنهم أو طائراتهم تحسم الأمر لصالحهم".

وقبل إلغاء التحركات التي كانت مقررة اليوم في عدن من قبل الانفصاليين، حلفاء الإمارات، كان هؤلاء يحاولون التمركز والتموضع في المناطق التي يسعون لاختراقها، عبر محاولة حشد الجماهير تجاه مدينة كريتر، كذريعة لدخول قواتهم وتمركزها في المدينة الأقرب لقصر المعاشيق، بحجة حماية المتظاهرين. ووفقاً لمصادر خاصة، فإن "القوات الموالية للإمارات الموجودة في معسكر 20 غرب مدينة كريتر، بدأت بحفر الخنادق وبناء الحواجز والسواتر والتمترس في المدينة، ما يُشكّل تهديداً فعلياً وحقيقياً لقوات الشرعية، وقيادتها في قصر المعاشيق، إذا ما اقتحمها الإماراتيون وحلفاؤهم".

كما أن القيادة الإماراتية في البريقة غرب عدن، دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المناطق المهددة بالاشتباكات، كما زوّدت المعسكرات والكتائب الموالية لها في خور مكسر ودار سعد والشعب، بآليات عسكرية حديثة، وعززت قواتها في مطار عدن ومحيطها، بقوات عسكرية وكمية كبيرة من الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية الأخرى، لتأمين المطار واستخدامه في حال بدأت العمليات العسكرية ضد الشرعية.

في ضوء ذلك ظهرت بعض ملامح الاستقطاب بين طرفي الصراع في عدن، فقد ذكرت مصادر جنوبية مطلعة أن "قيادات إماراتية، إضافة إلى قيادات موالية لها، حاولت استقطاب قيادات عسكرية وأمنية، فضلاً عن مسؤولين جنوبيين في الشرعية بعدن، واستخدمت معهم أساليب الترهيب والترغيب، من بينها إغراءات في أموال ومناصب، أو المواجهة واتهامهم بالانتماء إلى الإخوان المسلمين، وخيانة الشعب. كذلك تُحسب على الشرعية محاولتها هي الأخرى استقطاب فصائل وشخصيات من المعسكر الإماراتي.

وظهرت في هذا السياق أسماء بارزة، مثل مدير الأمن في عدن اللواء شلال علي شائع، خصوصاً بعد ظهوره وهو يصلي مع نائب رئيس الوزراء في حكومة أحمد عبيد بن دغر، وزير الداخلية أحمد المسيري، في منزل الأخير، رغم أن ثمة من قال إن "هذه الصورة وزعت كنتيجة لتقارب المسيري مع الإمارات" وليس تعبيراً عن انحياز شائع إلى معسكر حكومة هادي.

وإذا ما حصل أي صراع دموي جديد في عدن بين الشرعية والإمارات، وحلفائها في المجلس الانتقالي، فإنه وفقاً لكثير من الجنوبيين سيكون كارثياً، لأنه سيكون اقتتالاً أهلياً في الجنوب، ذلك أن قوات الشرعية وقادتها والمسؤولين في عدن جميعهم تقريباً من الجنوبيين، ما يعيد إحياء كوابيس الحرب الأهلية الجنوبية الشهيرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

المساهمون