ينظر البرلمان التونسي اليوم الجمعة في طلب رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، تفعيل الفصل الـ70 من الدستور، بهدف منحه صلاحيات إصدار مراسيم لمواجهة أزمة فيروس كورونا من دون العودة إلى البرلمان. ولا يزال هذا التفويض يطرح الكثير من الجدل. ففي الوقت الذي رأى فيه البرلمانيون ضرورة الحد من الصلاحيات التي تضمنتها مبادرة الفخفاخ وتقييدها بالزمان والمكان، رأى نواب آخرون أنه كان بالإمكان تجنّب أزمة الصلاحيات، وتدعيم ثقة الأحزاب والائتلاف الحاكم فيما بينه لتوحيد جهود محاربة الوباء.
وكانت قد أقرت لجنة النظام الداخلي البرلمانية، الاثنين الماضي، بعد مداولات وجلسات استماع، إدخال تعديلات على مبادرة الفخفاخ التي طلب مراراً استعجال النظر فيها حتى يتسنى له إصدار مراسيم تمكنه من مجابهة وباء كورونا بشكل ناجع وسريع، تفادياً لتعقيدات المداولات البرلمانية وتجنباً لطول المسار التشريعي.
ودفعت مسألة الحدّ من الصلاحيات، النائب عن "حركة الشعب"، سالم لبيض، إلى القول في منشور عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، إنه "لا توجد منطقة وسطى بين الحكم والمعارضة، وإنه إذا صحّ خبر رفض رئيس الحكومة نصّ التفويض المهزلة، المفرغ من أي محتوى حقيقي، فهذا أمر يستحق التنويه والتقدير والدعم والمساندة".
وما غذى هذا الجدل، أنّ الفخفاخ، قبيل التوجه إلى البرلمان، التقى أول من أمس الأربعاء، في قصر الحكومة في القصبة، أستاذَي القانون الدستوري، سليم اللغماني وكمال بن مسعود، للاستماع إلى وجهة نظرهما القانونية. وأكد المختصّان "ضرورة احترام روح الفصل الـ70 من الدستور"، بحسب بلاغ لرئاسة الحكومة، وهو ما يكشف عدم رضا الفخفاخ بالفعل عن تعديلات البرلمان وتحجيم الصلاحيات الممنوحة له.
ولئن كان التفويض سلاحاً دستورياً قد يساعد الحكومة في تفعيل الإجراءات والقرارات الاستباقية لمحاربة وباء كورونا، إلا أنه كشف أيضاً عن أزمة سياسية عميقة في تونس تتعلق بهشاشة الائتلاف الحكومي، الذي زادت وتيرته منذ إعلان البرلمان الحدّ من هذه الصلاحيات.
وسارع النائب عن حركة "النهضة"، الصحبي عتيق، للردّ عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، على ما وصفه بـ"المغالطة" التي نشرها زميله عن حركة "الشعب" سالم لبيض، مؤكداً أنّ "الجميع أثنى على مناخ الانسجام وتقديم المصلحة الوطنية، وانتفاء التقسيم التقليدي بين حكم ومعارضة في أثناء مناقشة المبادرة"، وأنه اعتُمد أغلب الفصول باتفاق بين جميع الكتل باستثناء "الكرامة" و"الدستوري الحر".
وتوصلت لجنة التوافقات مساء أمس الخميس إلى إقرار مدة التفويض للحكومة بشهرين. من جهته، أكدّ الوزير السابق، النائب عن حركة "النهضة" نوفل الجمالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفقرات الموجودة حالياً في نصّ التفويض، لها علاقة بفيروس كورونا، وهي قادرة على تمكين الحكومة من العمل في أريحية واتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية"، موضحاً أنّ "الحدّ من مدة التفويض لا يعتبر عقبة، لأنّ لا أحد يعرف كم ستستمر الأزمة، وبالتالي إذا اقتضى الوضع مزيداً من التمديد في الفترة الزمنية، فهذا يبقى ممكناً".
وأوضح الجمالي أنّه "طالما حُلَّت مسألة التفويض جوهرياً، وهناك قبول مبدئي بتفعيل الفصل الـ70، فإنه يمكن التمديد في المدة في أي وقت"، مضيفاً أنّ "الجدل حول المسألة ككل يعود لأنه للمرة الأولى في تونس بعد الثورة تطلب حكومة تفعيل الفصل الـ70، وبالتالي يمكن القول إنه جرى التعامل بكل جدية مع الأمر، لكن المبادرة الأولى التي قدّمها رئيس الحكومة كانت واسعة جداً، وكان من الضروري تعديل العديد من الفصول فيها، خصوصاً تلك التي لا علاقة لها بالأزمة".
أما النائب حاتم المليكي، فقال إنّ "السبب الرئيسي للتفويض هو تمكين الحكومة من مجابهة وباء كورونا، ولكن يبدو أنّ هناك إشكاليات أكبر في ما يتعلق بالمبادرة في حدّ ذاتها"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "التفويض يسمح بأن تكون المدة محددة بشهرين، وعلى الرغم من أنّ أغلب الخبراء أجمعوا على أن الوباء متواصل ومحاربة تداعياته تتطلب أكثر من شهر، إلا أنّ هناك إصراراً من قبل مجلس النواب على الحدّ من مدة هذا التفويض، وهو أمر في غاية الغرابة، لأن الهدف من التفويض مجابهة الفيروس، ولا يعرف لماذا يجري التمسك بالحد من المدة".
ورأى المليكي أنّ "الحديث عن تمكين المجلس من إمكانية الطعن في المراسيم التي قد تصدرها الحكومة، يعتبر التفافاً خطيراً، وهو ما يكشف عن صراع مقيت على السلطة، وعن الرغبة في التموقع السياسي بعيداً عن احترام مصلحة المواطنين ومجابهة الوضع الراهن".
من جهته، رأى النائب عن حزب "تحيا تونس"، مصطفى بن أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضية قبل أن تكون قوانين ومراسيم، هي مدى توافر الإرادة والتماسك في هذا الظرف. وهي قضية ثقة بين المكونات السياسية في بعضها البعض، خصوصاً أنّ الوضع هشّ ودقيق"، موضحاً في الوقت نفسه أنّ "الحكومة طالبت بـ14 مجالاً للتفويض، فيما رأت اللجنة البرلمانية أنّ هناك مجالات لا علاقة لها بكورونا مثل الحريات والمسائل العقارية، وبالتالي تبدو بعض التعديلات منطقية وبعض مطالب الحكومة في غير محلها".
واعتبر بن أحمد أنّ "الظرف لا يسمح بفتح كل الإشكاليات من قبل الحكومة، إذ لا بدّ من التركيز حالياً على مقاومة الوباء فقط"، مشيراً إلى أنّ "المجلس في انعقاد دائم، وبالإمكان في أي ظرف توسيع بعض الصلاحيات التي قد تطلبها الحكومة، خصوصاً إذا ما اقتضى الظرف ذلك". وأكّد أنّ "التركيز لا يجب أن يكون على التجاذبات وعلى الصلاحيات المحدودة، بل على تقاسم الأعباء".
بدوره، رأى الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري"، عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ مسألة التفويض إلى رئيس الحكومة "طرحت حقيقة العلاقة بين مكونات الائتلاف الحاكم، والتنازع حول السلطات، وهي مسائل معلومة منذ تشكل الائتلاف، وبالتالي من الطبيعي أن يفهم مطلب الحكومة على أنه محاولة منها لتوسيع صلاحياتها، وفي الوقت نفسه الحدّ من سلطة البرلمان".
وأوضح الشابي أنّ "البلاد في أزمة عامة، وتمرّ بظرف دقيق، وكان الأجدر ترك كل الخلافات السياسية جانباً، ولكن للأسف أزمة الثقة والتفكك بين مكونات الائتلاف الحاكم هي التي برزت على السطح، على الرغم من أنّ الحكومة ستُمكَّن من التفويض لاحقاً"، مشيراً إلى أنّه "كان من الأفضل للقيادة السياسية أن توحد التونسيين، ولكنها لا تزال تتناحر وتتنازع على النفوذ، وهو ما يزيد من قلق المواطنين عموماً".