وقالت مريم حسين (15 سنة) من مديرية شعوب في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إنها شعرت بصداع شديد وآلام في المفاصل قبل ظهور حبوب الماء حول قدميها وبقية مناطق جسمها، وفي المستشفى بينت التحاليل إصابتها بمرض الجدري المائي.
وأضافت: "وصف لي الطبيب مرهمين، الأول للوجه والثاني للجسم، بالإضافة إلى فيتامين سي لتقوية الجهاز المناعي، كما طلب مني الإكثار من شرب المياه، وخلال أسبوعين تماثلت للشفاء بعد عزلي في غرفة من المنزل، كما تغيبت عن المدرسة طيلة أيام المرض حرصاً على صحة وسلامة زميلاتي".
وقال إبراهيم محمد، وهو أب لخمسة أطفال، من منطقة شملان في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إنه فوجئ، بظهور الحبوب في جميع أنحاء جسم ابنه البالغ من العمر 10 سنوات. "نقلته على الفور إلى أحد المستشفيات القريبة من المنزل، والأطباء أخبروني أنه مصاب بالجدري المائي ووصفوا له الأدوية، وتماثل للشفاء بعد 17 يوماً. عانى ابني كثيراً من عزله عن بقية أخوته، خوفاً من انتقال العدوى إليهم، والعلامات التي تركها المرض في جسده زالت بشكل تدريجي نتيجة استخدام الأدوية بشكل منتظم".
وتسبب الإهمال وعدم معرفة أولياء الأمور بالمرض بانتقاله ضمن أفراد الأسرة. خليل الحبيشي أصيب كل أبنائه بالمرض، وقال: "لم نكن نعرف أن المرض معد، وعندما أصيبت طفلتي الأولى، لم نعزلها، وكنا جميعا نتعامل معها بشكل طبيعي، فانتقل المرض إلى أبنائي الخمسة".
وأوضح الحبيشي لـ"العربي الجديد"، أنه واجه صعوبة في علاجهم نظرا لعدم توفر المال. "نصحني الجيران بوضع التنتور (مادة معقمة بلون أزرق)، وأن هذا سيغنيني عن الذهاب إلى المستشفى، لكن هذه الطريقة لم تجد، فاضطررت للاستدانة للذهاب إلى المستشفى، وهناك وصف لنا الطبيب بعض الأدوية التي عالجت المرض، واختفت الحبوب لكن بقيت آثارها على أجسادهم ووجوههم".
وقالت الممرضة أفراح عبد الله، إن المركز الصحي الذي تعمل فيه بصنعاء، استقبل عشرات الحالات المصابة بالجدري المائي خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن أغلبهم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و10 سنوات.
وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن "المصابين بالجدري لا يحصلون على الرعاية الصحية اللازمة في المراكز والمستشفيات الحكومية، فنحن لا نملك الكثير من المستلزمات، ويضطر مرضى الجدري إلى شراء مراهم العلاج من الصيدليات الخاصة".
وتعود أسباب انتشار الجدري في أوساط الأطفال إلى تلوث المياه وانتشار النفايات وقلة النظافة، فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية والصحية للسكان، وحالات النزوح من مكان إلى آخر الناتجة عن الحرب.
وقال طبيب الأطفال منير الحاج لـ"العربي الجديد"، إن أعراض المرض تتمثل في الهزال والتعب المصحوب بارتفاع حاد في درجة حرارة الجسم، ليظهر بعدها طفح شديد على الجلد، بعد 12 يوماً من الإصابة بالفيروس. "كثير من الأسر اليمنية لا تعرف أن مرض الجدري قد ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق السعال أو العطس أو التنفس أو ملامسة الأغراض والملابس الشخصية أو أغطية السرير".
وأضاف الحاج أن "الجدري المائي يصيب الأطفال بمختلف أعمارهم، والمصاب بالجدري يحتاج إلى راحة تامة خلال فترة المرض، مع مراعاة استخدام الأدوية المضادة للتحسس لتقليل نسبة الحكة، بالإضافة إلى استعمال بودرة الأطفال للحد من ظهور الطفح الجلدي. لا وجود لأي دواء للجدري حتى الآن، ولكن تمكن الوقاية منه عبر اللقاحات كغيره من الأمراض الفيروسية. لكن اللقاح الواقي من المرض لا يتوفر في كثير من المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية بسبب تداعيات الحرب".
وقال مسؤول التحصين والرصد في منظمة الصحة العالمية باليمن، عبد الناصر الرباعي، إن "مرض الجدري القاتل انتهى من العالم في عام 1978، والمرض الذي تفشى أخيراً في اليمن، يسمى الجدري الكاذب أو الجدري المائي، وهو مرض فيروسي مُعد يصيب الإنسان مرة واحدة في العمر".
وأوضح الرباعي لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاح المكافح للمرض غير متوفر في برنامج التحصين لمنظمة الصحة، لكنه يباع في صيدليات القطاع الخاص. كثير من الأطفال والبالغين يصابون بالجدري الكاذب سنوياً في اليمن، لكن لا يوجد أي بلاغ يفيد بوفاة أي مصاب حتى الأن".
وحسب وزارة الصحة والسكان في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن إجمالي عدد الحالات المصابة بمرض الجدري في اليمن خلال 2018، بلغ أكثر من 12 ألف طفل، أغلبهم في العاصمة صنعاء.