بحكم القرب الجغرافي وتشابه النسيج الاجتماعي والروابط العائلية بين ضفتي الخليج، كانت البحرين من أوائل المناطق تأثراً بما يجري في جارتها الكبرى، المملكة العربية السعودية. فجزر البحرين يفصلها عن الساحل الشرقي للسعودية جسرٌ يبلغ طوله 25 كيلومتراً، يجتازه المسافر خلال أقل من نصف ساعة في حال عدم وجود ازدحام للسيارات.
التفجيران الأخيران في مسجدي القديح بالقطيف، والعنود بالدمام، ألقيا بتأثيرهما على الداخل البحريني، في ظل الاحتقان الطائفي الذي تشهده المنطقة العربية، والخليجية على وجه الخصوص، والتي تصاعدت حدتها بعد حرب اليمن.
الحادث الأول الذي أودى حتى الآن بحياة 22 قتيلاً، وتسبب في إصابة 100 آخرين، بدأ التفاعل معه سريعاً في الشارع البحريني، فانتشرت تغريدات التعزية والمواساة، كذلك انتشرت أشعار رثاء كتبها عدد من الشعراء الشعبيين. وإذ تزامن ذلك مع الأسبوع الأول من شهر شعبان، والذي يشهد احتفالات فرح دينية، تم إلغاء الكثير من مظاهرها في الليلة الثانية مباشرة، غداة انتشار الخبر، والاقتصار على احتفالات مصغّرة داخل المساجد.
الموقف الرسمي والشعبي كان حاسماً في التنديد بالتفجير، وقد صدرت مواقف قوية في اليوم الأول من القيادات الرسمية السياسية تعلن التضامن مع السعودية والحفاظ على أمنها، كذلك صدرت بيانات إدانةٍ وتنديد بالتفجير من قبل الجمعيات السياسية والدينية، سواءً المحسوبة على المعارضة أو الموالية، بما فيها جمعية "الأصالة" السلفية.
يوم الإثنين الماضي (25 مايو/ أيار 2015)، شارك الكثير من البحرينيين في تشييع ضحايا التفجير الأول، كما حرص المئات منهم، من مناطق مختلفة من البحرين، على المشاركة في تقديم واجب العزاء في المخيم الكبير الذي أقيم لاستقبال المعزين في قرية القديح.
التفجير الثاني الذي وقع الجمعة الماضي (29 مايو/ أيار)، وأوقع أربعة قتلى ونحو 20 جريحاً، أعاد المخاوف من امتداد تلك الشرارة إلى الداخل البحريني، مع صدور تهديدات من بعض الجهات على وسائل التواصل الاجتماعي، باستهداف المساجد والحسينيات في البحرين. وكانت مثل هذه التهديدات تصدر في بعض المواسم الدينية سابقاً، ولكن يتم التغلب عليها وتجاوزها، إلا أن اقتراب التفجيرات والتهديدات من المنطقة الشرقية يجعل المخاوف حقيقيةً هذه المرة لدى الكثيرين، خصوصاً بعدما تبنى تنظيم "داعش" المسؤولية رسمياً عن التفجيرين.
المفاجأة الكبيرة بالنسبة للرأي العام في البحرين كانت العام الماضي، بعد استيلاء التنظيم على ثلث مساحة العراق، إذ تبيّن وجود عشرات من البحرينيين يقاتلون في صفوفه، وبعضهم قيادات عليا مثل تركي البنعلي، والذي كان يعمل إماماً بأحد مساجد المحرق، والتحق بالتنظيم في الخارج، فقد انتشر له مقطع فيديو يعلن فيه مبايعته زعيمه أبو بكر البغدادي، وتبين أنه يتولى دوراً قيادياً في الهرم التنظيمي، كما لعب دوراً في ليبيا وسورية. بل إن صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت تحقيقاً في ديسمبر/ كانون الأول 2014، كشفت فيه أن البنعلي البالغ 30 عاماً، تولى مفاوضات غير ناجحة مع الـ (إف بي آي) الأميركي للإفراج عن عامل الإغاثة الأميركي بيتر كاشيغ، قبل مقتله، وقد قامت السلطات البحرينية بسحب الجنسية من البنعلي.
في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وفي أعقاب حادثة إطلاق النار في قرية الدالوة بالإحساء، والتي أوقعت خمسة قتلى وأصابت تسعة آخرين، نشر وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، تغريدة لافتة على حسابه على "تويتر"، قال فيها: "إنه لولا عناية رب العالمين ويقظة رجال الأمن لما استبعدنا وقوع مثل جريمة الإحساء في البحرين"، وهو ما جعل الكثيرين يتساءلون عن الدافع وراء إرسال هذه التغريدة في ختام موسم محرم في البحرين الذي يشهد حشوداً كبيرةً في العاصمة المنامة كل عام، وما يمكن أن يستشف منها وجود تهديدات أمنية حقيقية. وهو ما لم يتم توضيحه من قبل الجهات الرسمية، وإنما تم الاكتفاء بطمأنة الرأي العام بأن المتعاطفين مع "داعش" تحت المراقبة، مع الإشارة إلى أن العناصر البحرينية المنضمة إلى "داعش" الذين وصفتهم بـ"الفئة القليلة جداً"، واعترفت بأنهم دون المائة شخص. هذا بينما حذّرت صحيفة بحرينية ناطقة بالإنجليزية من وجود التنظيم في إحدى مناطق البحرين، بينما أُعلن عن سقوط عددٍ من القتلى في صفوف التنظيم في العراق وسورية في الأشهر الماضية.
وبعد تفجير القديح، أعلن المتحدث الأمني في وزارة الداخلية السعودي اللواء منصور التركي أن المادة التي استخدمها الإرهابي في تفجير مسجد الإمام علي بمنطقة القديح في القطيف هي من نفس المواد التي تم ضبطها على جسر الملك فهد. وهو الإعلان الذي أعاد المخاوف مجدّداً باحتمال وجود تهديدات فعلية تقترب من البحرين.
اقرأ أيضاً:
ولي العهد السعودي: تصدينا للكثير من العمليات الإرهابية
مقتل 4 أشخاص بتفجير انتحاري ثانٍ بمسجد في السعودية
الداخلية السعودية: منفذ تفجير مسجد القطيف "داعشي"