تفاهم سوتشي مهدد: النظام يواصل التصعيد ضد إدلب لخلط الأوراق

06 مايو 2019
اشتد التصعيد العسكري ضد إدلب ومحيطها(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -


لم تكن التفاهمات الروسية التركية التي حكمت الشمال السوري أقرب إلى الانهيار مثل ما هي عليه اليوم، حيث يشتد التصعيد العسكري من قبل النظام وحلفائه الروس على محافظة إدلب ومحيطها، في تمهيد يُمكن أن يتحول إلى توغل بري، قد ينقل الصراع في شمال غربي سورية إلى مستويات خطرة يصعب التحكم بها، وفي ذلك خلط للأوراق يخدم المسعى الروسي لضرب المعارضة في مقتل، تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي تمثله "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ومجموعات تدور في فلكها.

واستدعى التصعيد الذي يستهدف المدنيين في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي تصعيداً مماثلاً في ريف حلب الشمالي، الذي تسيطر على قسم منه "وحدات حماية الشعب" الكردية، في سياق تفاهمات تركية روسية غير معلنة، منحت أنقرة حرية التصرف في منطقة عفرين وريفها مقابل عدم التدخل العسكري في مدينة تل رفعت وقرى في محيطها ضمن منطقة نفوذ روسيا.

ويواصل النظام السوري وحلفاؤه التصعيد العسكري على محافظة إدلب ومحيطها، والذي اشتدت وتيرته بعد فشل الجولة 12 من مفاوضات مسار أستانة، التي عقدت أواخر الشهر الماضي في العاصمة الكازاخية. وقتل وأصيب، أمس الأحد، عدد من المدنيين في ريف إدلب، نتيجة القصف الجوي من طائرات النظام والمقاتلات الروسية، والقصف المدفعي من قبل قوات النظام، التي كما يبدو تمهد لتوغل بري لم يتوقف النظام عن التهديد به منذ أشهر. وقالت مصادر من الدفاع المدني السوري، لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي الروسي شن أربع غارات على بلدة الهبيط ومحيطها وأغار على بلدات النقير والشيخ مصطفى وكفرعويد والفطيرة ومعرة مصرين، وعلى مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، تزامناً مع غارات على مدينة اللطامنة وقرية الزكاة في ريف حماة. وأكد نشطاء محليون مقتل مدنيين بقصف جويّ من طائرات النظام على قرية سطوح الدير في ريف إدلب الجنوبي، وعلى مدينة كفرنبّل في الريف ذاته.


ولا يزال الشمال الغربي السوري محكوماً باتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. لكن النظام يحاول تقويض هذا الاتفاق من أجل اندفاع قواته شمالاً للسيطرة على ريف حماة الشمالي وأجزاء من ريفي إدلب الجنوبي والغربي. ويلوّح النظام منذ فترة بعمل عسكري واسع النطاق ينسف، في حال حدوثه، التفاهمات الروسية التركية، ما يضع شمال غربي سورية على حواف أزمات إنسانية كبرى، إذ تضم المنطقة نحو 4 ملايين مدني. وأكدت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أمس الأحد، أن "تعزيزات عسكرية سورية توجهت إلى الجبهات، خصوصاً إلى الريف الشمالي والغربي لمدينة حماة وأرياف إدلب"، مشيرة إلى أن "التعزيزات تهدف إلى شن هجوم واسع النطاق للسيطرة على المنطقة المنزوعة السلاح، التي ورد تحديد جغرافيتها في اتفاق إدلب". وعاد النظام إلى مزاعمه حول نيّة ما يسميها بـ"مجموعات إرهابية" فبركة سيناريو استخدام قوات النظام للأسلحة الكيميائية لـ"وقف الحملة العسكرية وخلط الأوراق في الشمال". ونقلت "الوطن" عن مصدر لم تسمه قوله "إن نقل المواد السامة من المجموعات الإرهابية تم رصده في أكثر من موقع، ومن المتوقع أن تقوم باستخدامه لاتهام الحكومة السورية، وبالتالي وقف الهجمات الجوية والتحركات العسكرية على الأرض".

وبرز أول من أمس، السبت، تطور كان من شأنه تفجير الموقف في ريف حماة الشمالي بشكل دراماتيكي، إذ استهدفت قوات النظام نقطة المراقبة العسكرية التركية العاشرة التي أقامها الجيش التركي مع نقاط مراقبة أخرى وفق الاتفاقات التركية الروسية. وأعلنت وزارة الدّفاع التركيّة، أمس الأحد، إصابة جنديَّين تركيَّين بجروح طفيفة في إطلاق قذائف هاون على مركز المراقبة انطلاقاً من مناطق تحت سيطرة النظام السوريّ. ومن الواضح أن النظام تعمد استهداف النقطة التركية، في إشارة واضحة على نيّته القيام بعمل عسكري واسع النطاق، يمهد له منذ بداية فبراير/ شباط الماضي، بالقصف المدفعي والصاروخي والجوي، والذي أدى إلى مقتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين. وتتوزع نقاط المراقبة التركية في 12 موقعاً في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وتقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. وتقع النقطة العاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شيارمغار بريف حماة الغربي، والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي. واكتفى الجيش التركي بإجلاء مصابين بين جنوده جراء الهجوم المدفعي، الذي أصاب جدار الحماية الذي يحيط بنقطة المراقبة التركية، ما يشي بحرص الأتراك على المحافظة على اتفاق سوتشي رغم هشاشته، وعدم تصعيد الموقف.

كما برز تطور عسكري لا يمكن عزله عما يجري في شمال غربي سورية، إذ توغل "الجيش الوطني"، التابع للمعارضة السورية والمدعوم من تركيا، السبت الماضي، في ريف حلب الشمالي، الذي يقع قسم منه تحت سيطرة "الوحدات" الكردية، ويعتبر منطقة نفوذ روسي في مدينة تل رفعت وريفها. ويبدو أن هذا التوغل المحدود الذي تراجع عنه "الجيش الوطني" لاحقاً، كان رسالة غير مباشرة للجانب الروسي رداً على التصعيد الكبير في شمال غربي سورية، والذي لم يكن ليحدث لولا الضوء الأخضر من موسكو للنظام. كما جاء عقب مقتل ضابط تركي وإصابة آخر، السبت، جراء هجوم شنته "الوحدات" الكردية على منطقة عفرين، شمال سورية، من مدينة تل رفعت.

إلى ذلك، أعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، أمس الأحد، أن أنقرة وموسكو تراجعان انتشار قواتهما في منطقة تل رفعت. وقال أقطاي، في مقابلة مع قناة "كانال 7" التلفزيونية، إن أنقرة وموسكو تناقشان التطورات في المنطقة، مضيفاً أن العمليات العسكرية التركية على طول الحدود ستتواصل حتى يتم القضاء على كل التهديدات. وتابع "الاتفاق هو أن نتوقف هناك (عند تل رفعت)، لكن إذا استمرت هذه الهجمات فإن الأمر قد يأخذ شكلاً مختلفاً. ونناقش هذا مع روسيا". وتؤكد تصريحات المسؤول التركي وجود تفاهم بين أنقرة وموسكو حال دون توغل القوات التركية في منطقة تل رفعت عقب طرد "الوحدات" الكردية من منطقة عفرين أوائل العام الماضي، ويبدو أنه بات مهدداً بالانهيار على وقع ما يجري في محافظة إدلب من تصعيد. من جانبه، رأى القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى سيجري أن "الاحتلال الروسي ما زال يستخدم المجموعات الإرهابية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني كورقة ضغط على الأشقاء في تركيا"، في إشارة إلى "الوحدات" الكردية في ريف حلب الشمالي. وأشار سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن ضغط موسكو على أنقرة "غايته القبول بالنظام والمشاركة في المؤامرة على الشعب السوري"، مضيفاً "روسيا لا تريد الذهاب باتجاه لجنة وطنية لإعادة صياغة الدستور، ولا تريد عملية سياسية حقيقية". وتابع قائلاً إن "روسيا تريد شرعنة النظام من خلال العملية السياسية، وضمان مكاسبها في أي صفقة محتملة بين الأتراك والأميركيين في منطقة شرق نهر الفرات".

ويدخل التصعيد الدموي في شمال غربي سورية في سياق محاولات روسية حثيثة لتنفيذ البند الثامن من اتفاق سوتشي الخاص باستئناف النقل عبر طريقي حلب ــ اللاذقية وحلب ــ حماة. وينص الاتفاق على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية العام 2018"، مع تعهد الجانبين بتأمين الحماية اللازمة لهذين الطريقين. لكن هذا البند لم يُنفذ بسبب عدم توصل الجانبين التركي والروسي إلى آليات ترضي جميع الأطراف، خصوصاً أن "هيئة تحرير الشام"، ومجموعات مرتبطة بها، تسيطر على قسم كبير من طريق اللاذقية - حلب والذي يمر في ريف إدلب الجنوبي. ومن الواضح أن الجانب الروسي يضغط من أجل فتح الطريقين، ما يعني ضرورة سيطرة النظام السوري على مدن وبلدات مهمة في ريف إدلب الجنوبي، منها معرة النعمان وسراقب، والسيطرة الكاملة على ريف حماة الشمالي. وأعرب قيادي بارز في "الجيش السوري الحر"، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن ما يجري من تصعيد عسكري في ريفي حماة وإدلب يأتي "لتنفيذ بعض بنود اتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا"، مشيراً إلى أنه "على الأغلب الغاية تبادل تسليم مناطق". وأعرب القيادي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، عن اعتقاده بأن "النظام وروسيا وتركيا يريدون فتح الطرق الدولية في الشمال السوري والشمال الغربي بما فيها الطريق الذي يربط حلب السورية بغازي عنتاب التركية".