انتهت أزمة النفط في ليبيا بإعلان المؤسسة الوطنية للنفط، في طرابلس، عن استئناف حركة الإنتاج والتصدير في الحقول، من دون أن يُكشف عن نتائج "المفاوضات" التي كانت المؤسسة قد أعلنت بدءها، الأسبوع قبل الماضي، بمشاركة أطراف إقليمية لم تسمها وبرعاية أممية وأميركية.
وبعد أن أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، عن رفع حالة "القوة القاهرة" عن حقول وموانئ النفط وبدء تصدير أولى شحناته عبر ميناء السدرة، وجه الشكر إلى "جميع الأطراف التي شاركت في المناقشات الأخيرة للمساعدة في تحقيق هذه النتيجة الناجحة"، بحسب بيانه الذي نشرته المؤسسة عبر صحفتها الرسمية على "فيسبوك"، أمس الجمعة. وأكد صنع الله أنه "يجب أن نتخذ خطوات للتأكد من أن إنتاج ليبيا من النفط لن يكون عرضة للمساومة مرة أخرى".
وعلى الفور، رحبت السفارة الأميركية في ليبيا، من جانبها، بإعلان المؤسسة الوطنية في ليبيا رفع "القوة القاهرة" عن صادرات النفط واستئناف عملها الحيوي.
وقالت السفارة الأميركية لدى ليبيا، في بيان نشرته عبر صفحتها في "فيسبوك"، إنّ بلادها "ستواصل دعم الشفافية المالية في ليبيا وتعزيز التفاهم المشترك بين الليبيين بشأن التوزيع العادل لإيرادات النفط والغاز، من خلال الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة".
2/2 وتشيد السفارة بجهود جميع الأطراف الليبية لتسهيل عمليات المؤسسة الوطنية للنفط. وستواصل السفارة دعم الشفافية المالية في #ليبيا، ومن خلال الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة، تعزيز التفاهم المشترك بين الليبيين بشأن التوزيع العادل لإيرادات النفط والغاز.
— U.S. Embassy - Libya (@USAEmbassyLibya) July 10, 2020
تلتها ترحيبات سفارات أوروبية عديدة بإعلان المؤسسة، كما أن رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، رحب، في تصريحات صحافية، بالإعلان، فيما لم تعلن حكومة "الوفاق" عن موقفها، باستثناء تغريدة كتبها وزير الداخلية، فتحي باشاغا، قال فيها "النفط ملك لكل الليبيين، ويجب أن تُدار عائداته بشفافية وتوزع بعدالة على مختلف المناطق، وإلا يكون مصدراً لابتزازات فئوية أو مناكفات سياسية".
النفط ملك لكل الليبيين، ويجب أن تدار عائداته بشفافية وتوزع بعدالة على مختلف المناطق، وألا يكون مصدرا لابتزازات فئوية أو مناكفات سياسية.
— وزير الداخلية الليبي (@fathi_bashagha) July 10, 2020
نرحب بإعلان المؤسسة الوطنية للنفط عن رفع القوة القاهرة عن كل صادرات النفط، ونشكر جميع الأطراف التي ساهمت في تحقيق ذلك.
وقالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ المفاوضات النهائية التي جرت في العاصمة المالطية فاليتا، بمشاركة مصرية وليبية وفرنسية، وبرعاية أميركية، انتهت إلى الاتفاق على إعادة نشاط العملية الإنتاجية في الحقول النفطية ورفع الحصار عنها، بعد تعهد الأطراف الليبية بعدم المساس بعائدات النفط المالية لصالح أي طرف.
وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أنّ المسموح به من تلك العائدات هو ما يتعلق بصرف الرواتب، وسداد جوانب في بنود ميزانية البلاد تتعلق بالجوانب المعيشية فقط.
وعلى الصعيد السياسي، اعتبرت تلك المصادر أنّ الخطوة التي ضغطت باتجاهها واشنطن "شكلت اختراقاً مهماً للجمود الذي يعيشه المشهد الليبي، لكن حدة الاستقطاب بين الأطراف المتصارعة في ليبيا لا تزال قائمة"، بحسب قولها.
وترجح ذات المصادر أنّ الأمم المتحدة لديها رؤية بشأن إعادة إطلاق المسارات السياسية في ليبيا لتوجهها إلى طاولة حوار ليبية موسعة، على غرار ملتقى غدامس الذي كان من المفترض أن يعقد في إبريل/نيسان من العام الماضي، لكن العرقلة القائمة بشأن عودة نشاط الأمم المتحدة تتعلق بتعيين مبعوث جديد خلفاً لغسان سلامة المستقيل من منصبه، منذ مطلع مارس/ آذار الماضي.
وأشارت المصادر إلى أنّ الخلافات تدور حالياً بين أعضاء من مجلس الأمن بشأن استمرار الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز، التي تترأس البعثة حالياً بالإنابة، حيث تعارض روسيا ذلك وتقترح فصل مهام رئيس بعثة الدعم في ليبيا عن مهام المبعوث الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، فيما قدمت السويد دبلوماسياً سابقاً، من جانبها، لتولي المنصبين معاً لحل الخلاف الأميركي الروسي.
وتبدو رؤية الأمم المتحدة في ليبيا تتجه إلى العمل على تحويل قطاع سرت – الجفرة إلى منطقة منزوعة السلاح، وهو ما أشارت إليه مصادر خاصة لــ"العربي الجديد"، في وقت سابق، وأكده حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في كلمته أمام مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، إذ قال إنّ بعثته "تعكف على بذل الجهود بهدف خفض التصعيد، بما في ذلك إنشاء منطقة منزوعة السلاح إن أمكن، وذلك بغية التوصل إلى حل عبر الحوار وإنقاذ الأرواح".
لكن حديثاً جديداً يدور في الأوساط الليبية يتعلق بإمكانية إرسال الأمم المتحدة لقوة حفظ سلام للوجود في المنطقتين؛ سرت والجفرة، للحفاظ على خلوهما من سلاح أي من طرفي الصراع في ليبيا.
"الوفاق": عملية السيطرة على سرت والجفرة "لن تتأخر"
لقاء ذلك تشير تصريحات قادة قوات حكومة "الوفاق" إلى الإصرار على الاستمرار في العمليات القتالية في سرت والجفرة، إذ أكد المتحدث الرسمي باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، مصطفى المجعي، أن الاستعداد بشأن عملية السيطرة على سرت ومن بعدها الجفرة "اكتملت ونحن ننتظر الأوامر"، مشدداً على إصرار قوات الحكومة على الاستمرار في عملياتها القتالية.
وأوضح في تصريحات صحافية، أمس الجمعة، أنّ عملية السيطرة على سرت والجفرة "لن تتأخر"، فــ"الأمر يتعلق بتجنيب المدينة الدمار والدخول بأقل الخسائر كما حصل في مدن الغرب الليبي وآخرها ترهونة، كما أن هناك ترتيبات لما بعد الدخول، فلا يمكن أن نسلم المدينة وما بعدها للمجهول بعد تحريرها".
وفي تحليل مستجدات الأوضاع، يرى الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، أن واشنطن هي التي لا تزال تقبض على مقاليد وزمام قيادة الملف الليبي، ونشطت في الآونة الأخيرة بعد زيادة قلقها من التوغل الروسي الذي يبدو أنه يسير في اتجاه التهدئة مع الجانب الأميركي في ليبيا.
واعتبر الجواشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ حلحلة أزمة النفط "تبدو خطوة جيدة في اتجاه منع الأطراف المتصارعة من استخدام ورقة النفط للمساومات السياسية"، مشيراً إلى أنّ "بدء تصدير النفط من ميناء السدرة له مؤشر واضح على نجاح واشنطن في تحييد أبرز الأطراف المتصارعة لصالحها".
وأوضح الجواشي أنّ ميناء السدرة تملك المؤسسة الوطنية فيه نسبة 65%، بينما تتقاسم شركات أجنبية أخرى ما تبقى من الحصص، لكن أبرزها شركة "توتال" الفرنسية التي تمتلك حصة نسبتها 15%، :ما يعني رضا فرنسياً على الاتفاق الذي دار بشأن عودة إنتاج النفط وإن لم يعلن عن شكل ذلك الاتفاق"، بحسب قوله.
وتابع أن "التركيز على بدء ضخ النفط من ميناء السدرة المتصل بعدة حقول، أهمها حقل الشرارة في الجنوب، يعني أنّ واشنطن تستهدف إضعاف الوجود الروسي المتركز عبر مرتزقة (فاغنر) في حقل الشرارة وميناء السدرة"، مشيراً إلى أنّ "موسكو أرسلت عدة رسائل من بينها الحديث بالنيابة عن خليفة حفتر، الأسبوع الماضي، وموافقته على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، ما يشير إلى إمكانية رغبتها في ضمان حصتها في ليبيا بوسائل أخرى، بعيداً عن مصادمة واشنطن".
وبينما يرى الجواشي أنّ أغلب حلفاء حفتر هم حلفاء لواشنطن التي لا تجد مشكلة في إقناعهم بشأن رفع الحصار عن النفط، يعتبر المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، أن الخطر لا يزال قائماً في المشهد على الصعيدين السياسي والعسكري.
ويوضح ذويب رأيه، لـ"العربي الجديد"، بالقول إنّ "انتقال الخلافات إلى ردهات وكواليس مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن عودة نشاط البعثة الأممية على الصعيد السياسي يهدد بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه".
وأشار إلى أن بقاء منصب المبعوث الأممي شاغراً لمدة أربعة أشهر "يعني وجود خلافات كبيرة بين الأقطاب الكبرى بشأن الملف الليبي، وكلها تمتلك أذرعاً تتحرك من خلالها في ليبيا، خصوصاً أن الصفيح الساخن لم يبرد بالقرب من سرت والجفرة".
وتساءل ذويب بشأن أهمية إخلاء منطقتي سرت والجفرة من سلاح أي من طرفي الصراع المحليين في ليبيا وجدواه، معتبراً أن "نشر القبعات الزرق فيها قد يُفهم محلياً بأنه خطوة في طريق تقسيم البلاد، خصوصاً مع غموض نتائج وشكل المفاوضات التي جرت بشأن النفط، وعودة الإنتاج بشكل فجائي دونما توضيح للأسباب".
ويرجح ذويب أنّ "ما يجري حالياً لا يزال في خانة المساومات السياسية، ولم يتجه في طريق إقناع الأطراف وجمعها حول طاولة للتفاوض وصنع حل سياسي سلمي"، لافتاً إلى أنّ "مجلس الأمن لا يزال يعيش حالة شلل بسبب اختلاف الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، وفي ظل غياب أطراف دولية فاعلة كبريطانيا".
وأشار إلى أنّ "الفاعلين الكبار بحلحلتهم لمشكلة النفط المهمة والاستراتيجية بالنسبة لهم يعني أنهم يتجهون إلى مزيد من التجميد السياسي والعسكري لصالح ساحات صراع أخرى في ساحات إقليمية ودولية، وتحويل الملف الليبي لورقة للضغط في تلك الساحات الأخرى، ما يعني تأجيل الحل في ليبيا".