تفاقم الهجرة ينعش سوق المستعمل في كردستان العراق

01 اغسطس 2017
تأزم الأوضاع المعيشية لأهالي كردستان العراق (فرانس برس)
+ الخط -

انتعشت تجارة بيع المستلزمات المنزلية المستعملة، خلال الفترة الأخيرة، في ظل إقبال مواطني محافظة السليمانية، ثاني كبرى مدن إقليم كردستان العراق شمال البلاد، على الهجرة خارج البلاد، بسبب الظروف المعيشية الصعبة. 

وقال تجار المواد المستعملة، لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين يقومون ببيع أثاث منازلهم لتوفير نفقات الهجرة خارج البلاد.

وحسب خبراء اقتصاد، لم تعد ظاهرة الهجرة قاصرة على المناطق التي تعاني من حروب في عدة مناطق بالعراق، بل عزّز تزايد معدلات الفقر والبطالة في إقليم كردستان العراق من دوافع الهجرة لدى مواطني كردستان العراق في الأعوام الأخيرة.

وازدهرت مبيعات الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية المستعملة بمختلف أنواعها والسيارات، فضلا عن المستلزمات الشخصية كالحلي وغيرها.

وقال أحد أصحاب محلات بيع الأثاث والمستلزمات المنزلية المستعملة، أمين قادر، لـ "العربي الجديد": "يوميا نستقبل أشخاصا يعرضون كافة أثاث ومستلزمات منازلهم للبيع وبأسعار متدنية".

وأضاف قادر أن "أغلب هؤلاء الأشخاص يحاولون بيع كل ما يملكون للحصول على الأموال اللازمة للهجرة إلى الخارج"، مشيرا إلى أنه يتم شراء الأثاث ومستلزمات المنازل كاملة وبأسعار منخفضة جدا بهدف الحصول على الأموال بأسرع وقت ممكن.

وبسبب ذلك بدأ الكثير من العاطلين عن العمل الإقبال إلى هذا السوق النشط، حيث عادة ما يُفتح دكان فارغ ويكتب عليه عبارة "نشتري الأثاث المستعمل"، حسب التجار.

ويقول أحد تجار سوق البورصة في السليمانية، محمد مام عمر، لـ"العربي الجديد"، إن "كثيراً من الشباب ضعاف النفوس يستغلون حاجة المواطنين للمال ويشترون سلعهم بثمن بخس ويبيعونها بعد ذلك بربح كبير"، مضيفاً أن صاحب العائلة يكون مضطراً للبيع بسبب حاجته الفورية للمال والسفر في نفس الوقت.

وطالب عمر الحكومة بوضع قوانين صارمة لمنع استغلال المواطنين بهذا الشكل.

وقال المواطن عزيز روستم، لـ"العربي الجديد" إن "شقيقه قام ببيع أثاث ومستلزمات منزلية بسعر متدن جدا، بهدف جمع أموال للتوجه إلى أوروبا"، مبينا أن الأوضاع الحالية غير المستقرة دفعت الكثيرين إلى التوجه للخارج بحثا عن حياة أفضل.

وأضاف روستم: "أفكر حاليا في إيجاد طريق آمن للتوجه إلى الخارج، خصوصا أنه لم يعد هناك أي أمل لتحسن الظروف في العراق".

ورغم المخاطر التي يواجهها المهاجرون وصعوبة الحصول على حق اللجوء وقرارات بعض الدول الغربية بإعادة اللاجئين إلى دولهم، يواصل العراقيون، بمن فيهم مواطنو كردستان، تدفقهم إلى الخارج بشكل رسمي أو غير رسمي، بهدف الحصول على اللجوء في إحدى الدول الغربية.

وقال مشرف اتحاد اللاجئين العراقيين، أري جلال، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة الهجرة تصاعدت في إقليم كردستان مؤخرا، حيث يغامر المهاجرون بحياتهم وسط الطرق الوعرة والبحار للوصول إلى الدول الغربية".

وأضاف جلال أن الظروف الاقتصادية الصعبة وغياب فرص العمل، وعدم تعيين خريجي الجامعات، فضلا عن عدم وضوح المستقبل، يدفع المواطنين للهجرة إلى الخارج، ودعا الجهات المسؤولة إلى التحرك لتحسين أوضاع المواطنين للحد من ظاهرة الهجرة.

وتشير مصادر اتحاد اللاجئين في العراق إلى أن هناك أكثر من 240 ألف شخص من العراق، بمن فيها سكان من إقليم كردستان، هاجروا إلى أوروبا منذ عام 2014. وتؤكد تلك المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن أكثر من 300 شخص منهم لقوا مصرعهم قبل وصولهم إلى أوروبا، ولا يزال 48 شخصا مفقودين.

ويواجه إقليم كردستان العراق أزمة مالية خانقة، بعد قطع بغداد مرتبات موظفي الإقليم نهاية عام 2014، إثر افتتاح كردستان خط أنابيب نفطي للتصدير إلى تركيا من دون الرجوع إلى بغداد، وهو ما أثار أزمة مالية كبيرة، بعد إعلان بغداد تخفيض حصة الإقليم من الموازنة المالية من 21% إلى 17% فقط، فاقمها دخول نحو مليوني نازح إلى الإقليم فروا من مناطق القتال في مناطق شمال وغرب العراق إثر اجتياح تنظيم داعش مساحات واسعة من البلاد.

وتقول حكومة الإقليم إنها تحتاج إلى نحو 850 مليار دينار عراقي نحو (800 مليون دولار) لصرف مرتبات موظفي الإقليم البالغ عددهم مليونا و400 ألف موظف، عدا المتقاعدين والمشمولين بمرتبات الرعاية الاجتماعية، يضاف إليهم نحو 100 ألف عنصر من قوات البشمركة التي تتولى مهمة حفظ الأمن على حدود الإقليم وترفض بغداد منحهم مرتبات بسبب ما تقول عنهم إنهم لا يخضعون لسلطة وزارة الدفاع العراقية.

وحدثت في الأشهر الأخيرة انفراجة في الأزمة بوساطة أميركية دفعت بغداد إلى إرسال مرتبات موظفي الإقليم لكن بشكل جزئي، وهو ما جعل إقليم كردستان يعلن جدول مرتبات يقضي بمنح الموظف نصف مرتبه تحاشيا من تسلم موظفين وحرمان آخرين.

وحاولت حكومة إقليم كردستان تعويض النقص بزيادة صادراتها المستقلة من النفط إلى نحو 600 ألف برميل يوميا، لكن عند مستويات الأسعار الراهنة مازال الإقليم يعاني من عجز يقدر بنحو 300 مليار دينار شهريا، رغم المساعدات المالية التركية التي تقدم لهم بين الحين والآخر. وانخفضت أسعار النفط العالمية بأكثر من 50% منذ منتصف عام 2014 حيث كان يبلغ سعر البرميل 115 دولاراً منخفضاً إلى نحو 50 دولاراً حالياً.

وعمدت حكومة الإقليم إلى فرض إجراءات جديدة، في محاولة منها لتخفيف العجز مثل فرض ضرائب جمركية على بضائع جديدة وزيادة نسب أخرى ورفع الرسوم بدوائر الحكومية المختلفة وإيقاف عدد من المشاريع التنموية.

ولا تصل المرتبات التي تدفعها بغداد بضغوط أميركية إلى كردستان وفقا لموعد محدد، حيث يلاحظ أن مرتبات شهر إبريل الماضي وصلت منتصف هذا الشهر، وسيتعين انتظار مرتبات شهر مايو/أيار في وقت لاحق، قد يكون نهاية العام الحالي في أفضل الحالات، حسب خبراء اقتصاد.

وحول ذلك، قال الخبير بالشأن الاقتصادي في إقليم كردستان، مجيد البرزنجي، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية المهاجرين من الشباب الذين يسعون لتأسيس حياتهم، حيث ضاقت عليهم سبل العيش في الإقليم بسبب قلة الفرص وضيق الحالة المادية، فضلا عن أن الدول الأوربية تستقبل المهاجرين الكرد بأفضلية عن العرب".

وأوضح البرزنجي أنه "يمكن معرفة الوضع الاقتصادي من حياة الناس اليومية، فالطبقة الوسطى بدأت تنهار في المجتمع، وصارت لدينا طبقة فقيرة وأخرى غنية، وأغلبية الموظفين باتوا يعملون بعد أوقات الدوام لتدبر أحوالهم، كما أن انخفاض أسعار المنازل وكثرة بيعها وانتشار التسول والإقبال على جمعيات الطعام، مظاهر كانت قليلة جدا في الإقليم قبل ذلك"، وفقا لقوله.

وحسب دراسات حديثة، تبلغ نسبة العراقيين القابعين تحت خط الفقر نحو 31%، وفي مناطق سيطرة داعش أكثر من 48%. وأعدت الحكومة العراقية خطة للحد من الفقر بمساهمة عدة جهات، من بينها بنك ومؤسسة مالية وحكومات مختلفة، ويبلغ عدد الفقراء في العراق نحو 7 ملايين عراقي، حسب دراسات حكومية.

المساهمون