تغيّم في إسطنبول وتمطر في الرباط

15 يونيو 2015

اردوغان وبنكيران في الرباط، 2013 (Getty)

+ الخط -
سيكون على رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، إنجاز قراءة سريعة وواضحة الخلاصات لنتائج الانتخابات التركية التي جعلت حزب رجب طيب أردوغان يتراجع لأول مرة منذ 13 سنة أمضاها في الحكم، في مناخ سياسي إقليمي صعب. فحين كانت تركيا حزب العدالة والتنمية تحقق معدلات اقتصادية متقدمة في جوار هش، وتخوض معارك سياسية مكلفة مع خصومها في الداخل، وخصوصاً أنصار فتح الله غولن، كانت خواتم ما بعد الربيع العربي تضع تركيا في صلب مشكلات العرب، وهو ما انسجم تماما مع السياسة الخارجية لأردوغان في بحث عن دور تركي، ضمن معادلات السياسة الإقليمية.
لم يمر أكثر من أسبوع، حتى خرج الرئيس التركي، أردوغان، يدعو إلى الإسراع بتشكيل حكومة ائتلافية، لم يعد أردوغان يطمح أن يحكم تركيا وحده، بل بمعية المكونات السياسية الأخرى، وربما يحتاج صقور حزب العدالة والتنمية إلى وقت أطول، لتقديم قراءة مفصلة وموضوعية لنتائج الانتخابات تلك، ولأسباب تقلب مزاج الناخب التركي نحو الأحزاب القومية.
لكن، ما علاقة حزب بنكيران وانتخابات تركيا؟ الجواب السهل الذي يمكن تقديمه أنه لا توجد علاقة مباشرة بين التجربتين، عدا كونهما يحملان الاسم نفسه، ويوجدان في موقع تدبير القرار السياسي، أما الاختلافات فكثيرة، وأبوابها شاسعة.
قد يكون هذا صحيحاً. لكن، من حيث القرابة الإيديولوجية، ظل حزب العدالة والتنمية وقيادته السياسية، يعتبرون تجربة حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا سياسيا يحتذى، بل توطدت هذه العلاقات، من خلال الزيارات واللقاءات والابتعاثات العلمية، فعدد كبير من طلبة حزب بنكيران يدرسون في الجامعات التركية، ويطلعون على التجربة عن قرب، وهم سيشكلون، في المستقبل القريب، حلقة صلبة لمشاريع العمل المشترك في جميع المجالات.
لا يجب أن يغرب عن البال أن بنكيران أقدم بعد أشهر من توليه مسؤولية رئاسة الحكومة المغربية، على تنظيم زيارة كبيرة لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الذي استقدم معه وفداً كبيرا من رجال المال والأعمال، للحصول على مشاريع استثمارية، تدعم التجربة الاقتصادية للحزب المغربي الجديد على الحكم.
لم تكن تلك الزيارة مفروشة بالورود، فقد أقدم رجال المال والأعمال المغاربة الفرنكفونيون المنضوون تحت لواء "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" على مقاطعة زيارة أردوغان، ووقع اتهام متبادل بين الباطرونا وبنكيران، ووجه إليه لوم من مواقع القرار الاقتصادي بأنه يسعى إلى تسويق حزبه، على حساب مصالح البلاد، بمنح رجال المال والأعمال الأتراك أفضلية استثمارية على حساب الشركاء التقليديين للمغرب.
وكان أن وجد الوفد التركي نفسه مهملا في الرباط من دون استقبال رسمي من الملك محمد السادس، كما تجري العادة، وظلت غصة هذا الفشل مرة فترة طويلة في حلق بنكيران، قبل أن يجري تنظيم زيارة رسمية ثانية، بعد سنتين من ذلك الحادث، على قواعد أخرى، شارك الجميع فيها، واستقبل أردوغان رسميا في القصر الملكي مع وفده الاقتصادي.
تلتها بعد ذلك زيارة خاصة للملك إلى تركيا امتدت أسابيع، ما يجعل الرسائل السياسية واضحة بين المغرب الرسمي وتركيا الدولة، بعيداً عن القنوات الحزبية.
ما هي خلاصة هذا كله؟ هل يعني فشل انتخابي نسبي لحزب العدالة والتنمية في تركيا فشلا أتوماتيكيا للعدالة والتنمية المغربي في الانتخابات البلدية المقبلة، وعبوراً نحو خريطة انتخابية جديدة في التشريعيات المرتقبة بعد عام ونصف.
توقعات العارفين بلعبة السياسة في المغرب تفيد: تراجع لحزب بنكيران في التشريعيات المقبلة مع البقاء في المقدمة، حيث سيحكم مع خليط ائتلافي من أصدقاء وأعداء الأمس. لذلك، يتحسس بنكيران صدغيه جيداً خوفاً من الصفعة.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..