تغيير في استراتيجية المعارضة السورية المسلحة: دمشق أولاً

08 أكتوبر 2014
انسحبت المعارضة من عدرا للتركيز على دمشق (فرانس برس)
+ الخط -

انتقدت أوساط مقرّبة من المعارضة المسلّحة، هزيمتها السريعة على يد النظام في مدن عدرا البلد والجديدة والصناعية، بعد استخدامه الغاز السام في مدينة عدرا العمالية، ما سهل عليه الدخول إلى بقية المناطق.

وتبيّن فيما بعد أن المعارضة، وإن اضطرت في البداية إلى الانسحاب تحت وطأة السلاح السام، إلا أنها كانت تخطط لذلك، وهو الأمر الذي كشفت عنه لاحقاً، باعتبار أن المعارك التي خاضتها مع قوات النظام في جبهة عدرا العمالية أدّت إلى استنزاف قوات الأخير وإشغاله، وصرف أنظاره عن مواقع أخرى، استطاعت قوات "الجيش الحر" السيطرة عليها، وانسحبت بعدما حققت الأهداف التي دخلت من أجلها.

وفي السياق ذاته، بررت المعارضة الانسحاب من عدرا البلد بأنها لم تعد تشكل أهمية استراتيجية لها، عقب التقدم الحاصل على جبهة دمشق ولا سيما في الدخانية، ويمكن قراءة مقاصدها هنا بأنها حوّلت استراتيجية المعارك من مناطق القلمون بريف دمشق، باتجاه العاصمة نفسها، إذ إن منطقة عدرا البلد كانت تعد بوابة القلمون الشرقية، ونقطة الوصل بين الغوطة الشرقية والقلمون.

ولم يمض أسبوع، حتى فاجأت المعارضة قوات النظام مرة ثانية في مناطق حساسة بالنسبة إلى العاصمة، بعد سيطرتها في المرة الأولى على حي الدخانية، التجمع السكني الكثيف والواقع بين مناطق جرمانا ودويلعة والكباس وعين ترما، والذي يعتبر المقر الأساسي لـ "قوات الدفاع الوطني"، عبر السيطرة على عدد من المواقع في مدينة عربين، وقطع الإمداد عن إدارة المركبات، ومحاصرة مبنى الاستخبارات الجوية في حرستا، خلال 48 ساعة من المعارك فقط، بعد إطلاق معركة تحت مسمى "الوفا لأهل العطا"، بهدف تحرير مواقع حيوية في الغوطة الشرقية.

ويتضح تبدل الاستراتيجيات من القلمون إلى دمشق، بتصريحات المتحدث الرسمي لـ "جيش الإسلام" عبد الرحمن الشامي، الذي قال في وقت سابق لـ "العربي الجديد"، إن "الانسحاب من عدرا جاء لتركيز قتال المعارضة في مناطق أقرب إلى دمشق، وتهديد النظام في عقر داره".

رأت المعارضة المسلحة أن معارك القلمون لا تشكل حساسية كبيرة بالنسبة للنظام، خصوصاً في ظل استعادته لمعظم البلدات والقرى كيبرود ومعلولا، بينما اقتصر دور الثوار على قتاله في جرود القلمون، كما أن طموحات المعارضة وأهدافها لا تتفق مع أطماع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عبر التوسع والتمدد نحو مناطق قد تسيء إلى صورتها، كمدينة عرسال التابعة للبنان، على الحدود بين البلدين.

ويمكن إضافة أسباب أخرى تدفع المعارضة إلى التركيز بهذا الاتجاه، أهمها تخفيف الضغط عن حي جوبر الدمشقي الذي يحاول النظام اقتحامه بشكل يومي، مستخدماً كافة الأسلحة، إذ يعتبر الحي مفتاح المعارضة للدخول إلى دمشق، كونه يبعد أقل من كيلومتر واحد عن ساحة العباسيين في قلب العاصمة دمشق، ويشكّل خط الدفاع الأول عن الغوطة الشرقية، وانعكس ذلك إيجاباً من خلال سيطرة مقاتلي المعارضة على نقاط عدة داخل الحي.

وتسيطر فصائل المعارضة على أكثر من تسعين في المائة من الحي، فيما تستولي قوات النظام على مبانٍ في المدخل الشرقي للحي لا تتجاوز مساحتها العشرة في المائة منه، ويعتبر جوبر بالنسبة لها الخط الأول للدخول إلى الغوطة الشرقية، ولذا قد تدفع انتصارات المعارضة في عربين وحرستا إلى التطلع نحو العاصمة دمشق.

في السياق نفسه، كانت لمعارك ريف دمشق الأخيرة في عربين وحرستا أهمية شديدة بالنسبة لحي الدخانية، إذ تواردت أنباء عدة عن استعادة قوات النظام لأجزاء كبيرة من الحي، قبل أن تستعيدها كتائب الثوار من جديد. ويشكل خط حرستا عربين عين ترما الدخانية خطاً عمودياً باتجاه الغرب، ولا يفصل بينهما سوى بلدة زملكا التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية أيضاً.

وعلى الرغم من أن النظام يبدو متماسكاً في جبهاته، مع استعادته لمناطق عدة خلال الأشهر الماضية، كان آخرها بلدة المليحة الاستراتيجية، إلا أن المعارضة تدرك جيداً ما تفعل هذه المرة، من خلال فتح جبهات جديدة، مستغلة النقص الحاصل لدى قواته، والميليشيات التي تسانده.

ويؤكد ذلك ما كشفه مسوؤل عسكري في هيئة أركان الجيش العراقي لـ "العربي الجديد"، خلال اجتماع غير رسمي ضم شخصيات أمنية وعسكرية سورية، مع قادة المسؤولين العراقيين في "التحالف الوطني"، وقادة ميليشيات عراقية، فضلاً عن ممثلي مراجع دينية، من "قلق لدى الوفد السوري من ظاهرة الهجرة العكسية لمقاتلي الميليشيات التابعين لجماعات العصائب، أبو الفضل العباس والعقيلة زينب، لأنها أحدثت فراغاً في مناطق سورية عدة من أهمها ريف دمشق".

وفي حال نجح الثوار في تحقيق أهدافهم كاملة، والتي يأتي على رأسها السيطرة على إدارة المركبات، الواقعة بين حرستا وعربين، والتي تضم عدداً من النقاط الهامة عسكرياً، وتمتد على مساحة واسعة، وتستخدم لقصف بلدات الغوطة الشرقية، وفرع الجوية في حرستا، والذي اضطر النظام أخيراً إلى نقل المعتقلين من سجن الفرع إلى موقع أقرب إلى العاصمة دمشق، فإن أحلام المعارضة في الدخول إلى دمشق، ستصبح واقعية خلال الفترة المقبلة.

المساهمون