لم يتبق إلا بندان فقط في حزمة تغييرات جذرية كشف عنها في وقت سابق مقربون من الرئيس السوداني، عمر البشير، نقلوا عنه نيته تنفيذ حزمة إصلاحات شاملة في مؤسسات الدولة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويتعلق البند الأول بالتغييرات الوزارية في الحكومة المركزية، فيما يرتبط البند الثاني بعمليات التبديل في مناصب حكام الولايات السودانية.
وأنجز البشير، بموافقة من المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وذلك خلال ترؤسه اجتماعاً بدأ مساء الأربعاء وانتهى فجر الخميس، تغييرات شاملة في الصفوف القيادية شملت نحو 74 منصباً. وكان البشير أطلق حملة التغييرات في 11 فبراير/شباط الماضي، بإقالة مدير جهاز الأمن والاستخبارات، الفريق محمد عطا، وتعيين الفريق صلاح عبد الله قوش بديلاً عنه، بعد سنوات من إقالته من نفس المنصب. بعدها اتجه البشير لإبعاد الرجل الثاني في الحزب الحاكم ومساعده في رئاسة الجمهورية، إبراهيم محمود حامد، واختار وزير ديوان الحكم الاتحادي، فيصل حسن إبراهيم، بديلاً عنه في المنصبين. ولم يكن الجيش السوداني بمنأى عن التغييرات. فبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، أحال البشير عدداً من الضباط إلى التقاعد، بينهم رئيس هيئة الأركان، الفريق عماد الدين عدوي، ونائبه الفريق يحيى محمد خير، وجاء بالفريق أول كمال عبد المعروف رئيساً لهيئة الأركان.
وسمى حزب المؤتمر الوطني، والي الخرطوم السابق، عبد الرحمن الخضر رئيساً للقطاع السياسي، خلفاً لجمال محمود، ومساعد محمد أحمد، الذي يشغل منصب رئيس اتحاد المصارف في السودان، مسؤولاً عن القطاع الاقتصادي، خلفاً لحسن أحمد طه، وحامد ممتاز لقطاع التنظيم، ومكاوي محمد عوض لقطاع العاملين، وسعاد عبد الرازق للقطاع الفئوي، وعوض جادين للقطاع الإعلامي، ومحمد المختار حسن لقطاع العلاقات الخارجية. أما قطاع الفكر والثقافة فأسند إلى الفاتح عز الدين، بينما أوكل إلى سمية أبو كشوة منصب أمين أمانة الشؤون الدستورية، واعتمد عمر باسان لأمانة الشؤون السياسية، وهشام التيجاني للطلاب، وقمر هباني للمرأة، ومحمد الأمين للشباب، إضافة إلى أسامة عبد الله للأمانة العدلية. واعتمد المكتب القيادي للحزب، في الاجتماع، نقل حامد ممتاز من منصب وزير الدولة في وزارة الخارجية إلى منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي، فيما عين السفير محمد عبد الله إدريس وزير دولة في الخارجية.
لكن مصادر قالت لـ"العربي الجديد"، إن تفويضاً منح للبشير لإكمال بقية التعديلات على التشكيلة الوزارية، وهو أمر من المتوقع حدوثه خلال الأيام المقبلة. ورأى مراقبون أن الضائقة الاقتصادية التي ضربت البلاد، منذ يناير/كانون الثاني الماضي وأدت إلى احتجاجات شعبية، لعبت دوراً جوهرياً في عملية التبديل، بدليل أن قرارات الإبعاد طاولت كامل الطاقم الاقتصادي في الحزب، بما في ذلك رئيس القطاع، حسن أحمد طه، في حين يتوقع أن تعمم بعد ذلك على وزراء الحزب، خصوصاً وزير المالية، عبد الرحمن ضرار، الموسوم بالفشل في إدارة الأزمة، ما اضطر البشير للتدخل بنفسه، من خلال عقد اجتماعات أسبوعية برئاسته، وتضم وزارة المالية والبنك الوطني السوداني وجهاز الأمن الوطني وجهات أخرى للحد من تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي.
وإضافة إلى ذلك، رأى البعض أن الطاقم الاقتصادي فشل في الحد من الفساد، ومحاربة من باتوا يعرفون بـ"القطط السمان"، وهو مصطلح يُعنى به أشخاص يضاربون بالدولار والذهب وسلع استراتيجية، مثل السكر والقمح. ويؤكد ذلك، النشاط الكثيف لصلاح قوش بعد تعيينه، إذ بادر جهاز الأمن لاعتقال واستجواب عدد من رجال الأعمال وتجار العملة المشتبه بإضرارهم بالاقتصاد السوداني. سبب آخر دفع نحو إجراء تغييرات في قيادة الحزب الحاكم، يتعلق بمدى جهوزية الحزب لخوض الانتخابات العامة في العام 2020، إذ برز كثير من التضارب والاضطراب، خصوصاً في ما يتعلق بالمرشح لمنصب رئاسة الجمهورية. وبحسب المتابعات، فإن حزب المؤتمر الوطني الحاكم انقسم إلى تيارين، الأول داعم لإعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة، رغم أن الدستور لا يسمح له بذلك، لإكماله دورتين رئاسيتين في 2010 و2015. لكن أنصار هذا التيار لا يترددون في الدعوة لتعديل الدستور ليتوافق مع رغباتهم. ومن أبرز القيادات التي تناصر هذا التوجه النائب الأول السابق للرئيس، علي عثمان محمد طه، الذي يترأس لجنة حزبية، لبحث إمكانية تعديل حتى لائحة الحزب التي تمنع أيضاً اختيار رئيس للحزب أكمل دورتين. أما التيار الثاني، الذي يقف على رأسه المساعد السابق للرئيس، نافع علي نافع، والقيادي أمين حسن عمر، فلا يتردد في المناداة بتجديد القيادة الحزبية وقيادة الدولة، مطالبا باحترام وثيقة الدستور وعدم المساس بها من أجل شخص واحد.
ومن الملاحظ أن كل التبديلات التي تمت، سواء على مستوى الحزب أو أجهزة الدولة، أتت بمن هم أكثر دعماً لمبدأ ترشيح البشير لولاية رئاسية جديدة، وأبعدت من هم على الضفة الأخرى. لكن أمين التعبئة السياسية في حزب المؤتمر الوطني، عمار باشري، ينفي تماماً أن تكون التغييرات جاءت على أساس البعد أو القرب من موضوع إعادة ترشيح البشير لولاية جديدة. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "موضوع إعادة ترشيح البشير أمر محسوم ولا خلاف حوله حتى تُجرى له التغييرات"، مشيراً إلى أن "ما حدث من إحلال وإبدال أمر طبيعي في ظل تغييرات هيكلية ضمن سلسلة من العمليات التجديدية داخل أجهزة الحزب والدولة، وأن الغرض الأساسي منها هو تجديد الدماء وبث روح جديدة في تلك الأجهزة والهياكل المختلفة لتحقيق جملة من الأهداف ومواجهة تحديات المرحلة الراهنة، وفق ما أعلنه البشير". وأقر باشري أن "من أهداف التغيير الاستعداد للانتخابات المقبلة، عبر تقديم مبادرات ومشاريع تعمل على خلق واقع جديد يوحد الصف ويلم الشمل، وله القدرة على التواصل مع الأحزاب الوطنية المشاركة في الحكومة أو المعارضة". وأضاف أن "الذين وقع عليهم الاختيار معروفون بتجاربهم التنظيمية، وشغلوا مواقع مختلفة، فضلاً عن أن التغيير جاء شاملاً وعميقاً، إذ إن هناك مشاركة لجيل الشباب". وأشار باشري إلى أن "باب التغييرات في التشكيلة الوزارية مفتوح على كافة الاحتمالات"، مؤكداً أن "كل شيء رهن بتقديرات القيادة السياسية".
من جهة ثانية، فقد برز، بحسب متابعات "العربي الجديد"، اتجاه لدى صناع القرار في الحزب الحاكم والدولة بمطالبة الأحزاب المشاركة في الحكومة بالاقتداء بحزب المؤتمر الوطني، وتغيير ممثليها من الوزراء، على اعتبار أن بعضهم مكث أكثر من 15 سنة في الوزارة، مثل وزير الإعلام، أحمد بلال عثمان الذي يشارك باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي، ووزير العمل، أحمد بابكر، الذي يشارك باسم حزب الأمة الفيدرالي، ووزير تنمية الموارد البشرية، الصادق الهادي المهدي عن حزب الأمة ــ القيادة الجماعية. واعتبر الصحافي أسامة عبد الماجد أنه يجب على الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة تغيير وجوهها الوزارية، خصوصاً أن طول أمد بقائها وتقلبها في المناصب الوزارية أثر في الأداء الحكومي، رغم التغييرات التي يجريها المؤتمر الوطني من حين إلى آخر في صفوف وزرائه، مبيناً أن هناك وزيرا حاليا بقي في التشكيلة الحكومية منذ ثمانينيات القرن الماضي.