تغييرات "غير بريئة" في وزارة الداخلية العراقية

02 نوفمبر 2015
الحملة على المديرية بدأها المالكي (أحمد سعد/فرانس برس)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" أن تغييرات جوهرية تجري داخل إحدى أهم الدوائر الأمنية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، والتي كان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قد بدأها خلال رئاسته الحكومة، فيما يبدو أن لإيران دوراً كبيراً فيها.

وكشف ضابط رفيع المستوى في مكتب وزير الداخلية العراقي محمد ثامر الغبان، لـ"العربي الجديد"، عن أن المالكي شنّ خلال رئاسته للحكومة، حملة تصفية واسعة لضباط مهنيين كانت القوات الأميركية قد وضعتهم في مناصبهم إبان احتلالها للعراق، سبقتها حملة إعلامية من خلال وسائل إعلام تابعة أو مقرّبة منه للنيل من كبار الضباط غير المنتمين لحزب "الدعوة" أو غير المتحزبين، وأدت هذه الحملة إلى إقالة العشرات منهم واغتيال عدد قليل وفرار آخرين خارج العراق.

وأوضح الضابط أن أكبر تلك الحملات جرت في مديرية شؤون الداخلية والأمن، أكثر الدوائر حساسية في وزارة الداخلية، وأدت إلى الإطاحة بمديرها اللواء أحمد أبو رغيف، وعدد من الضباط بعد نجاحهم بالكشف عن عدد من الأعمال الإرهابية وتورط المليشيات بها، فضلاً عن عرض صور لأسلحة ومتفجرات إيرانية حديثة بحوزة مليشيا "بدر".

وقال الضابط إن اللواء أبو رغيف، المتخرج من كلية الشرطة العراقية وصاحب الخبرة والكفاءة في مجاله، تمت الإطاحة به وعدد من الضباط الأكفاء في العام 2012، لافتاً إلى أن أبو رغيف "اعتمد خلال فترة عمله على ضباط من كافة المكونات العراقية، ولم يكن طائفياً أو متحزباً".

وأشار إلى أنه في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، دخل إلى مقر الوزارة ضابط برتبة لواء يُلقّب بـ"أبو خميني" واسمه عبدالرزاق، بمعية عناصر من مليشيا "بدر" وكان يحمل أمراً بتعيينه مديراً للمديرية، بديلاً عن اللواء جواد كاظم الذي أعلن عن انفكاكه منتصف سبتمبر/أيلول من منصبه وهو الذي استلم المنصب بديلاً عن حسن كوكز، والأخير كان بديلاً عن أبو رغيف.

وأشار المصدر إلى أن "أبو خميني"، "العراقي الجنسية الإيراني النشأة، يتكلم العربية الفصحى ولا يجيد العامية العراقية، وهو متمرس في عمله الاستخباري نظراً لعمله في إيران وتدريبه هناك، وبدت عليه ملامح الغضب من سير العمل في المديرية، ومارس صلاحياته كمدير عام".

وكانت الحكومة العراقية في عهد المالكي، أصدرت قراراً يقضي بدمج عناصر من المليشيات كانوا لاجئين في إيران لمعارضتهم نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حينذاك، بوزارتي الداخلية والدفاع، وإعطائهم رتباً بحسب ما يتناسب وأعمارهم، من دون تدريب أو خبرة عسكرية، وتسلّم الكثير منهم مناصب قيادية وإدارية في الوزارتين، ووفق هذا أُطلق عليهم "الضباط الدمج".

اقرأ أيضاً: معصوم يفشل في مصالحة العبادي والمالكي

أحد الضباط الذين تم نقلهم من المديرية، كشف لـ"العربي الجديد"، أن "أبو خميني" قام باستدعاء ضباط المديرية عند استلامه المنصب، "واستجوبهم في ما بدا كتحقيق، وكانت أسئلته تُعبّر عن بعد طائفي". وأوضح الضابط أن الأسئلة التي طرحها "أبو خميني" لكل واحد منهم كانت: "أين تسكن؟ من أي مدينة؟ ما اسم عشيرتك؟ هل انت سنّي أم شيعي"، مبيناً أنه "تم نقل جميع الضباط السنّة، كما صدر أخيراً أمر بنقل 62 ضابطاً يحملون رتب عقيد وعميد، وهؤلاء آخر من كان قد تبقى من الأكفاء في المديرية".

وأشار إلى أن "أبو خميني" عيَّن ضباطاً من مليشيا بدر، بدلاً عن الضباط الذين تم نقلهم، مستطرداً بالقول إنه "فكك بعض الأقسام وحوّلها إلى شُعب صغيرة، لتفكيك المديرية وإضعاف مهامها والقضاء على قوتها، التي كانت مصدر قلق حقيقي لإيران".

وأضاف الضابط نفسه: "كل ما حصل كان أبو رغيف يتوقّع وقوعه، فخلال إحدى اجتماعاته بقيادات المديرية، قال إن المديرية تتعرض لتآمر إقليمي، من دون أن يحدد الجهة، لكنه كان واضحاً أن إيران هي المعنية بهذا". ولفت إلى ان "أبو خميني جاء بأوامر تقضي بتحويل المديرية إلى جهاز قمعي، ويساعد إيران في نشاطاتها داخل العراق".

واتهم الضابط كذلك وزير الداخلية الحالي محمد الغبان، بالعمل على إقصاء الضباط الأكفاء من المديرية، وتهيئة الظروف لدخول "أبو خميني" وأتباعه إليها، لافتاً إلى أن "حسن الغبان شقيق الوزير الحالي، كان موقوفاً في الوحدة التحقيقية التابعة للمديرية حين كان أبو رغيف مديرها، بسبب ضلوعه بعمليات تزوير ونصب واحتيال، وكان يحمل رتبة عريف بالشرطة، فيما بات يشغل الآن منصب الخبير الأمني لوزير الداخلية".

وفيما رفض العديد من السياسيين التعليق على هذه القضية لـ"العربي الجديد"، نفى النائب عن كتلة "بدر" رزاق الحيدري، الاتهامات الموجّهة لوزير الداخلية المنتمي لـ"بدر" بالعمل على إفراغ الوزارة من الكفاءات، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن الغبان "وضع خطة طموحة للنهوض بالوزارة"، مشيراً إلى أن الوزارة "كانت تعاني من الترهل بوجود عدد أكبر من المطلوب من الضباط والمنتسبين"، وفق قوله.

وأكد أن "التغييرات التي أجراها الوزير هي ضمن خطة متكاملة"، لافتاً إلى أن "بعض الضباط بلغوا السن القانوني للتقاعد وآخرين فائضون عن الحاجة"، مؤكداً أن "الخروقات الأمنية التي كانت تقع سببها الترهل". ونفى الحيدري التأكيدات التي أطلقها ضباط من الداخلية وناشطون بأن الوزير الغبان يعمل لصالح كتلة "بدر"، موضحاً أنه طلب في مرات عديدة من الغبان "إسناد المنصب المعين لضابط من كتلة بدر لكنه كان يرفض بشكل مطلق، حين يرى أن مؤهلات من رشّحته لا تتناسب والموقع المراد تعيينه فيه، وقال في مرات عديدة إنه وزير داخلية للعراق وليس لكتلة بدر".

مختصون بالشأن العراقي لفتوا في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن التدخّل الإيراني في الشأنين الأمني والسياسي لا يحتاج إلى دليل لإثباته، معتبرين أن الدلائل على أرض الواقع هي من تتحدث عنه، وهو ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي محمد صادق أمين، الذي استدل على ذلك بأن أبرز الشخصيات التي تسلّمت الحكم في العراق كانت تقيم في إيران.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "جميع من كانوا يقيمون في إيران يؤمنون عقائدياً بالثورة الإيرانية والهادفة إلى الانتشار خصوصاً في المحيط الإقليمي"، لافتاً إلى أن "كل القرائن تؤكد أن المعارضين اللاجئين يكونون على ارتباط وثيق باستخبارات البلد الذي يلجأون فيه وهو ما يُستغل في النهاية للعمل لصالح ذلك البلد".

وخلص أمين إلى أن "إيران لم تعد خائفة ولا تشعر بالحياء من الإعلان صراحة عن تدخّلها العسكري والسياسي في الشأن العراقي، فكل التصريحات تدل على هذا المعنى وتؤكد عليه، حتى باتت طهران محجّاً للساسة العراقيين الذين يبحثون عن منافع ومناصب".

اقرأ أيضاً: "جيش المختار" العراقي يتبنى استهداف معسكر لمعارضين إيرانيين