تغليظ عقوبة زواج قاصرات مصر

31 أكتوبر 2018
الفقر يساعد على تفشّي زواج الفتيات (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تتّجه الحكومة المصرية إلى تغليظ العقوبات المرتبطة بزواج القاصرات، دون 18 عاماً، في البلاد، فيُعاقَب كلّ متورّط بالسجن لمدّة عشرة أعوام بدلاً من سبعة مع غرامة مالية بقيمة 100 ألف جنيه مصري (نحو خمسة آلاف و500 دولار أميركي). والمتورّط هو كلّ من اشترك في "الجريمة"، سواء أكان المأذون أو أحد أقارب الضحية أو أقارب الزوج وكذلك أئمة المساجد الذين يقومون بتزويج الفتيات القاصرات.

وقد طلب وزير العدل في الحكومة المصرية، المستشار حسام عبد الرحيم، من قطاع التشريع مراجعة مشروع قانون يغلّظ عقوبة الزواج المبكّر الذي يُعَدّ بهدف عرضه على مجلس الوزراء وإرساله إلى البرلمان للموافقة عليه. والقانون الجديد يتطرّق كذلك إلى المشكلات الناجمة عن زواج القاصرات في قضايا إثبات النسب بالنسبة إلى اللواتي يحملنَ في أثناء الزواج غير القانوني، ويلحظ ضمان حقوق المرأة الضحية في التأهيل النفسي والاجتماعي.




في هذا السياق، طالبت عضو مجلس النواب مارغريت عازر، وهي وكيلة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، بضرورة تغيير ثقافة المجتمع تجاه "زواج القاصرات" الذي يمثّل خطراً يتهدد المجتمع المصري، وينتشر في القرى والأرياف. وشدّدت على أنّ القوانين موجودة، لكن ثمّة تحايلاً كبيراً على القانون من قبل الجميع، وحثّت على ضرورة تضافر جهود كل مؤسسات الدولة من أجل التوعية حول ذلك الخطر.

تعيد منظمات نسائية عدّة انتشار زواج القاصرات في البلاد إلى الفقر والجهل بالإضافة إلى الخوف من العنوسة. ويشير المركز المصري لقضايا المرأة في هذا الإطار، إلى "إيصالات الأمانة" التي تُعَدّ حيلة الأهالي في القرى والأرياف لزواج الفتيات القاصرات، والتي تنتهي عادة بفشلها بمشكلات اجتماعية وقانونية، إذ إنّ الزوج يقدّم إيصال أمانة موقّعاً على بياض بنسختَين، واحدة يحتفظ بها والد العروس والثانية تُحفَظ لدى المأذون الذي يزوّج العروسَين من دون وثيقة رسمية. فيكون إيصال الأمانة بذلك بديلاً عن "قسيمة الزواج" ويتمّ بموجبه الزواج الكامل حتى تبلغ الفتاة السنّ القانونية للزواج. فتعود حينها مع زوجها إلى المأذون مرّة أخرى، ليعقد قرانهما رسمياً ويستردّ العريس إيصالَي الأمانة.

من جهتها، تكشف رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، الدكتورة نهاد أبو القمصان، عن "120 ألف حالة زواج قاصرات سنوياً، معظمها من رجال كبار في السنّ"، وتضيف "سرعان ما تعود الضحية وهي تجرّ أذيال الخيبة والحسرة، إنّما بعد فوات الأوان، حينما تحمل بين ذراعَيها أو في أحشائها جنيناً". وتؤكد أبو القمصان أنّ "زواج القاصرات شبيه بالاتجار بهنّ وبيعهنّ لمن يدفع أكثر، خصوصاً من عرب دول الخليج"، لافتة إلى أنّ "مصر تحولت إلى محطة ترانزيت للاتجار بالفتيات أو زواج القاصرات أو ما يسمى بالزواج السياحي". وتوضح أنّ "القوانين التي تضعها الحكومة صارت غير كافية، كذلك فإنّ طرق التحايل كثيرة ومنها الزواج العرفي". وتتحدّث أبو القمصان عن "الشرائع السماوية التي أوْلت كلها العناية بتنظيم العلاقة الزوجية بما يصون قدسيتها ويحفظ بقاءها"، مشيرة إلى أنّ "الفقر ساعد كثيراً على تفشّي الأمر في محافظات مصر". وتطالب بـ"ضرورة تطبيق القانون، ورفض التعامل مع الشيكات وإيصالات الأمانة كمحاولة للهروب من عقوبة سنّ الزواج، وتغليظ العقوبة في حال اكتشاف تلك الجريمة على جميع من شارك فيها".

في السياق نفسه، تقول المحامية سوسن نصير المهتمة بشؤون المرأة، إنّ "زواج القاصرات جريمة مكتملة الأركان. وعلى الرغم من أنّ القانون موجود، فإنّ كثيرين لا يعملون به لتتفاقم الأزمة. وما يحدث في الزواج بإيصال الأمانة هو تزوير في ميزان الشريعة، والجريمة يرتكبها المأذون ثمّ والد العروس أو وليّ أمرها ومن بعدهما يأتي العريس أو طالب الزواج، لتكتمل المافيا التي يجمع حلقاتها من يؤدّي دور السمسار. فالغالبية العظمى تتعامل مع الفتاة كأنّها مصيبة سوف تجلب المشكلات والعار. وبمجرّد بلوغها الثانية عشرة، يبدأ التفكير في زواجها".




وتوضح نصير أنّ "ثمّة آلاف الأطفال مجهولي النسب نتيجة تلك الزيجات، في حين تُقدَّم عشرات البلاغات يومياً أمام محكمة الأسرة لإثبات أنّ الطفل الموجود هو من زواج بورقة لا يعترف بها الزوج. ويكون ذلك الطفل ضحية بلا شهادة ميلاد توثّق نسبه". وتتابع أنّ "زواج القاصرات يمثّل علاقة غير متوائمة بين طفلة صغيرة ورجل يكبرها بعشرات السنين، الأمر الذي يؤدّي إلى القضاء على المفهوم الأساسي للزواج الذي يقوم على المودة والرحمة، بل إنّ ذلك يتنافى مع الكرامة الإنسانية خصوصاً للفتيات. فهدفه في الأساس هو الربح".
دلالات
المساهمون