بعد أكثر من 14 عاما على اعتقاله، وإدانته بالمسؤولية عن التخطيط لعملية فدائية أوقعت ثلاثة قتلى ونحو 50 جريحا عام 2004، أصدرت محكمة إسرائيلية قرارا بتغريم الأسير الفلسطيني باسم خندقجي من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية بمبلغ 42 مليون شيقل، أي ما يعادل نحو 11 مليونا و600 ألف دولار، كتعويض لعائلات القتلى والمصابين في تلك العملية.
عائلة الأسير خندقجي الذي يقضي محكوميته البالغة ثلاثة أحكام بالمؤبد، علمت منه بالقرار أمس الإثنين، عقب زيارة أخيه يوسف له في سجنه، إذ أبلغه أن محكمة عسكرية عُقدت له أواخر إبريل/نيسان الماضي- لم يحضرها- وتم إبلاغه غيابيا بالقرار، على أن تنعقد الشهر الجاري بحضوره للأمر ذاته.
يقول خالد خندقجي عمّ الأسير باسم لـ"العربي الجديد": "نحن لا نعترف أصلا بالقضاء الإسرائيلي ولا نقر بشرعيته ولا بقراراته الظالمة، باسم قام بواجبه كفلسطيني يرزح تحت الاحتلال، هذه مقاومة مشروعة بكل القوانين الدولية". مشيرا إلى أن الأسير باسم أجاب على سؤال شقيقه خلال الزيارة عما سيفعله ردا على القرار بقوله "يحبسوني"، في إشارة إلى عدم اكتراثه بهذا القرار.
وتفخر عائلة خندقجي بنجلها باسم غير آبهة بتبعات قرار التعويض الضخم، إذ يستهزئ عمه قائلا: "لو قسمنا المبلغ على أفراد العائلة فإن كل واحد فينا يلزمه دفع أكثر من مليونين"، لكنه استدرك: "ليفعلوا ما يريدون، نحن لا نقبل بقراراتهم ولا نخشى الاحتلال".
ونفى خندقجي تواصل أية جهة رسمية في السلطة الفلسطينية تُعنى بقضية الأسرى معهم سابقا، ولا حتى بعد القرار الأخير، لكنه حذر من مثل هذه القرارات التي تثقل كاهل الأسير وتزيد من معاناته ومعاناة أسرته. داعيا إلى ضرورة التحرك القانوني العاجل لوضع حد لها.
الأسير الأديب
ورغم ظروف الاعتقال والتحقيق والضغوطات التي تمارسها إدارة السجون الإسرائيلية بحقه- أسوة ببقية الأسرى- إلا أن الأسير خندقجي عمل على تطوير قدراته ومعارفه وإنتاجه الثقافي وإبداعه الأدبي، فصدرت له عدة مؤلفات من داخل السجن، من أبرزها: (مسودات عاشق وطن) و(وهكذا تحتضر الإنسانية) و(شبق الورد إكليل العدم) وديوان شعر بعنوان (طرق على جدران المكان) وديوان (طقوس المرة الأولى) وديوان (أنفاس قصيدة ليلية) ورواية (مسك الكفاية) التي صدرت أخيرا عن الدار العربية للعلوم "ناشرون" في بيروت.
قضايا مشابهة
ويزخر تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة بقرارات مشابهة، إذ يتم تغريم الأسير مبالغ مالية ضخمة كتعويض لعائلات القتلى أو المصابين الإسرائيليين، إذ أشار نادي الأسير الفلسطيني، في بيان سابق له، إلى أن هناك أكثر من 50 دعوى قضائية قدمها إسرائيليون إلى المحاكم يطلبون فيها الحصول على تعويضات من السلطة الفلسطينية ورجال المقاومة الموجودين حاليا داخل المعتقلات، بسبب "الخسائر والأضرار التي لحقت بهم من جراء عمليات المقاومة". مشيرا إلى أن "هذه السياسة تسعى لإبقاء عائلات الأسرى في خوف مما قد ينجم عن ذلك، نظرا لارتفاع قيمة التعويضات، وابتزازهم بصورة مقيتة".
ومن الأمثلة على ذلك، ما جرى خلال محاكمة الأسير عمر العبد (22 عاماً) من بلدة كوبر شمال غربي رام الله وسط الضفة الغربية، فقد صدرت عليه أربعة أحكام بالسجن المؤبد، بعد إدانته بتنفيذ عملية مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي شمال غربي رام الله، عام 2017، والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وجرح رابع، إذ شمل القرار دفع تعويضات لعائلات القتلى بقيمة مليون وثماني مائة ألف شيقل بالعملة الإسرائيلية (نحو 500 ألف دولار أميركي).
وحتى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير أحمد سعدات، رُفعت بحقه دعوى تعويض قضائية من أهالي قتلى عمليات لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذراع العسكرية للجبهة إبان انتفاضة الأقصى، بلغت قيمتها نحو 60 مليون شيقل (16.729 مليون دولار أميركي).
وفي يونيو/حزيران 2009، سلمت المحكمة الإسرائيلية في القدس المحتلة، عددا من الأسرى والسلطة الفلسطينية دعوى قضائية لدفع 64 مليون شيقل (17.845 مليون دولار أميركي) لذوي جنديين إسرائيليين قتلا عام 2001 أثناء دخولهما مدينة رام الله على يد مجموعة من المواطنين الغاضبين أثناء تشييع مواطن استشهد من جراء اعتداء مستوطنين عليه.
سرقة باسم القانون
من جهته، يؤكد مدير مكتب هيئة شؤون الأسرى في نابلس، سامر سمارو، في حديث مع "العربي الجديد" أن المحاكم العسكرية الإسرائيلية صعدت في السنوات الأخيرة من فرض الغرامات المالية الباهظة على الأسرى، وسرقت ونهبت منهم باسم "القانون" وفي إطار سياسة مبرمجة ومتعمدة ملايين الشيقلات (عملة إسرائيلية)، الأمر الذي شكّل عبئاً اقتصادياً كبيراً على ذوي الأسرى، ودفع بعض العائلات إلى ترك أبنائها في السجون لعدم مقدرتها على دفع الغرامات العالية.
وأوضح سمارو أن هذه الغرامات أضحت جزءاً أساسياً من عمل المحاكم الإسرائيلية، إذ لا يكاد يخلو حكم ضد أسير فلسطيني من غرامة مالية، خصوصاً الأطفال الذين تضطر عائلاتهم لدفعها خوفاً على مستقبلهم، ودائماً تكون الغرامات مرتفعة، كما أنها واجبة الدفع خلال فترة معينة، وإلا تحولت إلى مدة إضافية من السجن الفعلي.
ووفق سمارو، فإنه يوجد قرار فلسطيني منذ نحو 6 سنوات (بدأ تطبيقه في يونيو/ حزيران 2013) بعدم دفع أي غرامات تفرضها محاكم الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين، كون المبلغ المالي سيذهب لجيش الاحتلال وسجونه وبنيانه. لكنه أشار إلى أن الأمر تطور إلى إصدار المحاكم الإسرائيلية قرارات بمبالغ خيالية تصل إلى الملايين يدفعها الأسير أو عائلته لعائلات القتلى الإسرائيليين.
وعقب سمارو قائلا: "هذه القرارات تترك- لا شك- أثرا وضغطا نفسيا إضافيا على الأسرى وذويهم، لكنها لا تلبث أن تزول سريعا بعد حالة الرفض الصلبة التي يتعامل بها الأسرى معها، فلا أذكر أن أسيرا واحدا دفع تعويضات لعائلات القتلى الإسرائيليين".