يشكل نموذج عيش بعض المهاجرين في شمال أوروبا، على قلتهم، مثار سجال يستهدف فئة تعيش وفق نظام تقاليد ينظر إلى الزوجة نظرة تتعارض وأنظمة وثقافات بلاد المهجر. من بين هؤلاء، عرب يعنّفون زوجاتهم
يستغل اليمين المتشدد في شمال أوروبا، قضايا بعض المهاجرين الذين يعاملون المرأة بطريقة لا تراعي قوانين البلدان المضيفة، بالرغم من المساعي المجتمعية والدينية لمعالجة هذه الحالات. في المقابل، لا يطلع بعض ممارسي العنف المنزلي ومستغلي النساء في المهاجر الجديدة، على كيفية استغلال اليمين لممارساتهم مع كثافة تغطيتها في وسائل الإعلام المحلية، ما يجعلها بعيدة عن التأثير داخل المجتمعات المهاجرة العربية والمسلمة نفسها، لكنّها منتشرة خارجها.
في محاولة "العربي الجديد" تسليط الضوء على هذه القضية، قبلت بعض النسوة العربيات التحدث شريطة عدم الكشف عن أسمائهنّ الكاملة، فيما أخريات يعشن صدمة لم تمكّنهن من المشاركة، وإن أكدن أنّ "الحياة لا تطاق".
تذكر "ن" أنّها عاشت بعد سنوات من حضورها من المغرب حالة "استعباد، وهي كلمة لا تكفي لوصف أربع سنوات من الزواج في الدنمارك، فالتعنيف النفسي ملازم للجسدي، ولا يقتصر على الزوج بل يمتد إلى محيطه الأسري أيضاً". تضيف: "كانت لي صديقة تزوجت في الدنمارك وتسير أمورها بشكل ممتاز، وظننت أنّ الأمر عينه سيسري عليّ". تجد "ن" نفسها اليوم في أحد مراكز الأزمات، المختص بالمعنّفات، وعنوانها سرّي بمساعدة السلطات. وتشرح بعض تفاصيل قصتها بعد أربع سنوات في البلاد التي رزقت فيها بطفلة، فقد اكتشفت أنّ زوجها العربي "المطلّق" يعيش حالة "تعدد زوجات" بالرغم من أنّه أحضر أوراقاً رسمية لإثبات الحالة الاجتماعية، وهي أوراق تطلبها السلطات المغربية، مترجمة ومصدقة، لتسمح بزواج مغربية من عربي مقيم في أوروبا.
قصة "ن" تشبه قصص أخريات في السويد والنرويج ممن "أُحضرن" إلى هذه البلاد من أزواج في الأغلب منفصلين عن الزوجات "السابقات" لكنّهن وقعن ضحية لتلك الخديعة. القانون الاسكندينافي في الدول الثلاث؛ الدنمارك والسويد والنرويج، يمنع تعدد الزوجات، وبالرغم من ذلك، تكشف السلطات بين فترة وأخرى عن قضايا مثيرة للجدال. فبعض مهاجري السنوات الأخيرة جمع بين زوجتين، فيحضر إلى البلاد مع واحدة، مثلاً، ثم تحضر الزوجة الثانية مع الأطفال على أنّها بلا زوج، وتدّعي أنّ الزوج هو شقيق الزوج "المفقود" على ما كشفت تقارير صحافية محلية مختلفة.
هذا لم يحدث لـ"ن" ومن هنّ في وضعها. فهنّ يحضرن على أساس قوانين "لمّ الشمل"، وحين يكتشفن "الخديعة" بعد أشهر من الوصول "يبدأ عذاب نفسي وتعنيف لأبقى صامتة... فحين حملت وبدأت ألاحظ أنّ الحقيقة مغايرة، بدأ التهديد، من الزوج وأقاربه، بمن فيهم أمه، بإرجاعي إلى بلدي إذا لم أقبل الواقع المرير، وذلك من خلال الانفصال، وإبلاغ السلطات أنّي لم أعد أقيم قانونياً في البلاد" بحسب "ن".
لسنوات، كافحت أحزاب ومنظمات نسوية دنماركية، لتغيير القانون الذي ينزع من الأزواج "إمكانية رمي الزوجات" أي إعادتهن إلى الأوطان الأصلية. التعديل الذي فرض برلمانياً قبل بضعة أعوام يسمح بدراسة كلّ حالة على حدة، لوقف الظلم بحق سيدات تعرضن للعنف، ومنع الأزواج من إعادتهن إلى بلادهن.
ثلاثة أعوام ستمرّ على زواجها ومجيئها إلى الدنمارك، قبل أن تشجع "ن" نفسها، بمساعدة صديقة من لبنان، على اتخاذ قرارها بالتوجه إلى السلطات. في أحد مراكز النساء المعنّفات جرى توثيق آثار الضرب والتعذيب النفسي. وتضيف: "ثلاث سنوات عذاب كان الأصعب فيها أن ترى من يفترض أنّها بمثابة والدتك (حماتها) وأسرته (الزوج السابق) يساعدونه في تعذيبي وكأنّي جارية، فلا أحد منهم ساعدني أثناء الولادة حتى. أصبت باكتئاب وحالة نفسية صعبة، وكنت حبيسة مع الرضيع في غرفة يشكل المطبخ جزءاً منها، مع حمام صغير. وكانت حماتي تأتي كناظرة مدرسة أو مفتشة سجن، تفتش على النظافة وتوبخني وتعنفني لفظياً بدلاً من مساعدتي وأنا في هذه الحالة، ولم تكن حالة شقيقة زوجي أفضل، فقد عانت هي نفسها من عنف حياة زوجية، لكنّي كنت أشعر كأنّها تنتقم مني".
في الجارة السويد، لم يختلف الأمر في حالة "س" التي جاءت من العراق إلى جنوب السويد ملتحقة بزوج يكبرها بـ10 سنوات. تروي عن صدمة تعرضت لها: "حين طلبني للزواج كان يظهر الرقة ويلاطفني أمام أهلي، وانتظرنا أشهراً للانتهاء من المعاملة الرسمية، لكن ما إن وصلت، ولم يمرّ أسبوع تحت سقف واحد، وكنت راضية بوضع السكن وإن كان سيئاً، تبين أنّ زوجي، الذي رسم لي لوحة وردية عن الحياة معه في السويد، مريض نفسي يتلقى علاجاً ولا يعمل ويتعاطى الحشيش (القنب الهندي)".
تضيف "س": "صبرت، لكنّي صممت على عمل ما يفيدني، فتعلمت اللغة بسرعة، فبدأت غيرته تشتدّ حين رأى أنّي أمضي في طريقي، والكحول والحشيش صارا من يوميات حفلات العنف النفسي، وحين كنت أرفض العلاقة الجنسية معه كان يمارس العنف الجسدي معي". كانت "س" محظوظة حين ساعدها رجل دين مسلم على الوقوف بوجه هذا الزوج المعنّف: "وصلت الأمور إلى حدّ أنّه بات يسطو على راتبي البسيط الذي أحصّله من عملي بضعة أيام في مخبز، ولم أعد أحتمل تلك الحياة والتهديد المستمر بإرجاعي إلى العراق". تقدمت "س" بطلب لجوء إنساني بمساعدة مدافعين عن حق المرأة المعنفة بالبقاء في البلاد، وذلك بعد انفصالها عن الزوج، ثم طلبت الطلاق منه.
ومثلما أثار العنف الأسري في الدنمارك والسويد سجالات مجتمعية وسياسية وإعلامية، فإنّ للنرويج نصيبها من هذا العنف الذي يجري في البيئات المهاجرة، إذ تلجأ كثيرات من النساء من أصول غير غربية إلى مراكز حماية من العنف الزوجي والأسري. ومن أبرز حوادث النرويج في هذا السياق قضية سيدة مسلمة وجدت نفسها متزوجة من مقيم مع كامل أسرته في النرويج، إذ شهدت المحاكم النرويجية القضية الأولى في تاريخها بشكوى الزوجة (28 عاماً) ضدّ حماتها (50 عاماً) وزوجها ووالد زوجها بممارسة التعذيب النفسي والبدني ضدها. وأفردت صحيفة "أفتون بوستن" يوم 31 يوليو/ تموز الماضي مساحة لقضية العنف الذي مورس بحق هذه السيدة التي جيء بها من باكستان كزوجة، فيما وجدت نفسها خادمة لدى الأسرة، وفرض عنف نفسي لسنوات عليها مع "ركوع أمام الحماة للاعتذار". السيدة التي أطلق عليها اسم "إكس" في المحاكم النرويجية وجدت دعماً من مسؤولة منظمة "ديا براكسيس" النسوية، إيمان وسيم، التي وثقت عمليات الإكراه والسيطرة والعزل التي تعرضت لها الزوجة "بالإضافة إلى اللكمات والركلات والسحب من شعرها على الأرض والتهديد بالقتل وتقطيع الأوصال".
المحكمة النرويجية حكمت على حماتها بالسجن 45 يوماً مع وقف التنفيذ لمدة عامين. وترى إيمان وسيم أنّ "عمليات العنف التي تمارس في الأسر من خلفيات مهاجرة لا يجري عادة التحقيق فيها حول دور أمهات وآباء وأسرة الأزواج في ذلك العنف، وهذه سابقة تفتح العيون على ما يجري خلف الجدران" وفقاً لما نقلت عنها "أفتون بوستن".
وصحيح أنّ الحالات التي تحدثت إليها "العربي الجديد" تخص نسوة حضرن بمحض إرادتهن إلى دول الشمال، من خلال نظام "لمّ الشمل"، لكن في المقابل، هناك حالات تعاني من "سيطرة اجتماعية" (كما يطلق عليها في اسكندينافيا) بالتزويج القسري لشابات وشباب ولدوا وكبروا في هذه الدول. وقبل نحو ثلاثة أعوام أتاحت السلطات السويدية للشابات المسافرات مع الأهل إلى الأوطان الأصلية وضع قطعة معدنية تحت ثيابهن لتنبيه سلطات المطارات السويدية أنّهن بصدد التسفير لإجبارهن على الزواج من شخص لا يعرفنه.
وفي الدنمارك، انتهجت حكومتا يمين ويسار الوسط المتعاقبتان على الحكم خلال الأعوام الخمسة الماضية سياسات مجتمعية وقانونية تتشدد حيال زيجات القاصرات ومنع "السيطرة الاجتماعية" التي تعني إجبار الشابات على العيش في ظروف قهرية تتنافى ورغباتهن في الحياة. وبالرغم من تدخل بعض رجال الدين المسلمين لشرح كثير من اللبس الذي يخلط العادات بالدين، تستمر مثل هذه الحالات بالوصول إلى الصحافة التي تبرز القضايا الحساسة في البيئات المهاجرة، إن كان لمسألة العنف أو الإجبار على الارتباط أو "السيطرة الاجتماعية" من قبل بعض الأسر على أبنائهم من الشبان والشابات.
أحدث القضايا التي شهدتها السويد جريم قتل ارتكبها رجل وابنه (15 عاماً) راح ضحيتها شاب في العشرين من عمره، كان يفترض أن يتزوج يوم 27 يوليو/ تموز الماضي. الجريمة التي هزت السويد جاءت بناء على ظنون الرجل أنّ زوجته الأربعينية (والدة الفتى) كانت على علاقة مع الشاب القتيل، إذ عمل الاثنان في مركز رعاية مسنين. الموظفون السويديون أفادوا في شهادات نشرتها الصحف المحلية أنّ الزوج (47 عاماً) كان يحضر بشكل يومي إلى مركز العمل ويراقب زوجته إلى أن جرى طرده وحظر دخوله إلى مكان العمل، فيما الشاب العشريني (أفغاني الأصل) وبقية الموظفين كانوا "يتعاطفون فقط مع السيدة التي ظهرت عليها آثار عنف جسدي". وحين انتقلت مع صغارها إلى مركز معنفات، بعنوان سري، أقدم زوجها وابنها الذي بقي مع أبيه، على قتل العشريني في حافلة ركاب طعناً بسكين.