تعليم مصر: قطار "الجودة" لا يعرف الفقراء

02 فبراير 2017
يعاني الشباب الإحباط لتلقيهم تعليماً لا يؤهلهم لفرصة عمل(Getty)
+ الخط -
يشغل سؤال "جودة التعليم" الغائب بال معظم أسر الطبقة المتوسطة في مصر، وخاصة بعد التردي الذي وصل إليه التعليم الحكومي في مصر والذي أثر بدوره على فرص التوظيف وبالتالي تحسين مستوى المعيشة وجودة نمط الحياة، ما دفع الكثير من الأسر للحاق بقطار التعليم الخاص والدولي والهروب من نظام التعليم الحكومي الذي لا تتوافر فيه شروط الجودة بحدها الأدنى. 

يشير تقرير "التعليم العالي في مصر: هل تؤدي المجانية إلى تكافؤ الفرص؟"، الذي أصدره المجلس الدولي للسكان Population Council بالتعاون مع Ford Foundation، إلى أن "هناك مخاوف تتعلق بتقلص العدالة في فرص الالتحاق بالتعليم العالي في مصر بالرغم من استمرار مجانية التعليم والتوسع الكمي في التعليم العالي الذي حدث في السنوات الأخيرة".

ويؤكد التقرير الذي أعدته الخبيرة في مجال التعليم د. أسماء البدوي، أن الجامعات المصرية شهدت ارتفاعا في كثافة الطلاب، ما أدى إلى تكدس واضح صاحبه ارتفاع في نسب الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس، وأدت كل تلك العوامل إلى تراجع ترتيب الجامعات المصرية لمستوى متأخر.

ويضيف التقرير أنه في إطار معيار تكافؤ الفرص، تتطلب العدالة في الالتحاق بالتعليم العالي ألا تكون الخلفية التي يأتي منها الشخص محددة لالتحاقه بالتعليم العالي من عدمه، ويعني هذا أن الإناث لهم فرصة مثيلة للذكور في الالتحاق بالجامعة، كما أن للطلاب المولودين لوالدين فقيرين الفرصة نفسها التي يتمتع بها الطلاب المولودون لوالدين غنيين. ولا ينبغي سوى لقدرتهم الفطرية والجهد الذي يبذلونه أن يحددا تحصيلهم التعليمي. 

ولكن الواقع الذي تواجهه العديد من الأسر المصرية لا يتماشى مع المعايير والخبرات الدولية التي يطرحها مثل هذا التقرير وغيره من شهادات خبراء التعليم، فتقول أمل أبو ستة، الخبيرة في الأبحاث التعليمية بجامعة "لانكستر" بإنكلترا: "يبدأ التمييز الطبقي في التعليم الجامعي من مرحلة التعليم المدرسي، حيث يتلقى أبناء الأسر ميسورة الحال تعليمًا ورعاية أفضل في المدارس الخاصة، بينما يتلقى معظم طلبة تلك المدارس تعليمهم بلغة أجنبية على عكس أقرانهم في المدارس الحكومية، ما يفصلهم عن مجتمعهم ويعمق الهوة بينهم وبين باقي طوائف المجتمع ويرسخ الطبقية، حيث يصبح التمكن من لغة ثانية هو الفيصل في حكم المجتمع على مستوى تعليم الفرد، وحيث تتسع الفجوة بين ثقافات فئات المجتمع الواحد".

مشيرة إلى أن "المدارس الخاصة تقوم بتوفير ظروف أفضل وجودة أعلى، ما يؤهل الطالب للحصول على مجموع أفضل في الثانوية العامة والالتحاق بجامعة أو كلية أفضل. وهو ما يقودنا للحديث عن مستوى آخر من مستويات التمييز الطبقي الثقافي، وهو التمييز بين الكليات والتخصصات المختلفة، فمجتمعنا لا يزال يرسخ فكرة أن قمة النجاح في رحلة العلم هي أن تكون طبيبًا أو مهندسًا، أما إذا التحقت بكلية أخرى لتدرس تخصصًا آخر فأنت بالتأكيد قد أخفقت بشكل ما وهبطت درجة أو اثنتين أو عشر على سلم طبقات المجتمع".

في ظل هذه التحديات الطبقية والمتعلقة بالعدالة في إتاحة تكافؤ الفرص في الحصول على جودة في التعليم، ليس مدهشا أن تجد أسرة مصرية تدفع أكثر من دخلها الشهري بخمسة أضعاف حتى تتمكن من إلحاق ابنها/ ابنتها بمدرسة أو جامعة خاصة لضمان أن تتوافر له/ لها فرص عمل أفضل وتحسين ظروف الحياة، وعدم تكرار تجربة الإحباط الذي يعاني منه كثير من الشباب في طبقات اجتماعية ليست بالفقيرة ولكن بسبب تلقيهم للتعليم الحكومي تعرضوا للبطالة أو أنهم يعملون بغير تخصصهم الجامعي وانتقلوا اجتماعيا وطبقيا من طبقة متوسطة إلى شريحة اجتماعية أخرى أقل بلا ذنب سوى أنهم يعيشون تحت وطأة سياسات تعليمية حكومية تكرس مفهوم الطبقية بإخلاص.


المساهمون