تعز... معركة غير واضحة الملامح تُدار عبر "واتساب"

31 يناير 2018
الناشطة شيناز الأكحلي بعد مقتل شقيقها بمعارك تعز(العربي الجديد)
+ الخط -
قبل أقلّ من أسبوعين من الذكرى السابعة لثورة الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، اشتعلت مختلف جبهات محافظة تعز اليمنية، الموصوفة بمدينة الثورة، بمواجهات عسكرية شرسة بين الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية (تشارك فيها ستة ألوية وبالتنسيق المباشر مع قوات "التحالف العربي")، وبين القوات الانقلابية. وبعد أيام من انطلاق المعركة، أعلنت قوات الحكومة اليمنية، تحرير جبهة الصلو الاستراتيجية (الضواحي الجنوبية لمحافظة تعز) من سيطرة الحوثيين، بحسب ما أكده رئيس عمليات معركة الصلو ناظم العقلاني لـ"العربي الجديد".

وتأتي هذه المعارك نتيجة تحوّلات سياسية شهدتها تعز، تمثّلت بتغييرات هامة في رأس الهرم في قيادة السلطة المحلية، إذ تم تنصيب محافظ جديد، بالإضافة إلى تعيين مدير أمن جديد، في ظلّ توقعات بقرب تغيير عدد من القادة العسكريين، وهي التغييرات التي جاءت تلبية لطلب دولة الإمارات التي كان لها مواقف من حسم معركة تعز، تأجّلت مرات عدة نتيجة هيمنة حركة "الإخوان المسلمين" على مؤسسات الدولة، حسبما تبرّر الإمارات، ما جعلها تشترط القيام بعدد من التغييرات المدنية والعسكرية قبل الموافقة على معركة تحرير المدينة.

وكان المحافظ الجديد، أمين أحمد محمود، قد أعلن الخميس الماضي، عبر بيان متلفز، انطلاق عملية عسكرية واسعة لتحرير وفك الحصار المفروض على تعز منذ ثلاث سنوات، وذلك بدعم من ‎ قوات التحالف العربي، داعياً إلى "الوقوف خلف الجيش الوطني". وأكّد أنّ "الجيش الوطني قرر الشروع بعملية عسكرية واسعة مدعومة من قوات التحالف العربي لتحرير المحافظة واجتثاث المليشيات الحوثية الكهنوتية السلالية التي جثمت على الأنفاس لهذه السنوات الثلاث الثقيلة والمأسوية".

وألقت التغيرات السياسية، بحسب مراقبين، بظلالها على مواقف التحالف الذي ساند العملية العسكرية من خلال تكثيف ملحوظ للغارات الجوية المساندة للعمليات العسكرية في جبهات تعز المختلفة، في إطار التفاهمات التي أجراها المحافظ الجديد مع قيادة التحالف حول التجهيز لمعركة تحرير تعز، وهو ما باركته دول التحالف العربي.

ومنذ الخميس الماضي، ازدادت طلعات مقاتلات التحالف العربي بشكل ملحوظ، ونفّذت أكثر من 50 غارة جوية في غضون ثلاثة أيام من المعركة، استهدفت مواقع وتجمعات للمليشيات الانقلابية في مناطق متفرقة بمدينة تعز، وتركّزت معظمها على منافذ المدينة، في مطار تعز وشارع الخمسين وجبل الوعش وتبة القارع وجبل الزانخ وشارع الثلاثين وشارع الستين شمال وشمال شرق وغرب تعز، بالإضافة لاستهداف مواقع القوات الانقلابية المتمركزة على خط الإمداد الاستراتيجي الممتد من شمال محافظة تعز، مخترقاً المناطق الغربية والممتدة إلى سواحل المخا (115 كيلومتراً غرباً)، حيث أسفرت هذه الغارات عن قتل عشرات الأفراد وتدمير دبابات وعربات وأسلحة ثقيلة للانقلابيين، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة على الأرض، استخدم فيها الطرفان جميع أنواع الأسلحة، وفقاً للقيادات الميدانية في صفوف الشرعية، فيما ينفي الحوثيون ذلك.

وأعلنت قيادة محور تعز العسكري عبر صفحتها الرسمية،  مقتل أكثر من 110 عناصر من مليشيا الحوثي بينهم قيادات ميدانية، وإصابة العشرات، جرّاء المعارك التي خاضها الجيش الوطني، وغارات مقاتلات التحالف العربي، خلال ثلاثة أيام من عمر المعركة. كما أعلنت عن تدمير عدد من الآليات العسكرية منها 3 دبابات و7 أطقم عسكرية، وعربة كاتيوشا ورشاشان ومدفعان من نوع هاوزر ومخزن أسلحة.

وفي صفوف قوات الشرعية والمدنيين المقيمين في مناطق سيطرتها وسط تعز، ذكرت إحصاءات رسمية حصلت عليها "العربي الجديد"، أن عدد القتلى حتى مساء السبت، وصل إلى 44 قتيلاً من عناصر الشرعية و8 مدنيين، فيما بلغ عدد الجرحى 156 جريحاً، وفقاً لإحصائيات أربعة من مستشفيات المدينة (الثورة والروضة والصفوة والبريهي).

ويرى خبراء عسكريون أنه يفترض أن تؤدي المعارك الجارية في تعز والتي دخلت اليوم الإثنين يومها الخامس، إلى قطع خطوط الإمداد في شرق المدينة وغربها من أجل أن يكون لها تأثير فعلي على سير المعارك، وتعيد رسم الخارطة من جديد.

وفي سياق المعارك الميدانية، فقد بدأت العمليات العسكرية التي تشارك فيها ستة ألوية هي اللواء 35 مدرع، 22 ميكا، 17 مشاة، 170 دفاع جوي، اللواء الخامس حماية رئاسية، ولواء العصبة، وتركزت في ثلاثة محاور رئيسية، المحور الغربي للمدينة، حيث تركزت الاشتباكات في مناطق حذران ومدرات غرباً بهدف التقدّم باتجاه منطقة الربيعي الواقعة على الطريق الواصل بين مدينتي تعز والحديدة، كما تركزت المواجهات غرباً في محيط جبل هان وفي منطقة المنعم في مديرية جبل حبشي غربي تعز، وتسيطر قوات الشرعية هناك على جبل هان وأجزاء من مدرات ومنطقة حذران، وهي مناطق تمثّل آخر مواقع سيطرتها بالمحور الغربي منذ ما قبل انطلاق معركة التحرير الخميس الماضي. وخلال ثلاثة أيام من المواجهات في تلك المناطق، تمكّنت قوات الشرعية من السيطرة على تلة القرن في حذران بمحاذاة المناطق المفتوحة في الربيعي، لكن القوات الانقلابية تمكّنت من استعادتها بعد يوم واحد من سيطرة الشرعية عليها، لتبقى خارطة السيطرة على ما هي عليه حتى اليوم الخامس للمعركة.


وفي المحور الشمالي الغربي، تسيطر قوات الشرعية منذ أشهر عدة على الأجزاء المحاذية للمدينة من موقع الدفاع الجوي المطل على شارعي الخمسين والأربعين. وتسعى قوات الشرعية من معاركها في هذه المناطق، للسيطرة على شارع الستين الاستراتيجي الذي يعدّ خطّ إمداد رئيسياً للقوات الانقلابية، لكن تقدّمها في هذا المحور تمثّل بالسيطرة على أجزاء في محيط جبل الوحش في عصيفرة، ومواقع محاذية لشارع الخمسين، وذلك لا يمثّل، بحسب خبراء عسكريين، تحولاً استراتيجياً في مسار معركة التحرير. ويقول مراقبون عسكريون إن السيطرة على تلال الوحش والمدرجات والشيباني وغراب في محور شمال غرب المدينة، هي التي ستؤدي إلى انهيار قوات الانقلابيين وخسارتهم لخطوط الإمداد، بشرط أن يتزامن ذلك مع تحركات في السلسلة الجبلية في مديريتي مقبنة وجبل حبشي، غربي تعز، للسيطرة على الخط الرابط بين تعز والحديدة، والالتقاء بقوات التحالف العربي في موزع القريبة لسواحل تعز الغربية. وهذا الأمر لم يحصل خلال المواجهات الدائرة منذ أيام، رغم سقوط عشرات الضحايا في صفوف القوات الشرعية من شباب تعز المتحمسين لتحريرها.

وفي المحور الشرقي الذي يعد من أبرز المحاور والذي يشهد مواجهات شرسة بين الطرفين، كانت قوات الشرعية قد تمكّنت من السيطرة على مدرسة محمد علي عثمان، لكن القوات الانقلابية أمطرت المنطقة بعشرات القذائف واستعادت الموقع، بعد مقتل قائد الجبهة الشرقية  القيادي بشير دبوان و12 من جنوده من قوات اللواء 35 مدرع، السبت الماضي، بالتزامن مع إعلان قوات الشرعية في المحور الشرقي سيطرتها على مواقع الصرمين وأبعر، وهي مناطق تمثّل منفذ عبور للقوات الشرعية باتجاه معاقل القوات الانقلابية في مديرية دمنة خدير في ضواحي شرق تعز.

ويقول خبراء عسكريون، إنه إذا ما كان هناك معركة تحرير، فمن الضروري دخول جبهة الصلو على خط المواجهات، بالتزامن مع تحرّك فعلي لقوات التحالف من محور كرش، الذي يفصل محافظة تعز عن محافظة لحج الجنوبية، إذ يمكّن ذلك الجيش الوطني من استكمال السيطرة على الصلو جنوبي تعز، وبالتالي قطع خط الإمداد الرئيسي للقوات الانقلابية في طريق الراهدة والتي يصلها بمعظم ضواحي الأرياف الجنوبية للمحافظة، والالتفاف على القوات الانقلابية في مناطق شرق وشمال المدينة، والسيطرة على خط الإمداد، وهو ما سيسهّل على الجيش الوطني مهمة التقدّم نحو منطقة الحوبان الاستراتيجية شمال شرق تعز.

وتعليقاً على المعارك، يقول المحلل العسكري أحمد الصراري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المعارك الدائرة حتى الآن لم تحقّق نتائج ملموسة على الأرض، ولا يمكن أن تصنع تغييراً فعلياً في موازين القوى لصالح الشرعية، نتيجة عدم وجود تنسيق حقيقي بين ألوية الجيش الوطني وعدم وجود غرفة عمليات مشتركة لوضع الخطط وتنسيق الجهود بين مختلف الكتائب العسكرية وفي الجبهات المختلفة"، مضيفاً "بحسب معلوماتي المؤكدة أن قيادة التحالف العربي تدير المعارك من خلال مجموعة على تطبيق واتس آب، غير آبهة بعشرات الضحايا من أبناء تعز المخلصين".

وحول ارتفاع عدد الضحايا، يقول الصراري، إن "الأفراد في صفوف الشرعية توّاقون للتحرير ومستعدون للتضحية، ومن المتوقّع أن يرتفع عدد الضحايا في ظلّ افتقاد الجيش الوطني لكاسحات الألغام وللأسلحة النوعية التي يمكن من خلالها التعامل مع الأسلحة التي تستخدمها المليشيات الانقلابية، والتي تعتمد بشكل رئيسي على الألغام وقذائف الهاون والقنّاصات، وهذا ما يزيد من عدد الضحايا في صفوف الجيش الوطني وعدم قدرته على التقدّم لمسافات طويلة، يسيطر من خلالها على مواقع استراتيجية تعمل على قلب موازين القوى في الميدان".

من جانبه، يقول الخبير العسكري المتقاعد، العقيد دحان صالح، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المعارك الدائرة في منافذ طوق الحصار، والتي تخوضها قوات الشرعية منذ أيام، لا يمكن أن تصنع تحولاً في السيطرة الميدانية، نظراً لعدم الاعتماد على خطة واضحة المسار الجغرافي والأهداف العسكرية". وبحسب العقيد دحان، فإن "المواقع التي تمت السيطرة عليها خلال ثلاثة أيام من المعارك، كانت قوات الشرعية قد سيطرت عليها قبل هذه المعركة الحالية مرات عدة، وهذا مؤشر إلى أنّ المعركة لم تضف جديداً يمكن أن يغيّر موازين السيطرة على الأرض"، موضحاً أن "معظم المناطق في المحور الشرقي للمدينة، تعدّ من الجانب العسكري مناطق دفاعية يصعب من خلالها التقدّم نتيجة سيطرة القوات الانقلابية على تلال السلال وسوفتيل الاستراتيجية، لكن مناطق أخرى تقدّم فيها الجيش الوطني تعدّ جبهات هامة، مثل الصرمين وأبعر والكريفات. وبحال استمرت وتمّ الالتفاف على تلة السلال، التي تعدّ عائقاً أمام تقدّم الجيش الوطني، سيفتح ذلك الطريق نحو منطقة الحوبان، المدخل الشمالي الشرقي لتعز".

واستنكر دحان، "حالة التباين الإعلامي من قبل الجيش، من خلال استخدام كل لواء مجموعة من الصحافيين لتسويقه"، وقال إن هذه الحالة "سببها عدم تشكّل الألوية الحالية وفق المعايير العسكرية، وتدخّل الأحزاب السياسية، خصوصاً الإسلامية، وكذا الجماعات الدينية، في السيطرة على قيادة الجيش لتحقيق أهداف سياسية، رغم وجود عشرات من الضباط المحترفين الذين تمّ إقصاؤهم من نظام صالح، وما زالوا مقصيين حتى اليوم، رغم أنهم قادرون أن يصنعوا تحوّلاّ في الميزان".

وتسيطر القوات الانقلابية على المرتفعات الاستراتيجية في التلال المحيطة بالمدينة من الجهة الشمالية والشرقية، ومرتفعات الضواحي الغربية في مديريتي جبل حبشي ومقبنة، إضافة إلى سيطرتها على الطريقين الرئيسيين، الأول الممتد نحو صنعاء شمالاً ويمرّ عبر مناطق الجند والمطار ويرتبط بمناطق وسط المدينة، والثاني الذي يمتدّ من الربيعي في البوابة الغربية نحو سواحل المخا، ويربط وسط المدينة عبر منفذ حذران بالضواحي الغربية لمدينة تعز، وهو ما مكّنها من إحكام حصارها عليها منذ بدء الحرب قبل ثلاث سنوات، وهذا يمنح الانقلابيين أفضلية التواجد من خلال تحكّمهم بمداخل المدينة.

المساهمون