ويقول خبراء عسكريون إن المليشيات استعادت خلال فترة الهدنة المفترضة، جزءاً كبيراً من عافيتها القتالية، حتى أنها بدأت في توسيع نطاق حربها في مناطق الأرياف، كما عادت إلى إحكام الخناق مجدداً على مدينة تعز، بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان.
معابر الرعب
يروي نازحون عادوا إلى مدينة تعز أخيراً، عن معاناتهم للعودة إليها، مشيرين إلى أن الدخول إلى المدينة عبر خط الستين، (الرابط بين شمال وغرب المدينة)، لا يخلو من اعتراض المليشيات لكل من يمر، إذ تقوم بتفتيش السيارات الخارجة والداخلة عبر الطريق الوحيد (الستين)، وبإجراءات معقّدة، ما يشيع حالة من التوتّر.
غزة السامعي واحدة من النازحين الذين أرادوا العودة إلى تعز بعد عام قضته مع طفلتها خارج المدينة، لقضاء شهر رمضان مع الأسرة في المدينة. قالت إنها تمكنت يوم الإثنين الماضي، من الدخول مع عدد من أفراد أسرتها إلى مدينة تعز، ولكن بعد أن عاشوا أوقاتاً عصيبة، إذ سادت حالة من الهلع بين المسافرين، بسبب إطلاق نار كثيف لم يُعرف مصدره. وتابعت السامعي في حديث لـ"العربي الجديد": "كانت السيارات تعود باتجاهنا بارتباك شديد، بينما كنا قد أصبحنا قريبين من المدخل المؤدي إلى مدينة تعز من الجهة الغربية للمدينة، لم نعرف السبب في البداية، وكنا نعتقد أن السبب هو إطلاق النار الكثيف. قوة الصوت كانت تخبرنا أن شيئاً يحدث بالقرب منا". وأضافت: "بعض المارة نصحونا بأن نعود أدراجنا، ليس بسبب إطلاق النيران الكثيف، ولكن لأن قناصاً من المليشيات يطلق الرصاص على المارة من دون رحمة".
مسافرون آخرون تحدثوا عن ابتزاز المسلحين للشاحنات والسيارات التي تحمل مواد غذائية وخضرة، إذ لا يُسمح بمرورها إلا بعد أن يدفع السائقون مبلغاً من المال "إتاوة"، مشيرين إلى أنه لا يمر يوم إلا ويطلق المسلحون النار على سيارات المسافرين.
وتسمح المليشيات بدخول المسافرين والمارة فقط عبر خط الستين، وهو خط يمتد من حدود محافظة أب-تعز شمالاً، إلى المنفذ الغربي الرابط بين تعز والحديدة غرباً، في رحلة تستغرق قرابة ساعة ونصف الساعة، وهي مسافة كامل الحدود الشمالية للمدينة.
ويبرز المسافرون بطاقات الهوية عند نقاط تفتيش تابعة للمليشيات وتتوزع على مختلف مناطق الخط الشمالي والغربي. فيما يُسمح للقادمين من مناطق الأرياف الجنوبية ويرغبون بالدخول إلى تعز، بالدخول عبر طرق فرعية مليئة بالألغام، ولكن لا يُسمح لهم بالعودة من الطريق نفسه، في مؤشر على وجود نية لاستدراج أكبر عدد ممكن من سكان المدينة إلى داخلها من خلال تسهيل دخولهم، ثم بدء ممارسة الحصار عليهم.
ويتحدث قادمون عبر هذه الطرق، عن وجود هياكل سيارات انفجرت بسبب الألغام، كما يتحدثون عن المضايقات التي يتعرضون لها، وكيف أن المسلحين أثناء تفتيشهم يخبرونهم بلكنة تحذيرية بأنه لن يُسمح لهم بالعودة من الطريق نفسه. أحد هؤلاء القادمين لتعز روى لـ"العربي الجديد" حادثة إطلاق النار على شاحنة تنقل مواد غذائية، من قبل مسلح يتبع للمليشيات بحجة أن السائق لم يتوقف، بينما كان مسلح آخر قد سمح له بالمرور. وفسر هذه الحادثة بأنها من قبيل الرسائل التحذيرية حتى يكف الناس عن المرور عبر هذه الطرق. وأضاف: "ربما كانت تلك الطلقات مقدمة لابتزاز صاحب الشاحنة".
حصار خانق
في منتصف مارس/آذار الماضي، كان الجيش الوطني التابع للسلطة الشرعية مسنوداً بـ"المقاومة الشعبية"، قد نجح في دحر مليشيات الحوثيين وقوات المخلوع صالح من مناطق واسعة غرب مدينة تعز، وتكلل هذا النجاح بفتح الخط الغربي الذي يصل تعز بالمديريات الغربية والجنوبية ومن خلالها يربطها بمحافظتي لحج وعدن الجنوبيتين، حينها تدفقت المواد الغذائية عبر هذا الخط بشكل كبير إلى المدينة. وبعد نحو أسبوع من فك الحصار، خاضت المليشيات معارك مستميتة لتعيد السيطرة على خط الضباب في الجنوب الغربي للمدينة مع حلول نهاية الشهر، كما استعادت عدداً آخر من المواقع في تلك المناطق، ليعود الحصار بإغلاق ذلك الخط.
وفيما ظل المدخل الشرقي للمدينة مغلقاً وتسيطر عليه المليشيات مانعة السكان من المرور وكذلك المركبات، فقد سمحت بدخول الناس وخروجهم عبر خط الستين الشمالي، غير أن الأمر لم يخلُ من مضايقات بقيت تتصاعد وتعيد للأذهان فكرة الحصار الخانق الذي اكتوت بويلاته المدينة، حتى أنها أصبحت في بعض الأوقات التي تزامن فيها الحصار مع القصف الشديد للأحياء السكنية، شبه خالية إلا من مسلحي "المقاومة" وبعض السكان الذين يخشون أن تتعرض ممتلكاتهم للنهب في حال غادروا المدينة.
معنى آخر للهدنة
دخلت مناطق تقع في الأرياف الغربية من المحافظة دائرة الحرب، وبالتحديد مديرية مقبنة، إحدى أكبر المديريات الغربية في تعز، بعد أن أقدمت تشكيلات تابعة لـ"المقاومة الشعبية" من أبناء تلك المناطق، على قطع طرق إمداد فرعية استحدثتها المليشيات لخطوطها الأمامية، إذ تسعى لتحقيق مزيد من الاختراقات على الجهة الجنوبية من المحافظة بعد أن كانت قد سيطرت الشهر الماضي على أجزاء واسعة من مديرية الوازعية جنوبي غرب تعز. وتعرضت مناطق كثيرة في مديرية مقبنة لقصف شديد خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى نزوح مئات الأسر إلى قرى أخرى.
يأتي ذلك فيما المعارك في باقي الجبهات المحيطة بمدينة تعز، تتصاعد وتيرتها يوماً بعد يوم. وكشف مصدر في "غرفة عمليات رصد خروقات الهدنة" التابعة لـ"المقاومة الشعبية" في تعز، أن عدد الخروقات التي ارتكبتها قوات الحوثيين وصالح في تعز، بلغ خلال 42 يوماً من الهدنة، 2550 خرقاً، فيما وصل عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى 44 مواطناً، ومن قوات الشرعية و"المقاومة" إلى 32 عنصراً. كما تعرض 219 مواطناً مدنياً لإصابات متفرقة، فيما بلغ عدد المصابين في صفوف قوات الشرعية و"المقاومة" 137 مصاباً.
وقالت مصادر متعددة، إن مليشيات الحوثي وصالح، فجرت خلال الأيام الماضية عدداً من منازل السكان في منطقة حسنات الواقعة في الجهة الشرقية من المدينة والتي تقع أجزاء منها تحت سيطرة المليشيات. وتفجير المنازل استراتيجية اعتمدتها المليشيات منذ بدء حربها على اليمنيين كطريقة لمعاقبة مناوئيها وتخويفهم. وأكدت المصادر أن ثلاثة منازل جرى تفجيرها بحجة أن أصحابها يؤيدون "المقاومة الشعبية".
وفي سياق متصل، تشهد مناطق الأطراف الشرقية والغربية للمدينة، مواجهات متقطعة بين قوات الشرعية مدعومة بـ"المقاومة الشعبية"، وبين مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح، تنشط في الغالب في الساعات الأخيرة من الليل، حيث يُسمع دوي انفجارات قوية يرجح أنها قذائف مدفعية.
ولا يختلف الوضع كثيراً على الجبهة الغربية والشمالية القريبة من الغرب، حيث يكون موقع الدفاع الجوي ومعسكر اللواء 35 مدرع على موعد ليلي مع قصف شديد واشتباكات متقطعة، وأحياناً تتواصل هذه الاشتباكات خلال ساعات النهار، ويحدث ذلك على الرغم من وجود هدنة من المفترض أنها بدأت قبل نحو شهر ونصف الشهر.
وعلى الرغم من أن طيران التحالف العربي شن منذ بدء الهدنة بعض الغارات في جبهات مختلفة خصوصاً في صنعاء وعمران والجوف، إلا أنه يكتفي بالتحليق في سماء مدينة تعز، ونادراً ما يقصف مواقع تكون بلا أهمية طبقاً لمراقبين. غياب مقاتلات التحالف وفّر للحوثيين وحلفائهم فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم العسكرية من خلال تعزيزات تتدفق منذ نحو شهر. ويقول مراقبون إن مصطلح الهدنة في تعز، أصبح يشير إلى استمرار الحرب في ظل توفر ظروف ملائمة لمليشيات الحوثي وصالح.