لا تخلو الساحة الفنية العربية من المصالح التي قد تجمع الأضداد معاً، فعصر التعاون الفني الذي شهد قديماً تلاقي الأقطاب الفنية؛ كتعاون أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وتعاون عبد الوهاب مع عبد الحليم حافظ من أجل رسالة الفن ولّى، فالتقاء الأقطاب الفنية هذه الأيام بات تحكمه المصالح المتبادلة بين طرفي المعادلة الفنية، قبل حساب ما يُقدم للجمهور من فن.
لفترة خلت، وقبل اندلاع الأزمة السياسية في سورية، تميزت دراما دمشق عربياً بشكل أقلق صُناع الدراما المصرية، الذين وجدوا في انتشار الأعمال السورية الواسع، تهديداً حقيقياً لأعمالهم خاصة في ذروة الموسم السنوي في شهر رمضان، حيث اتكأت حينها الدراما السورية على البطولات الجماعية لأعمالها، لهدف واحد هو خدمة الدراما السورية بالأساس، وإيصال الرسالة الفنية السورية لشتى أصقاع العالم العربي، في الوقت الذي كانت فيه الدراما المصرية وما زالت تقيس حجم نجم العمل لتفصيل المسلسل على مقاسه، ويختار المنتجون له من نجوم الصف الثاني من يساندونه.
على صعيد الغناء، ما زالت النظرة المأخوذة عن أنانية الفنان هي المسيطرة على ذهن الجمهور، الذي بات ذكياً وبات يعلم أن التقاء فنانين من نجوم الصف الأول معاً في عمل واحد، هدفه المصالح المشتركة وليس الرسالة الفنية، وآخر النماذج التي تحققت، هو اجتماع كاظم الساهر ومحمد عبده في أغنية واحدة قُدمت على شكل ديو. وبمجرد انتشار الخبر، استغرب الجمهور والعاملون في الفن والإعلام من التعاون المفاجئ، نظراً للتوتر العالق بين الطرفين، ورفض كل منهما التنازل للآخر عبر الغناء من ألحانه، منذ قصة مهرجان الجنادرية الشهيرة، ليتضح لاحقاً أن كلا منهما سجل "كوبليهاته" الغنائية في الأغنية المشتركة "سر سعادتي" منفرداً دون حضور الآخر، وأن الأغنية تمت بطلب من أحد أمراء الخليج العربي الذي أهداها لطفلته.
لكن تقارب المصالح الفنية قد يأخذ شكلاً آخر، عبر قبول الفنان الكبير بدعم الفنان الموهوب فنياً دون مقابل ظاهرياً، فيظهر أمام الجمهور كمن يمد يديه للفنان الواعد لمساعدته، كما في حالة المطرب السعودي محمد عبده وخريجة برامج اكتشاف المواهب المغنية المصرية كارمن سليمان، فقدم الأول دعماً غير محدود عبر تلحينه للأغنية التي حملت عنوان ألبومها الأول "أخباري". فضلاً عن دعوتها لتكون ضيفته في برنامج "صولا"، عندما حل الاثنان كضيوف على المطربة السورية أصالة نصري في برنامجها "صولا"، فضلا عن دعوة عبده لكارمن لتكون ضيفة شرف في كليبه الغنائي "طيري معي" فظهرت كموديل في الأغنية، وكانت إطلالات كارمن مع عبده في المناسبات الغنائية ممولة من الشاعر السعودي والمنتج عبد اللطيف آل الشيخ.
قد يقول البعض إن كارمن استفادت من جماهيرية محمد عبده، وإن الأخير هو من تقاضى مقابل ذلك من الشاعر/المنتج آل الشيخ نظير ذلك، لكن ما لا يدركه البعض، أن المال وإن كان له مفعول السحر على نفوس المطربين للقبول بأي عرض مغرٍ مادياً، لا يكفي لفنان بحجم عبده لأن يقنعه برعاية فنانة جديدة، سوى النظر لمعيار آخر وهام جداً، وهو جمهور جيل الشباب الذي ساند كارمن في برنامج "أرب أيدول" وأوصلها للقب الموسم الأول، حيث استفاد عبده بالطبع من دعم كارمن فنياً بأن يطل على مساحة غير مألوفة له من الجمهور، خاصة أنه متقوقع مع الجمهور الخليجي لا غير، فخدم دعمه لكارمن؛ عبر بعض أغنياته التي توجه بها لجيل المراهقين حينها.
كثيرة هي المفارقات الفنية التي يجدها الجمهور أمامه في صورة تعاون فني أو لقاء، وقد يكون البعض قد تعود على أن يتحمس الفنان الناشئ، عندما يلتقط صورة له مع فنان سبقه في المهنة، وينشر صوره معه لو استطاع فعل ذلك على أبواب البيوت حتى، بهدف الاستفادة من جمهور الفنان الذي سبقه كدلالة على دعمه، لكن ذلك تغير لاحقاً في صورة المطرب المخضرم اللبناني وليد توفيق الذي سعى لترويج صورة له مع المغني المغربي، سعد لمجرد، القادم بقوة للساحة الفنية، عبر نشره الصورة التي تجمعه به لأكثر من مرة، وعبر كل صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن استفادة واضحة من جماهيرية لمجرد، واصفاً إياه بالصديق، حتى لو كانت الصورة رديئة.
يقول الكاتب الصحافي الأردني طلعت شناعة، إن الفنان الواثق من قدرته وموهبته، لا يتردد في احتضان المواهب الجديدة والناشئة وتقديم يد العون لها. ضارباً المثل بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي احتضن مواهب غنائية كثيرة، مثل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، حتى إنه اقتسم معه "شركة صوت الفن"، فضلا عن تقديم مجموعة من الألحان التي ساهمت في إثراء تجربة الاثنين معاً ورسوخها فيما بعد.
ويضيف شناعة أن توالي وتناسخ الأجيال ليس ظاهرة عربية حصراً، بل هي عالمية، فتدل على عمق التجربة لدى (الكبير) الذي يجد في (الجديد) موهبة تستحق الوقوف إلى جانبها وخلفها كي تستمر. فالهدف كما يظهر للجمهور بالأساس هو التجديد بما يناسب الذوق المتجدد، الذي يحتاج إلى خبرة الكبار لصقل مواهب الصغار.