وجاءت زيارة حميدتي للعاصمة المصرية، بعد أسبوع واحد من زيارة رئيس الأركان السوداني الموقوف بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب عسكري، الفريق الركن عبد المطلب هاشم للقاهرة، في وقت تسعى فيه كل من مصر والإمارات إلى البحث عن شخصية عسكرية في السودان غير متورطة في أيّ أعمال يعاقب عليها القانون الدولي، لتصديرها للمشهد السوداني، ودعمها في ظلّ رفض أميركي وغربي لحميدتي، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، إبان عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.
وبشأن الزيارة، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في بيان أمس، إنّ السيسي أكد خلال استقباله دقلو صباح الإثنين، الموقف الثابت لمصر تجاه دعم استقرار السودان وأمنه. وأوضح أنّ نائب رئيس المجلس العسكري عرض تطورات الموقف الحالي في السودان، مشيراً إلى أنّ اللقاء تناول بعض جوانب العلاقات الثنائية، وفي مقدمتها مشاريع الربط الكهربائي بين البلدين.
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية وسودانية تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإنّ زيارة حميدتي هدفها الرئيس بحث الدور المصري في التوصّل لاتفاق سلام مع الحركات المسلحة، في أعقاب جمع حميدتي بعدد منهم في جوبا عاصمة جنوب السودان قبل زيارته لمصر بيوم واحد فقط، حيث كان رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عباس كامل، قد زار جوبا للغرض ذاته، منتصف شهر يوليو/ تموز الحالي.
من جهته قال مصدر سوداني، إنّ القاهرة وجدت نفسها مضطرة للتعامل مجدداً مع حميدتي بعد المحاولة الانقلابية التي كان يقودها عبد المطلب، وعدد من قيادات الجيش السوداني، والتي كانت تدعمها كل من مصر والإمارات، فيما أفشلتها معلومات استخباراتية سعودية زوّدت بها الرياض حميدتي قبلها بأيام. وأضاف المصدر، أنّ القاهرة عادت ولو بشكل مؤقت لما يمكن تسميتها "خطة البشير"، إذ كانت رافضة في وقت من الأوقات وجود الرئيس السابق على رأس الحكم في السودان، ولم تكن تربطه بالنظام المصري علاقات جيدة، إلا أنّ القاهرة وجدت نفسها في النهاية مضطرة للتعامل معه لحماية مصالحها وأمنها القومي، سواء بشأن ملف المياه وأزمة سدّ النهضة الإثيوبي، أو ملف الحدود الجنوبية.
وأضاف المصدر أنّ الجميع تابع الكشف عن محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان، وعدم إشارة البيان العسكري الذي أعلن ذلك، لأي جهات إقليمية تدعمها، على الرغم من أنّ رئيس الأركان الموقوف والوفد المرافق له بالكامل الضالعين في التخطيط للمحاولة، كانوا في زيارة للقاهرة قبلها بأسبوع واحد فقط، والتقوا مسؤولين مصريين رفيعي المستوى، بل وصل الأمر لتحميل المحاولة للإسلاميين لإيصال رسائل للخارج من وراء ذلك.
بدوره، قال مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى لـ"العربي الجديد"، إنّ "مصر والإمارات تحاولان إقناع حميدتي بعدم تصدّر المشهد في بلاده على الأقل في الفترة الراهنة، في ظلّ قلق دولي من مساعيه الرامية لقيادة السودان"، مضيفاً أنّ "القاهرة وأبوظبي والرياض عطلت عقوبات أميركية وغربية أخيراً كانت تستهدف قوات الدعم السريع التي يقودها، مع وعد بالتدخل بتنحيته عن المشهد".
وكشف المصدر أنّ الإدارة الأميركية تعتبر ملف قوات الدعم السريع من الملفات التي يصعب التعاطي معها، وقال: "هناك حدود بالنسبة للإدارة الأميركية في التعاطي مع رؤى الحلفاء الخليجيين"، مضيفاً: "هناك أطراف في الإدارة الأميركية أبدت تجاوباً في التعاطي مع الجيش السوداني وتصدره للمشهد، ولكن عبر قيادات غير متورطة في جرائم حرب".
وأكد المصدر نفسه أنّ "القاهرة وأبوظبي لا تعترضان على دور لحميدتي في السودان، ولكن الاعتراض يأتي من واقع الرفض الغربي والأميركي لقيادته للبلاد، في وقت لن يقبل فيه المجتمع الدولي بذلك".
من جانبه، قال مصدر دبلوماسي مصري آخر إنّ "هناك مطالبات أميركية بحلّ قوات الدعم السريع، وخصوصاً في ظلّ تقارير حديثة عن تورطها في أعمال إجرامية خلال فضّ اعتصام القيادة العامة، وكذلك خطورتها على وحدة السودان وتماسكه، فضلاً عن وجود خشية دولية، من أيّ اضطرابات جديدة في المنطقة، خوفاً من تجمع العناصر المتطرفة بها في حالة انتشار الفوضى". وأضاف المصدر: "المطالب الأميركية اقترحت عدم تسريح تلك القوات، ولكن دمجها في وحدات الجيش المختلفة بشكل طبيعي، وتحت القيادة الطبيعية للجيش، لا بقيادة منفصلة".