تعالوا لنسقط الحكومة ونخرّب البلد

18 يناير 2016
+ الخط -
وضع الحكومة التونسية الحالية، وحكومات ما بعد الثورة، ذكّرني بالموقف الهزلي الذي تحدّث عنه "بهجت الأباصيري" (عادل إمام) وهو يحدّث معلمّته "ابله" (سهير البابلي)، في مسرحية مدرسة المشاغبين: "شفتيني وأنا ميّت.. أجنّن وأنا ميّت".
حديث الأباصيري ينطبق تماماً على حكومات ما بعد الثورة، فأيّ واحدة منها لم تولد ميّتة لظروف نشأتها، ولطبيعة تركيبتها، ولخيبة وزرائها في تقديرهم لمفهوم الدولة؟ لم نر منها سوى مؤسّسات ميّتة، مزّقها "التوافق" المغشوش، وحاد بها عن طريق الديمقراطية الحقّة، حتى إن لا أحد في وسعه أن يجاملها أو حتى يساندها. ولكن، أيجوز أن نسقط هذه الكيانات "الميّته" "واللي بتجنن" في مقابل أن يكون الثمن تخريب البلد، والانعراج نحو مستنقع سورية أو اليمن أو ليبيا، لا قدّر الله.
منذ اندلاع الثورة، أي منذ خمس سنوات، تعاقبت سبع حكومات، باعتبار التحويرات الوزارية الجزئية، على إدارة شؤون الدولة التونسية، أي بمعدل حكومة كل سبعة أشهر تقريبا، وكانت جلّها بنكهة "جنائزية" شعبوية، لا تقدّم شيئاً للمواطن المطحون، ولا للديمقراطية الحقة. لم تحقق هذه الحكومات المتعاقبة أي إنجاز يُذكر، لا لفائدة "أهل الثورة"، ولا لصالح "أهل الثورة المضادة"، لم تشغّل العاطلين عن العمل، ولم تحقق كرامة المطحونين، والفقراء والمساكين. كل إنجازها كان توافقاً مغشوشاً، لم يراع شروط الديمقراطية، ولا العدل، فحرم الناس من اختبار الأحزاب التي اختارها، فاختلط الحابل بالنابل، والصديق بالعدو، في مسرحٍ كبير لم تكن الدولة عنوانه، ولا مبتغاه.
أمّا حكومة الحبيب الصيد الأولى فكانت عاقراً، والثانية، ما بعد التحوير الوزاري أخيراً، ليست سوى قنبلة موقوتة، لموت شامل قادم، وجب علينا التحضير لفصوله المكلفة، فالأولى، حققت منجزيْن مؤلمين، نسبة نمو لم تتجاوز الصفر، وبقيت خلفه عاجزة، وظهور وزراء غريبي الأطوار، مثل وزراء الصحة والتربية والشؤون الدينية، فبدل تطوير مجالات اهتماماتهم الوزارية، توجهوا للاصطدام بمنظوريهم، واختلاق معارك لا تليق بوزراء، فعزلوا من عزلوا وأوقفوا من أوقفوا، من دون أي إنجاز يحسب لهم داخل وزاراتهم. والثانية، هي حكومة النزاعات المسبقة، التابعة لشقوق حزب النداء، التي تتقاتل فيما بينها للفوز بالحكم، ولو على جسد الوطن وسقوط الدولة، بدءاً بالحكومة، ويبدو أن الاستقالة الأولى لأحد الوزراء تحت الدرس، بعد أن رفض الحبيب الصيد قبولها بدءا.
كل هذا الفشل الدائم في إنجاز الحكومات المتعاقبة، خصوصاً الفشل المتوقع من الحكومة "المنقحة" الجديدة، لا يعطينا شرعيّة الانخراط في إسقاطها، والتخلّص منها، لأنه لا بديل لنا عنها في تونس، لثلاثة أسباب على الأقل. الأول، إن هذه النخبة السياسية ليست قادرة على صنع ما هو أفضل، وقد فشلت خلال خمس سنوات كاملة في تحقيق أي استقرار، فأغلبها انتهازي مصلحي شوفيني. والثاني، إن هذا التوافق المغشوش، الذي ينظر له المنظرون، لا يصنع الديمقراطية الحقة، وإنما يبيح فنّ المخاتلة والمهادنة، ويبيح تجاوز الدستور، وهو ما يحصل كل يوم. السبب الثالث، أن أي فراغ في السلطة التنفيذية قد يفتح الباب إلى التقاتل والاحتراب بين الأخوة، أبناء الوطن الواحد، وهو ما يفتح الأبواب إلى تكرار جريمة سقوط سورية واليمن وليبيا، فقد ثبت فعلياً بأن شرائح كبيرة من التونسيين ترفض التعايش والتسامح، بل وتدعو إلى الفوضى والعنف.
الدعوة إلى الإبقاء على هذه الحكومة لا يعني مساندتها والإبقاء على ما هي عليه، ولكن مساندتها إلى أن يعي الساسة أن هناك دستور يجب أن يطبّق كما هو، وهناك قانون لابد أن يعمل ويقتص من المارقين عليه. فالدستور يبيح، وربما يفرض على الأحزاب الفائزة تشكيل حكومتها، وإعطائها فرصة تطبيق برامجها، ومحاسبتها شعبيا تحت طائلة صندوق الاقتراع، ولا غير صندوق الاقتراع. والقانون لا بدّ أن يطبق بحذافيره على كل الذين ينشرون الفرقة، ويدعون إلى الاستئصال والتقاتل، وإلى تقسيم تونس إلى جهات، وقبائل. بهذا فقط ستعود البوصلة إلى الاتجاه الصحيح، إلى حيث الحرية والديمقراطية الحقة، بدلا من الدعوات المشبوهة باسم التوافق.
فقط هل تعي قيادات اتحاد الشغل أن عليها أن تتخذ منزلة واضحة مما يجري، فهي منظمة شغلية محايدة أو أنها طرف سياسي، سيغلّب طرفاً على طرف، كما فعل، وكما نال جائزة نوبل؟



محجوب قاهري
محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري