تعافي كيب تاون وكيغالي

05 سبتمبر 2018
كيب تاون الأجمل بين مدن البلاد (رودجر بوش/فرانس برس)
+ الخط -

تتوجّه الأنظار عادة إلى المناطق الخارجة من الحروب، ولكلّ جهة منظورها الخاص. أهل الاقتصاد على سبيل المثال، يبحثون عن فرص النموّ وسط ما تبقّى من موارد، ومثلهم يفعل المهتمون بشؤون التراث والثقافة في مجالاتهم. وتتوحّد جهود السياسيين وأهل الشأن الاجتماعي في المصالحات، ضماناً لتوقّف النزيف واستمرار الحياة. أمّا البيئيون فيركّزون على ما حدث من خراب بيئي وإمكانات إعادة الإصلاح في هذا المجال وترميم السلوكيات ذات الصلة.

شهدت كيغالي، عاصمة رواندا، أسوأ الحِقب سواداً في تاريخ البلاد، خلال الحرب الأهلية الطاحنة عام 1994 التي راح ضحيتها نحو مليون شخص من قبائل التوتسي والهوتو والتي قضت على الأخضر واليابس. لكن، ما إن تمّت المصالحة حتى انطلقت حقبة التطوير والقضاء على مظاهر التخلف، فصارت كيغالي - تأسست في عام 1907 وسمّيت عاصمة البلاد في عام 1962 - من أفضل المدن الأفريقية على مستويات النظافة والأمن والمحافظة على نظام المدينة النموذجية، إلى حدّ مضاهاة شوارع وسط المدينة بنظافتها وحسن صيانتها معظم شوارع العواصم الأوروبية. وقد اختارتها الأمم المتحدة في عام 2015 أجمل مدينة في أفريقيا.

وبدأت الحكاية قبل سنوات بمبادرة وطنية شارك فيها جميع المواطنين الذين شرعوا بتنظيف الشوارع والأزقة في عمليات جماعية تطوعية، وترصيفها وفق المعايير الدولية. كذلك شُجّرت الشوارع والساحات العامة، وهو أمرا لا تتساهل فيه الحكومة ولا المواطن.

أمّا كيب تاون، العاصمة التشريعية لجنوب أفريقيا، فقد كانت في الأساس مرفأ للسفن الهولندية التي تبحر صوب شرق أفريقيا والهند وقارة آسيا، وقد تأسست في عام 1652 وسُجّل فيها أوّل استيطان أوروبي دائم في المنطقة الواقعة إلى جنوب الصحراء الكبرى، في حين تُعدّ الأعرق والأجمل بين مدن جنوب أفريقيا. وهي تشتهر بمعالم سياحية بيئية متعددة منها جبل الطاولة إلى جانب الشواطئ الجميلة والشوارع النظيفة والجميلة.

وتتشارك المدينتان في واقعهما الجغرافي على سلسلة من التلال التي تتخللها الوديان، وفي مناخات غاية في الجمال. أمّا العنصر الأهم فهو المصالحات التي أعقبت عمليات الإبادة العرقية في كيغالي وحقبة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. تلك المصالحات أثمرت حساً وطنياً عالياً لدى السكان، وحرصاً أكبر على البقاء، والإبقاء على مظاهر الجمال بخلاف ما كان سائداً من مظاهر قبح في السابق، الأمر الذي انعكس إيجاباً على بيئتَي المدينتَين.




يؤكد علماء الاجتماع البيئي على أهميّة توسيع دائرة الأمن البيئي ومكافحة التلوّث وبناء مدن صحية ونقية خالية من فيروسات الانتهاك البيئي وميكروبات التعدي الجائر. ويُعدّ الخروج من حاضنة المشكلات البيئية (الحروب) فرصة كبيرة لتنمية ثقافة الإحساس الوطني بالمسؤولية الاجتماعية وترسيخ علاقة الإنسان التربوية بالبيئة التي تقوم على الانسجام والتوافق والوعي الحضاري. وهذا ما حدث في كلّ من كيغالي وكيب تاون لتتبوأ المدينتان مكانة رفيعة بين المدن الأفريقية، لا بل العالمية.

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون