ولعل مقابلة المغنية الفرنسية كاميليا جوردانا كانت الحدث الأبرز الذي فتح نقاشاً حاداً في فرنسا، مع قولها إنها مواطنة فرنسية لا تشعر بالأمان إذا كانت أمام الشرطة في الشارع، مثل شريحة كبيرة جداً في المجتمع الفرنسي، ما دفع وزير الداخلية كريستوف كاستانير إلى الرد عليها وإدانة تصريحاتها.
اليوم يبدو المشهد مختلفاً، بعد مقتل الأميركي جورج فلويد، ثم خروج التظاهرة في باريس، والتي شارك فيها، بحسب اللجنة المنظمة، بين 80 و100 ألف شخص أمام قصر العدل، يوم الثلاثاء الماضي، غنت خلالها جوردانا، وحضرها فنانون وشخصيات بارزة، فعنف الشرطة بات حديث كل وسائل الإعلام، وحتى السياسيين الذين تجاهلوا كثيراً القضية في السابق.
أبرز المواقف الجديدة التي صدرت كانت عن عمدة باريس المنتهية ولايتها آن هيدالغو، التي رغم أنها أبدت انزعاجها من خروج التظاهرة في وقت تمر فيه البلاد بأزمة صحية جراء جائحة فيروس كورونا، إلا أنها لم تنكر تصاعد الأعمال العنصرية والشرخ داخل فئات المجتمع الفرنسي.
وفي مقابلة مع إذاعة "فرانس إنتر"، اليوم الخميس، قالت هيدالغو إن "أعمال العنصرية ومعاداة السامية وكراهية المثلية الجنسية والتحيز الجنسي لم تتوقف عن التزايد في مجتمعنا".
وشددت على أن "المجتمع متصدع للغاية، حيث يوجد نقص في الحوار، وتوجد حاجة لإعادة التأكيد على سلطة العدل حتى يتمكن كل فرد من العيش على قدم المساواة من دون الشعور بالتمييز".
في الوقت نفسه، رفضت هيدالغو الاتهام الذي وجهه المتظاهرون خلال التظاهرة، يوم الثلاثاء، للشرطة بالعنصرية، وقالت: "لا يمكننا أن نقول إن الشرطة في فرنسا عنصرية، لكن هناك أفعالاً عنصرية، والطريقة الوحيدة للخروج من ذلك هي عن طريق القانون فقط".
وختمت هيدالغو بالقول "عندما تكون هناك أفعال يرتكبها أشخاص يجسدون سلطة عامة وفشلوا، فإنهم يجرحون، بل ويقتلون.. هؤلاء يجب إدانتهم (..) لقد تجاوزت مجتمعاتنا، بلادنا، العديد من الأزمات التي قوضت الميثاق الاجتماعي، والتي غذت من دون شك الاختلافات. علينا أن نجد الطريق إلى التماسك، وهذا يمر عبر القانون والعدالة".
ويبدو أن تظاهرة باريس فتحت الباب أمام احتجاجات في مناطق أخرى، إذ خرجت تظاهرات ضد عنف الشرطة في ليون ومارسيليا، في الجنوب الفرنسي، في حين شهدت مدينة تولوز أيضاً تظاهرة، مساء أمس الأربعاء، رفع خلالها المشاركون شعارت "الشرطة تقتل في فرنسا أيضاً"، و"أوقفوا العنصرية"، فيما خرجت تظاهرة متزامنة في مدينة مونبلييه. وهتف المتظاهرون في تولوز: "بمن تتصل عندما تقتل الشرطة؟"، و"حياة سوداء مهمة هنا أيضًا".
ولم تتوقف الأمور عند فتح النقاش حول عنف الشرطة، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى فتح ملفات قديمة، إذ قالت صحيفة "ويست فرانس" إن القضاء سيستجوب عناصر شرطة في قضية مقتل شاب يدعى أبو بكر فوفانا (22 سنة)، في 3 يوليو/ تموز عام 2018، على يد الشرطة في مدينة نانت، ما أسفر عن تظاهرات وأعمال شغب واسعة.
ومن المقرر أن يتم الاستجواب بعد تاريخ 22 يونيو/ حزيران، بعد مماطلة طويلة، وفق ما تصف عائلة الضحية، حيث قالت، في بيان، إن ما يحصل يوحي بأن "العدالة تأخذ الأمور باستخفاف".