شهدت مناطق لبنانية عدة، الأحد، تظاهرات واعتصامات أمام عدد من المؤسسات الرسمية، بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي، والتنظيم الشعبي الناصري، وعدد من القوى اليسارية والمدنية في لبنان. واختير "اليوم الوطني للغضب الشعبي وللانتفاضة على أطراف سلطة الفساد، يوم لمحاكمتهم ومحاسبتهم، يوم للكرامة الوطنية" كعنوان لهذه التحركات.
شهدت منطقة طرابلس (شمال) تحركين خجولين منفصلين. الأول نظمته مجموعة قال أفرادها إنّهم ينزلون باستمرار إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم تحت عنوان "بدنا حقوقنا". ونفى هؤلاء علاقتهم بالدعوة وبالتحرك الثاني الذي أقامه الحزب الشيوعي اللبناني، أمام مبنى الضمان الاجتماعي في المدينة، على الرغم من المطالب الموحدة بالإنماء والحق بفرص عمل، وكذلك النظرة الموحدة لواقع المدينة التي يرى الطرفان أنها تعاني من الإهمال. وفي عكار (شمال)، نفذ الحزب الشيوعي اللبناني اعتصاماً وتجمعاً في ساحة حلبا بعنوان "عكار إلى الشارع في مواجهة سياسة الإفقار والحرمان" شارك فيهما مناصرو الحزب وحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، وعدد من الفاعليات والأهالي.
أمام معمل ذوق مصبح الحراري (جبل لبنان، كسروان، إلى الشمال من بيروت) الذي اشتهر بمشاهد انبعاث الدخان الأسود من برجيه، وبتلويث الهواء كان التحرك رمزياً. ولم تلحظ مشاركة أهالي المنطقة، المتضررين المباشرين منه والذين يتنشقون انبعاثاته. وطالب المعتصمون أمامه بتأمين الحق في السكن "إذ بات الشباب ممنوعين من حقهم بالحب حتى والزواج". وأعلن المعتصمون أنّ "التحرك مستمر على أن نلتقي الأحد المقبل".
وفي مزبود (جبل لبنان، الشوف، إلى الجنوب من بيروت) اعتصم عدد من الناشطين أمام شركة الكهرباء، مطالبين بالبنى التحتية والماء والكهرباء والطبابة ووظائف الدولة.
وفي عاليه (جبل لبنان، إلى الشرق من بيروت) انطلق المعتصمون من أمام السراي الحكومي في مسيرة باتجاه فرع المصرف المركزي. ومن الشعارات التي رفعت: "واجب البلديات والجمعيات والمدارس الحفاظ على صحة الناس وقوتهم ليبقوا".
في صيدا (جنوب) انطلق الاعتصام من أمام فرع مصرف لبنان حتى ساحة النجمة، وكان التحرك الأكبر، الأحد، في عدد المشاركين. تقدم المسيرة النائب أسامة سعد، أمين عام التنظيم الشعبي الناصري، وألقى خلالها كلمة هاجم فيها السلطة. وشكا سعد من الكساد الذي تعانيه أسواق المدينة وتعثر حرفها ومهنها، وقال: "نزلنا إلى الشارع لأنّ السلطة أقفلت باب الحوار وأقفلت معه أبواب الحلول للأزمات... نزلنا إلى الشارع لانتزاع حقوقنا". وكانت هتافات قد توجهت إلى رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، تسأله عما يعرفه عن الوضع في المدينة. ومن المعروف أنّ أصول الحريري تعود إلى صيدا.
وفي النبطية (جبل عامل، جنوب) وصلت مسيرة إلى السراي الحكومي، ورفع المشاركون لافتات احتجاجية ورددوا شعارات ضد الفساد والطبقة السياسية. وقال يوسف سلامة، أحد المشاركين، لـ"العربي الجديد" إنّ نحو 1500 شخص شاركوا في التحرك، وقد حضر بعضهم من مناطق مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل، بينما كانت البطاقة الصحية أبرز ما طالب به المتظاهرون. تابع: "هناك عناصر بدأوا ينفلتون من أحزابهم، لكنّ عددهم قليل. سنعمل بدءاً من الغد على تشكيل لجنة لمتابعة التحرك لن تنحصر بحزب معين، إنّما ستتشكل ممن شاركوا في تحرك اليوم بهدف تشكيل حراك شعبي في الشارع". أضاف: "الكلّ يعاني من المشكلة نفسها. لكنّ للطبقة السياسية الحاكمة مؤيديها الذين يبحثون عن مصالح ووظائف، وهناك مواطنون بالرغم من معاناتهم لا يهتمون بالنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم خشية فقدان وظائفهم، فالطبقة السياسية تمتلك أوراقاً تهدد بها الناس. ومن لا يملك علاقة مصالح مع السلطة سينفلت من انتمائه السياسي".
كذلك، شهدت محافظتا البقاع، وبعلبك الهرمل (شرق) تجمعين، الأول أمام سرايا زحلة، والثاني أمام مبنى مؤسسة الكهرباء في اللبوة. في اتصال مع "العربي الجديد"، قال مسؤول منطقة بعلبك في الحزب الشيوعي اللبناني، المحامي جاد رزق، إنّ عدد المشاركين قارب الـ500 شخص في التحركين. ولفت إلى تواجد القوى الأمنية بأعداد كبيرة. وجه رزق لومه إلى الناس قبل السلطة لعدم تحركهم لمواجهتها، وأضاف: "أغلب الشعارات التي رفعت طالبت بالإنماء وبحصة المنطقة. فحتى مقررات مؤتمر سيدر (مؤتمر دولي عقد في باريس العام الماضي، وخصص لدعم الاقتصاد اللبناني)، وعلى الرغم من موقفنا منه، لم تلتفت إلى المنطقة".
من جهته، قدّر مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني، عمر ديب، عدد المشاركين في التحركات في مختلف المناطق اللبنانية بنحو 7 آلاف مشارك. وأشار لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مناطق صيدا، النبطية، والبقاع شهدت المشاركة الأوسع. وتابع: "نتجه نحو الانهيار، والهدف الأساس من التحركات هو أنّ هناك جهة معينة سوف تتحمل تكاليف هذا الانهيار. من استفاد خلال ثلاثين عاماً حتى اليوم وراكم الثروات وسرق أموال الدولة وحمى الاحتكارات هو من عليه تحمل التكاليف، لا نحن. التحدي الكبير هو من سيدفع كلفة الانهيار". أضاف ديب أنّ التحضيرات مستمرة للحشد للتظاهرة المركزية التي ستنظم في بيروت الأحد المقبل. "لكنّ المسار لم يحدد بعد، فما يهم هو الرمزية السياسية للمكان وكذلك السير في الشوارع الفقيرة".