للوهلة الأولى، يعتقد الزائر خيمة الاعتصام الأسبوعي، لأهالي أسرى قطاع غزة، المقامة أمام مقر الصليب الأحمر الدولي، يوم الاثنين من كل أسبوع، أن لخديجة الشافعي، ابناً أسيراً في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
علامات الحزن التي تملأ ثنايا تشققات وجهها، وهي تجلس في الخيمة، وكذلك حدة نداءاتها، تمنحك ذاك الاعتقاد، إلا أن حقيقة الأمر غير ذلك، فالسيدة خديجة (75 عاماً)، التي تقطن بلدة بيت لاهيا، شمال القطاع، عزمت على مشاركة أهالي الأسرى اعتصامهم الأسبوعي، منذ اليوم الأول للإفراج عنها، من سجون الاحتلال الإسرائيلي، قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وتقول خديجة لـ"العربي الجديد" إن "قضاء ساعة واحدة بين أيادي السجان الإسرائيلي، تجعل الشخص يتجاوز كل ما سمعه عن معاناة الأسرى، وتدفعه فور الإفراج عنه لبذل أقصى جهده لمناصرة قضية الأسرى، والمطالبة بالإفراج عنهم، فحجم القهر والمعاناة كبير ولا تصفه الكلمات".
وتعتبر الأسيرة المحررة خديجة، من أوائل الذين اعتصموا أمام مقر الصليب الأحمر، وجعلوا من الاعتصام فعالية أسبوعية، تتخذ من يوم الاثنين، موعداً ثابتاً لها، وكذلك، تحولت السيدة إلى أم لأمهات الأسرى، وللأسرى أنفسهم، وأيضاً أختاً لزوجاتهم، تشد من أزر الجميع.
ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين، نحو 6 آلاف أسير، موزعين على نحو 22 سجناً ومعتقلاً إسرائيليّاً، منهم 478 أسيراً محكومون بالسجن مدى الحياة، و30 أسيراً أمضوا أكثر من 20 عاماً في السجن، ومثلهم يعاني ويلات السجن، من قبل توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية والاحتلال عام 1993.
ويتسابق الأسير المحرر، رامي مع أمه في حضور مختلف الفعاليات التضامنية مع الأسرى، فالأم كانت قبل نحو عام، تخرج منذ ساعات الصباح الباكر من بيتها، إلى خيمة التضامن، وتمسك بصورة ابنها وتطالب بالإفراج عنه، ولكنها اليوم تأتي برفقته إلى الخيمة للتضامن مع زملائه الذين ما زالوا يعانون ويلات الأسر.
وتذكر أم رامي، ابنها، الذي أمضى أكثر من 20 عاماً في الأسر، بأن التضامن لو اقتصر فقط على أمهات الأسرى، فلن ينظر لمعاناتهم أحد، وتضيف لـ"العربي الجديد" "هؤلاء الأسرى ضحوا بزهرة شبابهم من أجل حريتنا ومستقبل أبنائنا، قضوا جل أعمارهم في الزنازين، فهل نستكثر عليهم ساعة تضامن".
وتستهجن أم رامي، ضعف التضامن مع قضية الأسرى وذويهم، وعدم مشاركة المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية في الفعاليات التضامنية، إلا حين حدوث حادثة ما، تلفت انتباه وسائل الإعلام والشخصيات المسؤولة، كإضراب الأسرى عن الطعام أو استشهاد أحد الأسرى.
ولا يقتصر التضامن على مواصلة أمهات الأسرى المحررين على الحضور إلى خيمة الاعتصام الأسبوعية، إذ برزت صورة جديدة للتضامن، تتمثل في تبني بعض الأمهات من غزة، لأسرى فلسطينيين أو عرب يقبعون خلف أسوار السجن، ويحرم أهلهم من زياراتهم أو التواصل معهم بأي شكل.
وتتكفل الحاجة أم العبد أبو سعيدة (60 عاماً)، بمتابعة أحوال الأسير، مرعي صبحي أبو سعيدة، من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وتقول أم العبد لـ"العربي الجديد"، إن الأسير أبو سعيدة، حرم من رؤية أي فرد من عائلته منذ اعتقاله عام 2004، فأمه من سكان الأردن وكذلك زوجته وأبناؤه.
وتضيف أم العبد، التي تشارك أهالي الأسرى اعتصامهم منذ 15 عاماً، أن أم الأسير مرعي تمكنت خلال السنوات الماضية من الدخول إلى غزة، لعلها تسمع بعض الأخبار عن ابنها المحكوم بالسجن المؤبد 11 مرة، إلا أن محاولتها فشلت، في ذات الوقت تكفلت بمتابعة أخبار ابنها ومحاولة زيارته وإخبارها بكل جديد.
ويتعرض الأسرى الفلسطينيون لسلسلة من الانتهاكات والإجراءات القمعية على أيادي السجانين الإسرائيليين، كالحرمان من الزيارة وفرض الغرامات المالية، والتفتيش التعسفي في جنح الليل والمنع من إكمال التعليم وإدخال الكتب، وكذلك الإهمال الطبي وعدم تقديم العلاج، بجانب التنقلات المستمرة للأسرى بين السجون.