وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي، عبر الأمانة العامة لدول المجلس، أمس، اعتبار حزب الله اللبناني "منظمة إرهابية" بكافة فروعه وقياداته، بسبب نشاطاته داخل دول المجلس وفي الدول العربية الأخرى. وأوضح الأمين العام لدول المجلس، عبد اللطيف الزياني، أنّ دول المجلس قررت "اعتبار مليشيات حزب الله بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية". ولفت الزياني إلى أن "دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك المليشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها".
وأكّد الزياني أنّ اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية مرتبط بنشاطات الحزب في العراق وسورية، مضيفاً أنّ "دول مجلس التعاون تعتبر ممارسات مليشيات حزب الله في دول المجلس، والأعمال الاٍرهابية والتحريضية التي تقوم بها في كل من سورية، واليمن، والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية، وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي". وأوضح أنّ دول المجلس ستتخذ "الإجراءات اللازمة" لتنفيذ قرارها، استناداً إلى "ما تنص عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبقة في دول المجلس والقوانين الدولية المماثلة".
وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أكد في خطابه، يوم الثلاثاء، بقاء حزب الله ضمن الحكومة اللبنانية، وهاجم السعودية، وتحديداً دورها في اليمن. وقال نصرالله إنّ "أشرف وأعظم ما فعلته في حياتي هو خطابي في ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن"، في إشارة إلى عمليات التحالف العربي الذي تقوده الرياض. وأشار نصرالله إلى أنّ "إيقاف الهبة السعودية لا علاقة له بمواقف حزب الله". الأمر الذي تؤكد عليه الرياض، باعتبار إيقاف الهبة السعودية، والتي تبلغ أربعة مليارات دولار للجيش اللبناني وقوى الأمن، جاء نتيجة مباشرة "لهيمنة حزب الله على قرار الدولة اللبنانية".
ويربط مراقبون إعلان حزب الله منظمة إرهابية بمجمل ردود فعل الحزب على الإجراءات الخليجية، لا سيما تلك المتخذة ضده خلال الأسابيع القليلة الماضية، بالإضافة إلى التململ الخليجي من الدور السلبي الذي يقوم به الحزب على الصعيد اللبناني المحلي من جهة، ودوره العسكري لصالح إيران في المنطقة العربية، من جهة أخرى.
ويُطرَح عدد من التساؤلات حول تداعيات تصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية في الخليج، على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية الخليجية ـ اللبنانية. ويكمن أول التساؤلات، بحسب مراقبين، في الموقف الخليجي المتوقع من الحكومة اللبنانية نفسها. فالسعودية، والتي أعلنت "إيقاف الهبة بسبب هيمنة حزب الله على الدولة"، تأتي اليوم ضمن موقف خليجي موحّد لتصنّف حزب الله كمنظمة إرهابية، وهو أحد أطراف الحكومة اللبنانية.
هذا الأمر سينعكس بشكل مباشر على التعامل الخليجي، خصوصاً السعودي، مع هذه الحكومة التي أعلن نصرالله، في خطابه، أنّ الحزب لن ينسحب منها، ما يعني وجود طرف أساسي في الحكومة اللبنانية، مصنّف "إرهابياً" في الخليج. وتجرم كل من "قوانين مكافحة الإرهاب" المحلية في دول الخليج، واتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب الموقعة عام 2004، التواصل مع المنظمات والأفراد المصنفين في دائرة الإرهاب والمتعاملين معهم، ما يعني تعميم هذا القرار، ليشمل الحكومة اللبنانية برمتها.
اقرأ أيضاً: مجلس التعاون الخليجي يصنف حزب الله منظمة إرهابية
في هذا الإطار، يشير متابعون إلى احتمالَين؛ الأول، أن تستمر دول الخليج في التواصل مع الجزء غير المتحالف مع حزب الله "الإرهابي" في الحكومة اللبنانية، ما يعني استمرار علاقات السعودية مع الحكومة في لبنان، ولو في الحد الأدنى، من خلال أطراف 14 آذار. أما الاحتمال الثاني، الأكثر راديكالية، فيشمل مقاطعة دول الخليج للحكومة اللبنانية، حتى حلفاء الخليج فيها، ما دام حزب الله ممثلاً في الحكومة، وحلفاؤه جزءاً منها. الخطوة التي قد تتطور على مستويات أعلى، لتشمل قطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، أو ربما سحب الودائع الخليجية والاستثمارات هناك، باعتبار مقاطعة لبنان كدولة وحكومة لا تنفصل عن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، وهو جزء من الدولة والحكومة في بيروت.
هذا الخيار الأخير غير المستبعد، بحسب متابعين، لا يحدث عادة؛ فالولايات المتحدة على سبيل المثال، والتي تصنّف حزب الله كمنظمة إرهابية منذ فترة ليست بالقصيرة، لأسباب مختلفة عن تلك الخليجية، لم يتغيّر تعاطيها مع الحكومة اللبنانية بعدما أصبح الحزب جزءاً منها. لكن ما يمكن الجزم به، في إطار تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، هو استمرار استهداف مصالح الحزب التجارية في الخليج، والمرتبطين به سياسياً. وهو الأمر الذي كانت بعض دول الخليج تقوم به أصلاً، قبل هذا التصنيف. لكن التعاون في هذا الاتجاه خليجياً، سيكون أكبر، بحكم التوافق على رؤية واحدة للحزب ونشاطاته.
المهم في تصنيف حزب الله خليجياً أن إجماعاً ثانياً حدث على المستوى الخليجي، خلال فترة متقاربة، على الرغم من التباينات التفصيلية بين دول المجلس. فقد أجمعت الدول الخليجية على استنكار التصعيد الإيراني، والاعتداء على المقرات الدبلوماسية السعودية في إيران، واليوم تحقق إجماع آخر، بتصنيف حزب الله المرتبط بإيران، كمنظمة إرهابية.
أما التباينات الخليجية تجاه حزب الله فتبدو طفيفة مقارنة بالتباين تجاه العلاقات مع إيران. فتهديدات حزب الله للسعودية، والكويت، والبحرين تمثل التاريخ والحاضر في هذه الدول. فالحزب متهم باستهداف الكويت بعمليات إرهابية في الثمانينيات، بالإضافة إلى تشكيل خلايا تابعة له، وللحرس الثوري الإيراني، العام الماضي، أو ما تعرف بـ"خلية العبدلي" أو "خلية حزب الله".
كما تتهم السعودية حزب الله بتدريب خلايا إرهابية، ارتكبت عمليات عنف على أراضيها، لا سيما ما يعرف بـ"حزب الله الحجاز". وتُعلن البحرين، بين وقت وآخر، ضبط أسلحة، أو الكشف عن خلايا ترتبط بالحرس الثوري وحزب الله اللبناني بشكل مباشر. فمن المنطقي، بحسب هؤلاء المتابعين، أن يكون موقف هذه الدول، المبدئي، من حزب الله سلبياً جداً.
أما الإمارات، فلا يبدو أن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية سيسبب لها أي حرج، لأنّها قامت، أكثر من مرة، باستهداف استثمارات مرتبطة بالحزب خلال السنوات القليلة الماضية. ربما يظهر التباين المحتمل تجاه تصنيف حزب الله في الحالة العُمانية والقطرية. فعُمان تتمتع بعلاقة ممتازة مع إيران، الشريك الأساسي لحزب الله اللبناني. وهو الأمر الذي يسير على عكس التيار في الخليج، ولا يبدو بأن مسقط تناصب حزب الله العداء أسوة بتعاملها مع حلفائه الحوثيين. لكن لا يبدو بأنها تتمتع بعلاقات قوية مع الحزب.
أما قطر فلا تزال إلى وقت قريب، على تواصل مباشر أو غير مباشر مع حزب الله اللبناني لإيجاد حلول لقضايا تفصيلية في المنطقة. فقد شكر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على دور قطر في إتمام صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله و"جبهة النصرة"، العام الماضي. كما أن تواصلاً حصل بين الطرفَين من خلال مسؤول أمني لبناني رفيع المستوى، قبل أشهر، حول أزمة القطريين المختطفين في العراق، والتي لا تزال معلّقة حتى اللحظة. لذا، يأتي بيان تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية ليعبّر عن حالة متقدّمة من التعاون الخليجي، والتي تتجاهل فيه دول المجلس التباينات الصغيرة في ما بينها لصالح مواقف جماعية، أكثر تصلّباً وحدّة، لتحقيق مصالحها المشتركة.
ويعتبر تصنيف جماعة أو حزب، كمجموعة إرهابية، هو السقف السياسي في التعامل مع هذا الحزب أو المنظمة. فالتعامل مع حزب الله بعد تصنيفه كمنظمة إرهابية لن يختلف نظرياً عن التعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بحسب مراقبين. ومن المنتظر أن تطبق قوانين مكافحة الإرهاب المحلية في دول المجلس على حزب الله، بالإضافة إلى تطبيق "اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب"، والاتفاقية الأمنية التي أقرتها دول المجلس، أخيراً. وتشمل هذه الاتفاقيات التعاون بين جميع الأجهزة الأمنية لمواجهة المنظمات الإرهابية، ومنع دخول العناصر المتهمين بالإرهاب، بالإضافة إلى تتبع كافة أنشطتهم، خصوصاً المالية منها، وتسليم المتهمين بالإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بهذا الخصوص.
اقرأ أيضاً: العقوبات الخليجية وتداعياتها