لكن مريم تعود لتتذكر معاناة زوجها الصحية خلال اعتقاله قبل ثورة يناير لاتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان، ما يجعلها تخشى عليه من السجن كذلك، "وإن كان أهون الشرين، إذ تضع يدها على قلبها" كما تقول، كلما سمعت عن حالات تصفية جديدة من قبل قوات الأمن، وتدعو الله ألا يكون زوجها من بين الضحايا.
ما تخوفت منه مريم، وقع للشاب عمر عادل، الذي أعلنت وزارة الداخلية المصرية مقتله في بيان رسمي صدر بتاريخ 23 يوليو/تموز 2017 هو وسبعة آخرون، في ما وصفته بـ"مواجهات مع قوات الأمن في محافظة الفيوم"، رغم اعتقاله في منتصف يوليو/تموز في مدينة العاشر من رمضان التابعة إدارياً لمحافظة الشرقية، وفقا لخبر صحافي منشور في موقع البوابة الإلكتروني المقرب من أجهزة الأمن المصرية، الأمر الذي تكرر مع 10 من الشباب المنتمين إلى جماعة الإخوان قتلتهم قوات الأمن في 10 سبتمبر/أيلول في منطقة أرض اللواء وسط الجيزة، من بينهم عمر الديب نجل الكاتب المقرب من جماعة الإخوان إبراهيم الديب، والذي قال على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "رسالتي إلى كل ضابط وجندي وقانوني ومشارك وداعم للظالم، وكل من شارك في قتل الشهداء وقتل ابني.. اللهم اجعل دماء شهدائنا الأبرار رحمة عليكم".
157 حالة موثقة لقتل خارج نطاق القانون
تعد الحالات السابقة جزءاً من ظاهرة تنامت منذ يوليو/تموز من عام 2013، إذ وثقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية دولية)، 157 حالة تصفية جسدية لمواطنين خارج إطار القانون، خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى يوليو 2017، ويجمع بين تلك الحالات اختلاق روايات وهمية حول مقتلهم تحت دعوى تورطهم في مواجهات مع قوات الأمن وفقاً لما قاله لـ "العربي الجديد" مصطفى عزب الباحث القانوني في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بينما وثق مركز "دفتر أحوال" البحثي المستقل في مجال العلوم الاجتماعية، 21 واقعة تصفية جسدية من قبل قوات الأمن النظامية المصرية، أسفرت عن مقتل 45 شخصاً، وفقا لرصد شمل كافة المحافظات عدا محافظتي شمال وجنوب سيناء.
وتمت تصفية الحالات جميعها بإطلاق النار خلال فترة زمنية بدأت في يناير/كانون الثاني 2015، وحتى 11 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، عدا حالة واحدة لشخص يدعى مصطفى رمضان مرسي، قالت الداخلية إنه حاول الهروب أثناء مداهمة مخبئه في الإسكندرية، وسقط من شرفة منزله التي حاول الهروب منها ولقى مصرعه، وفقا لتقرير دفتر أحوال المنشور في 13 أكتوبر من عام 2015.
وتتطابق عمليتا رصد مركز دفتر أحوال والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في تشابه طريقة القتل ومضمون الروايات الكاذبة، إذ تمت عملية التصفية في كافة الحالات الموثقة من قبل المنظمة العربية باستخدام الرصاص الحي عدا 4 حالات فقط "سقطت من مكان مرتفع أثناء محاولتهم الهروب، كما يقول الباحث عزب، والذي كشف عن رصد 95 شخصاً تعرضوا لعمليات قتل مشابهة إلا أن المنظمة لم تتمكن من توثيق ملابسات مقتلهم الأمر الذي يجعل من تلك الحالات بحاجة إلى بحث وتحقيق.
خبر يفيد إلقاء القبض على الشاب عمر عادل وتوقيفه قبل إعلان الداخلية عن تصفيته بعد 8 أيام (العربي الجديد) |
القضاء يتجاهل التحقيق في حالات التصفية
في كافة عمليات التصفية المذكورة لم تقم الجهات القضائية بفتح أية تحقيقات حول تلك الحالات، رغم تقديم كل أسر الضحايا بلاغات للنيابة العامة، "إلا أن هذه البلاغات لا يتم نظرها أو تحريكها لينتهي مصيرها إلى الحفظ" كما يقول عزب، وهو ما وثقته معدة التحقيق عبر حالة الشاب الثلاثيني محمد عواد الشلقاني، الذي قتلته قوات الأمن مع الشاب عمر عادل و6 آخرين، بعد أن تقدمت زوجته ببلاغ تشكو من اختفاء زوجها بعد اعتقاله في قسم قليوب بمحافظة القليوبية، قائلة لـ"العربي الجديد"، أرسلت عددا من التلغرافات للنائب العام في الأول من يوليو، بعد القبض على زوجي من أمام مسجد "سيدي عواد" في الذكرى الرابعة لـ 30 يونيو خلال حضوره عقد قران شهده العشرات في المسجد، "وهو إجراء متبع من أهالي المعتقلين بعد اختفائهم قسرياً لإثبات الاعتقال ومحاولة الاستدلال على مكان المعتقل يقوم به الأهل تحسباً لوقوع مكروه له" كما يقول الحقوقي والقانوني المصري نجاد البرعي، إلا أن هذا المكروه وقع بالفعل كما تقول الزوجة المنهارة منذ تلقيها نبأ تصفية زوجها في 23 يوليو 2017.
وتظل الحالات السابقة، مجرد مزاعم من منظمات حقوق الإنسان والأهالي، بسبب عدم إجراء تحقيق قضائي حقيقي في أي واقعة منها، كما يقول القانوني البرعي، والذي يرى أن التحقيق القضائي يعد الفيصل الوحيد بين الأهالي والمنظمات الحقوقية من جهة ووزارة الداخلية التي تنفيها من جهة أخرى.
وأوضح البرعي أنه خلال عمله في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان خلال فترة التسعينيات صادف عدد من الحوادث التي أصدرت فيها المنظمة تقرير تقصي حقائق شمل القاهرة ومحافظات الصعيد، اتهم فيه الأهالي قوات الأمن بقتل أبنائهم الذين أعلنت الداخلية مقتلهم في مواجهات رغم أنهم كانوا في حوزتها قبل مقتلهم بأيام.
500 حالة تصفية في عهد مبارك
تعد فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك "الأسوأ" في عدد حالات التصفيات الجسدية خارج نطاق القانون كما يقول البرعي، الذي يفسر الأمر باستفحال العداء بين وزارة الداخلية والجماعات الإسلامية، مشيراً إلى أن الوضع الحالي شديد الشبه بتلك الفترة.
ولا يوجد إحصاء رسمي موثق لعدد حالات التصفية الجسدية خارج إطار القانون خلال حكم مبارك في مرحلة ما قبل المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية التي حاولت إثارة الملف بعد ثورة يناير، وخصصت مسؤولا لملف القتلى والمفقودين يدعى أمين عبد العظيم، والذي حدد عدد حالات التصفية الجسدية التي وقعت خلال فترة حكم مبارك للمنتمين إلى الجماعة بـ 500 حالة.
غير أن متابعة ملف المفقودين توقف عقب اعتقال أجهزة الأمن للقيادي البارز في حزب البناء والتنمية الجناح السياسي للجماعة الإسلامية في يوليو من عام 2014، والذي كان يتولى متابعة تلك الحالات كما كشف فؤاد الدواليبي أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية في المنيا، قائلا لـ"العربي الجديد": "بعد اعتقال الدكتور صفوت توقف الاهتمام بذلك الملف".
ولم تلجأ الدولة إلى استخدام التصفية خارج نطاق القانون خلال عهد الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات، إذ لم تقع مواجهات مسلحة بين النظام ومعارضيه، خلال عهد عبد الناصر الذي اتسم بالاستقرار السياسي عدا مواجهتيه مع الإخوان في عامي 1954 و1965، وهي مواجهات لم تكن مسلحة، وكذلك عهد السادات الذي لم يشهد تلك الحالة من المواجهات العنيفة بين النظام ومعارضيه رغم الاحتجاجات السياسية المتعددة التي شهدها، فيما بدأ نهج التصفية الجسدية خارج إطار القانون للسياسيين منذ عهد مبارك بعد أن بدأت المواجهات المسلحة بين القوات النظامية والجماعات الجهادية، "وهي فترة شديدة الشبه بالوضع الحالي" بحسب توصيف مشترك للقانوني البرعي والباحث في علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الدراسات الأمنية علي الرجال.
وشهدت مصر خلال الفترة الملكية حالات تصفية جسدية خارج إطار القانون مثل ما جرى في الأريعينيات لمحمد منصور الملقب بخط الصعيد في مركز درنكة بمحافظة أسيوط جنوبي مصر، وفقا لإفادة الباحث الرجال، غير أن تلك الحالة انتقلت إلى الشق السياسي منذ مرحلة مبارك وحتى الآن.
شائعات إخوانية
يصف اللواء خالد حمدي مساعد وزير الداخلية لقطاع العلاقات والإعلام، الحديث عن عمليات تصفية جسدية خارج إطار القانون بـ"الأكاذيب الإخوانية"، "إذ دأبت جماعة الإخوان على ترديد ذلك لتدفع عن نفسها تهمة الإرهاب"، متابعا :"كلما ضبط أحد الإرهابيين وقتل أثناء المواجهات تخرج أبواق الإخوان لتتهم وزارة الداخلية بهذه الاتهامات، قبل أن يتابع "إذا كانت الشرطة متورطة في تصفية جسدية لماذا لا يقيم أهالي الضحايا دعاوى أمام القضاء؟!".
وتصنف حوادث التصفية خارج إطار القانون ضمن حالات القتل العمد طبقاً لقانون العقوبات، بحسب ما أوضحه المحامي الحقوقي محمد عبدالعزيز مدير مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، والذي أكد أن أهالي الضحايا لهم الحق في تقديم بلاغ يتهم العنصر الذي قام بتصفية الضحية بالقتل العمد، وبموجب القانون يجب أن ينظر في البلاغ ويتم التحقيق فيه مهما كانت وظيفة المتهم في وزارة الداخلية، غير أن الأزمة في تطبيق هذه النصوص تتمثل في عدم قدرة الأهل على إثبات حدوث تصفية خارج إطار القانون، بالإضافة إلى عدم معرفة الأهل بالقاتل الحقيقي بحسب عبدالعزيز وهو ما يعد ردا على تساؤل اللواء حمدي عن سبب عدم إقامة الأهل دعاوى قضائية، والتوجه إلى إدارة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية، وكذلك إدارة التفتيش للإبلاغ عن ذلك العنصر المتورط في قتل أبنائهم، على حد قوله، وهو ما تراه زوجة الشلقاني "رابع المستحيلات، متمتمة "حسبي الله ونعم الوكيل، إلى الله المشتكى".