وأكدت مصادر محلية في سقطرى لـ"العربي الجديد"، أمس الأربعاء، أنّ الجزيرة تعيش حالة من التوتر منذ أيام، على أثر تصعيد عناصر ما يُعرف بقوات "الحزام الأمني" التابعين لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات، تحركاتهم، ومحاولتهم السيطرة على ميناء سقطرى، جنباً إلى جنب مع تحركات موازية ضدّ السلطة المحلية التي ترفض تمكين هذه العناصر من السيطرة في الجزيرة.
وبعد ساعات من إعلان محافظ سقطرى رمزي محروس عن إحباط هجوم عناصر "الحزام الأمني" على ميناء الجزيرة أوّل من أمس الثلاثاء، شهدت سقطرى مسيرة لأنصار "الانتقالي"، رفع خلالها المشاركون شعارات معادية لمحروس ولوزير الثروة السمكية فهد كفاين (أحد أبناء المحافظة)، بعد أن كان الاثنان تعرضا للاعتداء والرشق بالحجارة أمام بوابة المجمّع الحكومي في منطقة قلنسية، يوم الاثنين الماضي.
ويعدّ التصعيد في سقطرى بهدف السيطرة على الميناء الوحيد في الجزيرة الاستراتيجية الواقعة في ملتقى البحر العربي والمحيط الهندي، الثاني من نوعه، إذ سبق أن سعت أبو ظبي للاستحواذ على مطار وميناء سقطرى بالقوة العسكرية أثناء تواجد رئيس الحكومة اليمنية السابق أحمد عبيد بن دغر في الجزيرة، أواخر إبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار 2018. وهي الخطوة التي مثّلت في حينه شرارة تدويل أزمة اليمن مع الإمارات، عبر رسالة رسمية بعثتها الحكومة الشرعية إلى مجلس الأمن الدولي، واشتكت فيها من تصرفات الإمارات، وسعيها لاحتلال ميناء ومطار سقطرى، دونما أي مبرر مقبول للتواجد العسكري لهذه الدولة في جزيرة يمنية أبعد ما تكون عن المحافظات التي تشهد معارك مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ويقول التحالف إنه يشارك فيها بطلب من الحكومة.
وعلى الرغم من إعلان السلطات المحلية في سقطرى دحر مهاجمي الميناء أوّل من أمس الثلاثاء، لا يزال الوضع متوتراً ومرشحاً لعودة التصعيد في أي لحظة، لا سيما مع استمرار تحركات العناصر الموالية لأبو ظبي، والتي تسعى لاستكمال فرض السيطرة الإماراتية في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية اليمنية، بعد أن تعاظم نفوذ الإمارات فيها إلى حدّ كبير خلال الأعوام الأخيرة.
إلى ذلك، كان لافتاً تزامن التصعيد في سقطرى مع تصعيد موازٍ في محافظة شبوة، حيث دشنت ما يعرف بـ"قوات النخبة الشبوانية"، الموالية للإمارات، حملة للسيطرة على مدينة عتق، مركز المحافظة، وخاضت اشتباكات مع القوات الحكومية، قبل أن تتقدّم في المدينة، التي لا يزال الوضع المتفجّر حولها مستمراً. وفي وقت لاحق أمس، قالت مصادر محلية في شبوة، إن القوات الموالية للإمارات هاجمت مطار مدينة عتق، في إطار محاولتها إتمام السيطرة على المدينة. ووفقاً للمصادر، فقد أقدمت قوات "النخبة الشبوانية" على محاصرة مطار عتق لمطالبة أفراد الأمن والجيش الحكوميين بتسليم المطار المتوقف عن العمل، قبل أن تنجح القوات الحكومية بصدّ محاولات هذه القوات باقتحام المطار.
وتعدّ شبوة من أهم المحافظات النفطية اليمنية، والتي أنشأت الإمارات فيها "قوات النخبة الشبوانية"، ومكنتها من السيطرة على العديد من المناطق تحت مسمى مكافحة "الإرهاب"، لكنها واجهت رفضاً محلياً وحكومياً أعاق بسط نفوذها في العديد من المناطق، وهو ما دفعها إلى التصعيد عسكرياً ضدّ قوات الأمن والجيش (الحكومية)، في هذه المحافظة.
من زاوية أخرى، يبدو لافتاً أنّ التصعيد العسكري الإماراتي في اليمن جاء بالتزامن مع اختتام رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك أول زيارة له إلى أبو ظبي، وهي الزيارة التي جاءت بعد أن تردّد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي شهوراً بالموافقة على دعوة إماراتية في هذا الخصوص.
وفي حين أنّ التصعيد يسبب إحراجاً كبيراً لرئيس الحكومة، إلا أنه يمكن تفسيره ضمن إطارين، الأول فشل أبوظبي في انتزاع مواقف تريدها من الحكومة اليمنية خلال زيارة عبد الملك، وبالتالي الشروع بتحركات ميدانية للتصعيد ضدّ الحكومة. والثاني لا يستبعد أن يكون التصعيد الإماراتي مبيتاً لكن أبوظبي حاولت من خلال دعوة عبد الملك تصوير معركتها كما لو أنها مع أطراف داخل الشرعية، وهو المبرر الذي يسعى حلفاء الإمارات لتسويقه لتصعيدهم ضد ما تبقى من وجود للدولة اليمنية في محافظات جنوب وشرق البلاد. على أن التصعيد يبقى مفتوحاً على الاحتمالات كافة والتي تعتمد على حدود أهداف أبو ظبي، وما إذا كانت ترى أنه آن الأوان لاستكمال إسقاط الشرعية اليمنية جنوباً، مع ما يمكن أن يحمله هذا الخيار من ارتدادات عكسية، بانكشاف أوراق أبو ظبي وبالتالي حصد مزيد من الإدانات اليمنية لتصرفاتها والحيلولة دون تحقيق ما تريد.