تنطلق اليوم الإثنين في جنيف الجولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، من دون أن يكون هناك أي مؤشر يفيد بأن مصيرها سيكون مختلفاً عن الجولتين السابقتين اللتين فشلتا جرّاء تمسك وفد النظام بتشتيت عمل اللجنة من خلال التطرق لقضايا خارج ولاية تفويض اللجنة والتشبث بمناقشتها مقابل رفض مناقشة المضامين الدستورية الأساسية. وفيما استبق المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون انطلاق الاجتماعات، بتأكيده يوم الجمعة الماضي، على ضرورة عدم توقع حصول معجزة في هذه الجولة، كان التصعيد المتعمد من قبل قوات النظام على جبهات إدلب، أمس الأحد، أي قبل يوم من انطلاق الجولة في جنيف، يشير إلى وجود نية لدى النظام لتعطيل الحل بشتى الوسائل، على الطاولة وفي الميدان.
ونجح بيدرسون بالتوفيق بين النظام والمعارضة، من أجل عقد الجولة الثالثة، بعد توقف لنحو عشرة أشهر، منذ انتهاء الجولة الثانية بالفشل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالاتفاق على ما سيتم مناقشته ضمن هذه الجولة. وكان بيدرسون أشار، إلى عدم توقع "معجزة" أو "نقطة تحول" في الجولة الثالثة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي تنطلق الإثنين في جنيف. وقال، في مؤتمر صحافي عقده الجمعة الماضي في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، إن مباحثات اللجنة الدستورية "عملية طويلة وشاقة"، معتبراً أن مفاوضات اللجنة "لن تشكل حلاً لإنهاء الحرب السورية"، لكنه أضاف "إذا تم التعامل مع مفاوضات اللجنة بشكل صحيح، فقد يفتح ذلك الباب أمام عملية سياسية أوسع ويساعد ببناء الثقة". وفي تصريح مختلف لوكالة "الأناضول" التركية، أعرب بيدرسون عن ثقته بنجاح الطرفين، المعارضة والنظام، في تحقيق تقدم خلال هذه الجولة، مشيراً إلى عدم اعتراضه على عقد لقاءات ثنائية في حال طلب الجانبان ذلك.
دعا بيدرسون لعدم توقع معجزة أو نقطة تحول في الجولة الحالية
من جهته أكد الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، هادي البحرة، أنه "نتيجة لجهود المبعوث الخاص، تم التوصل إلى توافق بخصوص جدول أعمال الجلسة المقبلة للجنة الدستورية السورية، بناء على ولاية اللجنة والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية، ومناقشة الأسس والمبادئ الوطنية". وأوضح، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أنه "في أي دستور يرد قسم من هذه المبادئ في مقدمته، والقسم الأكبر منها في باب المبادئ الأساسية"، مضيفاً أن بيدرسون قد "أعلن عن هذا التوافق في إحاطته إلى مجلس الأمن، وقد تزامن ذلك مع جائحة كورونا، ما جعل انعقاد الاجتماع فيزيائياً غير ممكن. لقد تمت دراسة خيارات عقد الاجتماع إلكترونياً، لكن ذلك لم يكن ممكناً بسبب بعض الصعوبات اللوجستية والتقنية". ونوه أنه "كما أشار بيدرسون، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، فهو قد حصل على تأكيدات من الطرفين على جهوزيتهما لعقد الاجتماع فيزيائياً الإثنين (اليوم) في جنيف. هذا فيما يخص اللجنة الدستورية، وهي واحدة من السلال الأربع في قرار مجلس الأمن 2254 (العام 2015). ونحن نؤكد على أن هيئة التفاوض تطالب الأمم المتحدة وكافة الأطراف الدولية والإقليمية بضرورة إعادة تفعيل المسار التفاوضي حول السلال الأخرى بأسرع وقت في جنيف".
وقبل يومين التقى رئيس هيئة التفاوض السورية في جنيف أنس العبدة مع بيدرسون، وذلك على هامش التحضيرات لانعقاد الجولة الثالثة، حيث استعرضا الاستعدادات من طرف هيئة التفاوض للانخراط بأعمال الجولة سعياً لإنجاحها، بحسب بيان نشرته الهيئة. وأضافت أن الحديث بينهما تمحور حول "الأوضاع في إدلب والمناطق المحررة وملف المعتقلين، وضرورة أن يتم العمل على تنشيط باقي سلال القرار 2254 بالتوازي مع سلة اللجنة الدستورية، والأخذ بعين الاعتبار متطلبات وطموحات 13 مليون نازح ولاجئ سوري".
وستقتصر مداولات الجولة الحالية على الهيئة المصغرة المؤلفة من 45 عضواً، (15 عن كل قائمة من القوائم الثلاث داخل اللجنة (نظام، معارضة، مجتمع مدني أو قائمة الأمم المتحدة)، كما المتفق عليه في الجولة الأولى من أعمال اللجنة. علماً أن اللجنة الدستورية تتألف كذلك من هيئة موسعة تضم 150 عضواً، 50 عن كل قائمة أو جهة. وكانت الجولة الثانية من أعمال اللجنة الدستورية قد فشلت في الانعقاد، على الرغم من وصول وفدي النظام والمعارضة إلى مقر الأمم المتحدة في 25 نوفمبر الماضي، ولا سيما بعد مغادرة وفد النظام قاعة الاجتماعات في مبنى الأمم المتحدة، بذريعة رفض ورقة قدمها لنقاش ما سماها "الثوابت والركائز الوطنية" قبل مناقشة البنود التي سيتم تضمينها في الدستور. وتضمنت الورقة التي تقدم بها رئيس وفد النظام للجنة الدستورية، أحمد الكزبري، نقاطاً عدة، منها "إدانة الإرهاب والتطرف والعنف والعمل على مكافحته، واعتبار كل من حمل سلاحاً خارج سلطة الدولة السورية إرهابياً، والتأكيد على وحدة واستقلال وسيادة سورية من خلال إدانة الاحتلال التركي والأميركي، وغيره من الوجود الأجنبي خارج موافقة الدولة السورية، والمطالبة بخروجه، والمطالبة برفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري من قبل دول غربية". وطلب الكزبري حينها من بيدرسون، قبيل بدء الجلسة، التوافق على هذه الورقة من قبل جميع الوفود كشرط لبدء المناقشات، لكن المعارضة، إلى جانب بيدرسون، أبديا تحفظاً على هذا الشرط، معتبرين أن مضامين الورقة لا تدخل ضمن تفاصيل أعمال اللجنة، ما أدى إلى فشل الجولة وقتها.
تسعى قائمة المجتمع المدني لتفسير "الثوابت" قبل إقرارها
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر ضمن القائمة الموسعة للمجتمع المدني في اللجنة الدستورية، أنه على الرغم من اتفاق النظام والمعارضة مع بيدرسون على مناقشة "الثوابت أو الركائز الوطنية" في هذه الجولة، بما تتضمنها من وحدة البلاد ومسألة الجيش والأمن وإدانة الاحتلالات، فإن ممثلي قائمتهم في اللجنة الدستورية سيسعون إلى تفسير هذه المبادئ قبل إقرارها. وأشار المصدر إلى أن هدف النظام من طرح مسألة "الاحتلالات" هو إدانة التدخل التركي بوصفه "احتلالاً"، من دون الاقتراب من التدخل الروسي.
وأضاف أن "قائمة المجتمع المدني تسعى لإحداث خرق في أعمال الجولة الحالية، بمناقشة مضامين دستورية، غير الثوابت الوطنية في حال كان هناك المجال لطرحها، كمبدأ اللامركزية، وفصل السلطات، وإصلاح السلطة القضائية، والمحكمة الدستورية، إضافة إلى العدالة الانتقالية"، منوهاً إلى أنهم في القائمة أعدوا أوراقاً لكل مضمون من هذه المضامين لطرحها في حال سنحت الفرصة.
وعما إذا كانت قائمة المعارضة ستناقش مضامين دستورية غير الثوابت الوطنية ضمن الجولة، أشار عضو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة يحيى العريضي إلى أن "الأسس والثوابت والمبادئ الوطنية هي الدستور أساساً، وتُعد الحالة الثابتة الناظمة للحياة، وكل ما يتضمنه الدستور يُعد من الثوابت، ومن الممكن لجدول الأعمال التطرق للعناصر المشكلة للثوابت الوطنية التي سيتضمنها الدستور، من مضامين اجتماعية واقتصادية وسياسية ناظمة للحياة. وهناك احتمال لمناقشة كل شيء". وأضاف، في حديثه لـ"العربي الجديد": "أما إذا أُخذَت بالمعنى الضيق الذي يقصده النظام، كأبدية الرئيس، وإحكام قبضته على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، أو كان يقصد بهذه الثوابت البروباغندا التي سمعناها لعقود كسيادة سورية، وهي للأسف من وجهة هذا النظام منتهكة، فهذه ليست ثوابت. نحن نريد ثوابت حقيقية وليس ادعائية أو دعائية. وإذا كان الثابت أن الجيش والأمن لا يُمسّان، فهذا تكريس للبطش واللاأمان. السوريون يريدون جيشاً لحماية الأرض والمواطن وليس انتهاك الحياة والتفريط بسورية للمحتل. الثوابت والأسس الوطنية الحقيقية هي ما يريده كل سوري في وطن حر، سيد كريم ديمقراطي، لكل المواطنين".
وتشير فرضيات إلى أن النظام يحاول تعطيل أعمال اللجنة لحين تاريخ استحقاق الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عام. وبذلك يكون نجح في إفشال عمل اللجنة في حال نجح بالتمديد لبشار الأسد كرئيس لسبع سنوات إضافية. وعلق العريضي على ذلك بأنه عندما تكون انتخابات مجلس الشعب التي نفذتها المخابرات وحزب البعث، الذي لم يعد قائداً للدولة والمجتمع بحسب دستور 2012 بعد حذف المادة الثامنة، ليست أكثر من مسرحية هزأ العالم منها واعتبرها فاقدة للشرعية وإجراء لعرقلة العملية السياسية التي أقرها القرار 2254، فإنه حتى انتخابات الرئاسة لن تكون إلا مسرحية، أقل شرعية وأكثر عرقلة لأي عملية سياسية. ومن هنا فالمتوقع وفقاً للعريضي "أن يسعى النظام إلى عرقلة عمل اللجنة الدستورية لعرض مسرحية مشابهة، لكنه لن يفرح بذلك، فالجهات المسؤولة عن بقائه لم يبق أمامها إلا إنجاح العملية السياسية وإنتاج دستور جديد للبلاد، بانتخابات حقيقية، سواء لمجلس الشعب أو الرئاسة تحت إشراف الأمم المتحدة، يعبر فيها كل السوريين بحرية وموضوعية عن إرادتهم ورسم مستقبل بلدهم الذي يستحقون".
وقبيل يوم من انطلاق الجولة، شهدت جبهات الشمال الغربي من سورية أمس تصعيداً محدوداً بين قوات المعارضة والنظام، في خطوة تُقرأ على أنها تأتي كمحاولة من قبل النظام لتشتيت عمل اللجنة ومحاولة استفزاز الطرف المقابل له فيها. وفي هذا الصدد، قتل وأصيب 10 عناصر من قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها، أمس الأحد، نتيجة استهدافهم بصاروخ حراري موجّه أثناء محاولتهم التسلّل من محور بلدة حزارين في منطقة جبل الزاوية، جنوبي إدلب، وفق ناشطين محليين.
ومنذ بداية أغسطس/آب الحالي، حاولت قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها مراراً إحداث خرق في محور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، لكن من دون جدوى، حيث تلقى في كل مرة مقاومة من فصائل المعارضة السورية التي تكتفي بالدفاع عن مناطقها من دون شن أي هجوم مضاد. وتنشر قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المساندة لها مدافع وراجمات صواريخ في محيط مدينة كفرنبل وعدة قرى في ريف إدلب الجنوبي، تستهدف بشكل شبه يومي بلدات وقرى جبل الزاوية الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وحتى اللحظة يبدو أن الجانبين الروسي والتركي حريصان على استمرار اتفاق موسكو المبرم في مارس/آذار الماضي، والذي أرسى دعائم وقف إطلاق النار في محافظة إدلب بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، والذي تتخلله خروقات محدودة من قبل هذه القوات التي تستهدف بالمدفعية والصواريخ المناطق الخارجة عن سيطرتها. وعلى الرغم من ذلك لا يزال الاتفاق التركي - الروسي يحكم محافظة إدلب التي تضم نحو 4 ملايين مدني، جلهم نازحون ومهجرون من قبل النظام من مختلف المحافظات السورية.
لكن من المتوقع أن يواجه هذا الاتفاق تحديات كبيرة في حال فشل الجولة الجديدة من المفاوضات بشأن الدستور بين المعارضة والنظام، الذي لا يزال حتى اللحظة بعيداً عن المسار السياسي، بل يسعى لكسب الوقت لتمييع القضية السورية، على الرغم من أن المعطيات الميدانية تؤكد أن النظام غير قادر على الحسم العسكري، سواء في الشمال الغربي من سورية أو شمالها الشرقي حيث تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). ولا يبدو، حتى الآن، أن موسكو في وارد تقديم الغطاء السياسي والعسكري لأي أعمال عسكرية واسعة النطاق في الشمال الغربي من سورية، الذي وضع فيه الجيش التركي آلاف الجنود والأسلحة الثقيلة في عشرات النقاط العسكرية وأكثر من قاعدة كبرى، وهو لا يزال يدفع بتعزيزات إلى داخل نقاطه وقواعده داخل محافظة إدلب بشكل يومي.