تصعيدٌ محتمل شمالي حلب رهن تفاهمات اجتماعات "أستانة"

30 يونيو 2017
جندي أميركي في مدينة الطبقة السورية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

بات من شبه المؤكد، أن مناطق النفوذ والسيطرة الحالية بريف حلب الشمالي، التي تشهد توتراً بين فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من عملية "درع الفرات" التركية من جهة، والوحدات الكردية المنضوية في صفوف "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة أميركياً من جهة أخرى، مقبلةٌ على تغيراتٍ ميدانية قريبة؛ فرغم اختلاف التحليلات، حول السيناريوهات المتوقعة والمُرتقبة، إلا أنها بالمحصلة ترجّح حصول تحرك عسكري تركي "حذر" قريباً، لتقويض طموحات "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي. أما الترجيحات التي تعزز احتمالية بدء تحركٍ عسكريٍ تركي قريباً بالتعاون مع فصائل الجيش الحر التي تدعمها أنقرة، في مناطق تخضع حالياً لسيطرة الوحدات الكردية، فإنها تُعزز هذه الاحتمالية، بالربط بين تحركات عسكرية في تلك المناطق، وما يجري من مباحثاتٍ وتفاهمات بين الدول الثلاث الضامنة لمناطق "تخفيف التصعيد" الأربع، تمهيداً لإقرار اتفاقٍ في اجتماعات أستانة يومي الرابع والخامس من الشهر المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار، ما نشرته صحف تركية عن أبعاد وجغرافية التحرك التركي المفترض.

ورأى مصدرٌ في المعارضة السورية، أن "ما يحصل من تطورات شمالي حلب وفي محيط عفرين تحديداً، جزءٌ من مسار أستانة لتنفيذ اتفاق مناطق تخفيض التصعيد، ويصل هذا الاتفاق لمرحلة مناطق منزوعة التوتر"، مرجحاً أن يحصل توافق تركي –روسي لإزالة  الوحدات الكردية من شمالي حلب، وهذا مرهون بما سيظهر من معطيات في اجتماع أستانة المقبل"، منوهاً بأن "أي تحركٍ لتركيا شمالي سورية، سيكون حذراً وبطيئاً وفق جملة تعقيداتٍ كثيرة، ومن بينها أن إحالة ادارة مناطق إدلب لتركيا وفق تفاهم روسي، سيشعل لا شك مواجهة مع جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حالياً)".

وبرز في هذا السياق مؤشرٌ، أمس الخميس، تمثل وفق شهود عيان، بانسحاب "رتل عسكري لقوات روسية من معسكر قرية كفر جنة شرق مدينة عفرين، باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في حلب. معظم القوات الروسية وآلياتها ومدرعاتها انسحبت من المعسكر الواقع بمناطق خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ولم يبقَ إلا القليل منها".



مع العلم بأن هذه القوات الروسية، التي أنشأت قاعدة عسكرية في قرية كفر جنة شرقي مدينة عفرين، الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، كانت قد دخلت للمنطقة قبل نحو ثلاثة أشهر، إثر تحركاتٍ عسكرية تركية على الطرف المقابل للحدود داخل تركية، للحيلولة دون إمكانية توسع مناطق سيطرة "درع الفرات"؛ وانسحاب جزء كبير منها وفق شهود عيان في المنطقة، يُعزز فرضية حصول توافق تركي – روسي حديثاً، لتغيير خريطة النفوذ العسكري بريف حلب الشمالي لصالح تركيا، التي تصنف القوات المُسيطرة تحت غطاء "قوات سورية الديمقراطية" على عفرين ومناطق أخرى شرقها (أهمها تل رفعت ومطار منغ) تنظيماً إرهابياً، يشكل خطراً على أمن أنقرة القومي.

وفي حين لا يمكن فصل التطورات الآخذة بالتسارع شمالي حلب، عن تغيراتٍ إقليمية متمثلة برسم تحالفات جديدة بين أبرز القوى التي لها مصالح في سورية، فإن بلورة صورة نهائية لمآلات التحركات العسكرية حالياً شمالي حلب، مرهونة الآن بخرائط مناطق "تخفيض التصعيد" التي يتم إعدادها بين الدول الثلاث الضامنة لهذا الاتفاق، والتي تستعد لعقد اجتماع قد يكون حاسماً في مسار هذه الاتفاقية وخرائط وآليات التنفيذ في أستانة.
وذكر نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي قايناق، أنه "ينبغي تطهير منطقة عفرين من الإرهابيين لتحقيق الاستقرار في المنطقة"، معتبراً أن "ذلك يضمن أمن أعزاز ومارع والباب ومناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة السورية شمالي سورية".

بدوره، رأى المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، أن "القصف التركي قبل يومين لمواقع المجموعات الإرهابية الكردية في ريف حلب الشمالي، جاء للرد على اعتداء هذه المليشيات ضد مواقع فصائل الجيش الحر المنضوية بدرع الفرات، وهذا لا يعني بالضرورة بدء عملية عسكرية تركية كبيرة شمالي حلب". لكنه أضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "احتمالية بدء عملية عسكرية تركية كبرى على غرار درع الفرات، تبقى واردة. وهناك خطط عسكرية كشفتها تقارير إعلامية حول تحضيرات لمواجهة احتمالات عدة، وأهمها مواجهة المجموعات الإرهابية الكردية لمنعها من إقامة أي كيانات تهدد أمن تركيا القومي".



ولفت يلماز إلى أن "موعد انطلاق هذه العملية، إن تمت التحضيرات لها، يتوقف على طبيعة التوافقات والتوازنات السياسية لأنقرة مع حلفائها والقوى الكبرى الموجودة في سورية"، مرجحاً في نفس الوقت، بأن هذه العملية "من المحتمل أن تكون محدودة في ريف حلب الشمالي بمحيط تل رفعت وقاعدة منغ الجوية التي تسيطر عليها المليشيات الكردية". وأضاف بأن "التحركات العسكرية التركية الحالية تأتي في إطار التحضيرات لأي عملية عسكرية في ريف حلب الشمالي، وفي محيط عفرين"، التي اعتبرها في حديثه "معقلاً للإرهاب وتركيا لن تسمح بوجود كيانات إرهابية على حدودها ومستعدة لشن أي عمل عسكري يحفظ أمنها القومي".

أما رئيس المكتب السياسي لـ"لواء المعتصم" التابع للجيش الحر، مصطفى سيجري، الذي كان يفاوض قوى كردية برعاية التحالف الدولي لإبرام اتفاق لم ينجح، وكان يقضي باستلام اللواء زمام السيطرة في مناطق عربية تسيطر عليها الوحدات الكردية بريف حلب الشمالي في تل رفعت ومحيطها، فأشار إلى  حقيقة انسحاب قوات روسية من قرية كفرجنة شرقي عفرين، والمؤشرات المترتبة على ذلك، لكنه شدّد على أنه "لا تأكيدات حتمية بأن الروس أخلوا تواجدهم هناك بشكل كامل". لكنه رجح بأن "الروس سينهون تواجدهم هناك بشكل كامل، لأنه من المتوقع أن يكونوا قد توصلوا لتفاهم مع الحكومة التركية بذلك".

وأضاف سيجري بأن "وجود القاعدة الروسية كان نتيجة الكتاب الذي قدمه التحالف الدولي للواء المعتصم"، الذي كان من المفروض أن يصبح القوة المسيطرة على القرى العربية التي تخضع لسيطرة الوحدات الكردية، و"القوات الروسية أتت إلى المنطقة أساساً يوم أصدر التحالف الدولي كتاباً يتضمن تسلم لواء المعتصم القرى العربية التي تخضع لسيطرة الأكراد".

كما أضاف، أنه "خلال جلسات التفاوض مع القوى الكردية المسيطرة على عفرين، تبين أن هذه القوى الكردية ليست على رأي واحد، فبعضها ميالٌ لاتّباع واشنطن وما تتوصل له من تفاهمات، والبعض الآخر كان متخوفاً من الارتهان الكامل للموقف الأميركي خشية تنصل واشنطن من اتفاقٍ ترعاه عن القوى الكردية؛ وعليه فإن بعض القوى الكردية في عفرين كانت ترى ضرورة لتحالفٍ مع الروس، وهو ما أفضى بالنهاية لاستقدام الروس إلى عفرين". ورأى بأنه "سيتم وفق تفاهم تركي – روسي إنتاج قوى كردية (شرطة محلية كردية) في عفرين، تكون هي القوة النافذة، بدل وحدات حماية الشعب الكردية، المصنفة إرهابية في أنقرة".

أما موقف "قوات سورية الديمقراطية" التي تعتبر "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، فبدا تصعيدياً كما هو متوقع، حيال التطورات الجارية حالياً بريف حلب الشمالي، مع اعتقادها بوجود "احتمال كبير لظهور مواجهات مفتوحة وقوية" مع القوات التركية شمالي حلب، وفق ما أعلنه ناصر حاج منصور، وهو مستشارٌ ضمن "قوات سورية الديمقراطية"، متابعاً بأن قواته "اتخذت قراراً بمواجهة القوات التركية إذا هم حاولوا تجاوز الخطوط المعروفة" في المنطقة شرقي عفرين.