05 نوفمبر 2024
تصريحات دي ميستورا.. واقعية أم انحياز للنظام؟
أثارت تصريحات مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أخيرا، وطالب فيها المعارضة السورية بالواقعية والإقرار بالهزيمة أمام النظام الأسدي، سخط معظم أوساط المعارضة واستنكارها، وخصوصا الهيئة العليا للتفاوض التي اعتبرها منسقها العام، رياض حجاب، تصريحاتٍ غير مسؤولة، وتعكس سقوط الوساطة الأممية ممثلة بشخص دي ميستورا، فيما اعتبر كبير مفاوضي وفد المعارضة إلى جنيف، محمد صبرا، أن دي ميستورا لم يعد وسيطاً مقبولاً، لأنه فقد حياده، وتكلم كجنرال روسي.
واللافت أن تصريحات دي ميستورا تزامنت مع إعلان لجنة التحقيق الأممية أن نظام الأسد قام بهجمات بالأسلحة الكيميائية سبعا وعشرين مرة خلال حربه الشاملة ضد الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، واستخدم غاز السارين في هجومه على بلدة خان شيخون في أبريل/ نيسان الماضي. ولذلك اعتبرت أوساط المعارضة السورية التصريحات أنها جاءت للتغطية على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، حسب التقرير الأممي.
ولعل الكلام عن الواقعية يذكّرنا بأن دي ميستورا لم يطالب نظام الأسد بالواقعية، والإقرار بخسارة الحرب قبيل التدخل العسكري الروسي المباشر، حين فقد النظام السيطرة على معظم سورية، وكان يسيطر على أقل من ربع مساحتها خلال النصف الثاني من العام 2015، حيث أظهرت الوقائع الميدانية والعسكرية تقدماً كبيراً للمعارضة السورية المسلحة، وتراجع قوات النظام في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بعد أن سيطرت فصائل الجبهة الجنوبية على معظم محافظة درعا، بما فيها المعابر الحدودية مع الأردن. وحدث الأمر نفسه في جبهة إدلب وريفها، حيث تم دحر قوات النظام وإخراجها من مدينة إدلب وما حولها، ثم سيطرت
المعارضة على مدينة جسر الشغور، وهو أمر اعترف به وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حين قال إنه لولا التدخل الروسي لسقط النظام خلال أسبوع أو أسبوعين.
ولا شك في أن دي ميستورا يريد أن يستثمر، في تصريحاته، ما تشهده القضية السورية من تطورات ومتغيرات خطيرة في أيامنا هذه، في ظل انعدام أي أفق حقيقي لحل سياسي يحقق طموحات الشعب السوري في الحرية والخلاص من الاستبداد، وتحول الصراع في سورية وعليها إلى تقاسم نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية التي تخوض في الدم السوري، وتضع مصالحها القومية والأمنية فوق أي اعتبار، وباتت تنظر إلى القضية السورية وفق ما تراه روسيا نزاعاً أهلياً، يحتاج إلى تبريد الجبهات، بغية تهدئة الأوضاع، عبر عقد مصالحات واتفاقات وقف إطلاق النار، وتقسيم سورية إلى مناطق خفض للتصعيد وأخرى مستثناة منه، إلى جانب مناطق السيطرة والنفوذ الأميركي والروسي والإيراني وسواها، وفق ما تقوم به هذه القوى، وتحاول تثبيته على الأراضي السورية.
والخطير في الأمر أن دي ميستورا ينحاز إلى ما يقوم به الروس والأميركيون والإيرانيون، والذي يهدف إلى إعادة إنتاج نظام الأسد، وإبقائه جاثماً من جديد على صدور السوريين. لذلك أراد من تصريحاته إيصال رسالة إلى المعارضة السورية، لكي تذعن لما تتطلبه المتغيرات والتطورات الجديدة، وإلزامها بمخرجات هذه التطورات ومفاعيلها.
ولعله يُراد من قضية توحيد المعارضة التي يركز عليها دي ميستورا إدخال أعضاء منصتي موسكو والقاهرة إلى الهيئة العليا للتفاوض، بغية تطويع المعارضة السورية وفق سياسات الساسة الروس والأميركيين ورغباتهم وتوجهاتهم، كي تقبل بالأسد خلال المرحلة التفاوضية وما بعدها، وهو أمر يرفضه السوريين الذين خرجوا طلباً للحرية واسترجاع الكرامة والخلاص من الاستبداد، وليس لكي يحققوا نصراً عسكريا، حسبما يزعم دي ميستورا الذي لا تغيب عنه محاولة استغلال ما جرى في الجولة الرابعة من جولات جنيف التفاوضية، التي لم تكن جولات تفاوض بالمعنى الحقيقي للتفاوض، بقدر ما كانت مشاورات ومباحثات بينه وبين مختلف الوفود، حيث استغل دي ميستورا هفوة قبول الوفد التفاوضي اقتراحات سلاله الأربع التي أعطى فيها الأولوية لمكافحة الإرهاب، نزولاً عند رغبة وفد النظام والروس، ثم راح يطالب بوفد تفاوضي موحد، فرضح وفد الهيئة العليا، وقبل الذهاب إلى الجلسة الافتتاحية مع وفد
منصتي القاهرة وموسكو في قاعة واحدة مع وفد النظام، الأمر الذي اعتبره دي ميستورا إنجازاً كبيراً، وراح يطالب بتشكيل وفد موحد للمعارضة بمنصاتها الثلاث، وزاود الساسة عليه بضرورة ضم ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، صاحب المشاريع الانفصالية عن سورية.
مشكلة دي ميستورا أنه يتصرف كموظف أممي، يريد الحفاظ على موقعه، ولا يعنيه كثيراً سيلان الدم السوري، أو تحطيم الثورة السورية والضرب بطموحات شعبها في التغيير السياسي، بل تعنيه مخططات الدول الخائضة في الدم السوري التي ركزت خلال السنوات السبع الماضية على إدارة الملف السوري، بوصفه أزمةً يجب تجنب إرهاصاتها الخارجية. لذلك حين بات الروس أصحاب كلمة قوية في هذه الأزمة، استدار نحوهم طالباً رضاهم، وبات ينظر مثلهم إلى الثورة السورية أنها مجرد نزاع داخلي، أهلي طائفي، وذلك بعد أن مكّنت الآلة العسكرية الروسية النظام من إعادة السيطرة على مناطق عديدة في سورية، وتقاسمت موسكو النفوذ مع واشنطن وطهران، وها هي تقوم بمحاولات لإعادة فرض الأسد على السوريين، ثم جاء الدور على إعادة تطويع المعارضة، لكي توافق على هذه العملية، خصوصا وأنها تحضر لعقد اجتماع الرياض 2، وستكون كل الاحتمالات مفتوحة عند انعقاده المرتقب.
ويبقى أن المسألة السورية هي مسألة شعب يتطلع إلى الحرية وبناء سورية جديدة، لا مكان فيها لحكم آل الأسد، وليست كما يصورها دي ميستورا في خسارة المعارضة عسكرياً أو انتصار معسكر النظام وحلفائه، وستبقى كذلك إلى أن يحقق هذا الشعب طموحاته.
واللافت أن تصريحات دي ميستورا تزامنت مع إعلان لجنة التحقيق الأممية أن نظام الأسد قام بهجمات بالأسلحة الكيميائية سبعا وعشرين مرة خلال حربه الشاملة ضد الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، واستخدم غاز السارين في هجومه على بلدة خان شيخون في أبريل/ نيسان الماضي. ولذلك اعتبرت أوساط المعارضة السورية التصريحات أنها جاءت للتغطية على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، حسب التقرير الأممي.
ولعل الكلام عن الواقعية يذكّرنا بأن دي ميستورا لم يطالب نظام الأسد بالواقعية، والإقرار بخسارة الحرب قبيل التدخل العسكري الروسي المباشر، حين فقد النظام السيطرة على معظم سورية، وكان يسيطر على أقل من ربع مساحتها خلال النصف الثاني من العام 2015، حيث أظهرت الوقائع الميدانية والعسكرية تقدماً كبيراً للمعارضة السورية المسلحة، وتراجع قوات النظام في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بعد أن سيطرت فصائل الجبهة الجنوبية على معظم محافظة درعا، بما فيها المعابر الحدودية مع الأردن. وحدث الأمر نفسه في جبهة إدلب وريفها، حيث تم دحر قوات النظام وإخراجها من مدينة إدلب وما حولها، ثم سيطرت
ولا شك في أن دي ميستورا يريد أن يستثمر، في تصريحاته، ما تشهده القضية السورية من تطورات ومتغيرات خطيرة في أيامنا هذه، في ظل انعدام أي أفق حقيقي لحل سياسي يحقق طموحات الشعب السوري في الحرية والخلاص من الاستبداد، وتحول الصراع في سورية وعليها إلى تقاسم نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية التي تخوض في الدم السوري، وتضع مصالحها القومية والأمنية فوق أي اعتبار، وباتت تنظر إلى القضية السورية وفق ما تراه روسيا نزاعاً أهلياً، يحتاج إلى تبريد الجبهات، بغية تهدئة الأوضاع، عبر عقد مصالحات واتفاقات وقف إطلاق النار، وتقسيم سورية إلى مناطق خفض للتصعيد وأخرى مستثناة منه، إلى جانب مناطق السيطرة والنفوذ الأميركي والروسي والإيراني وسواها، وفق ما تقوم به هذه القوى، وتحاول تثبيته على الأراضي السورية.
والخطير في الأمر أن دي ميستورا ينحاز إلى ما يقوم به الروس والأميركيون والإيرانيون، والذي يهدف إلى إعادة إنتاج نظام الأسد، وإبقائه جاثماً من جديد على صدور السوريين. لذلك أراد من تصريحاته إيصال رسالة إلى المعارضة السورية، لكي تذعن لما تتطلبه المتغيرات والتطورات الجديدة، وإلزامها بمخرجات هذه التطورات ومفاعيلها.
ولعله يُراد من قضية توحيد المعارضة التي يركز عليها دي ميستورا إدخال أعضاء منصتي موسكو والقاهرة إلى الهيئة العليا للتفاوض، بغية تطويع المعارضة السورية وفق سياسات الساسة الروس والأميركيين ورغباتهم وتوجهاتهم، كي تقبل بالأسد خلال المرحلة التفاوضية وما بعدها، وهو أمر يرفضه السوريين الذين خرجوا طلباً للحرية واسترجاع الكرامة والخلاص من الاستبداد، وليس لكي يحققوا نصراً عسكريا، حسبما يزعم دي ميستورا الذي لا تغيب عنه محاولة استغلال ما جرى في الجولة الرابعة من جولات جنيف التفاوضية، التي لم تكن جولات تفاوض بالمعنى الحقيقي للتفاوض، بقدر ما كانت مشاورات ومباحثات بينه وبين مختلف الوفود، حيث استغل دي ميستورا هفوة قبول الوفد التفاوضي اقتراحات سلاله الأربع التي أعطى فيها الأولوية لمكافحة الإرهاب، نزولاً عند رغبة وفد النظام والروس، ثم راح يطالب بوفد تفاوضي موحد، فرضح وفد الهيئة العليا، وقبل الذهاب إلى الجلسة الافتتاحية مع وفد
مشكلة دي ميستورا أنه يتصرف كموظف أممي، يريد الحفاظ على موقعه، ولا يعنيه كثيراً سيلان الدم السوري، أو تحطيم الثورة السورية والضرب بطموحات شعبها في التغيير السياسي، بل تعنيه مخططات الدول الخائضة في الدم السوري التي ركزت خلال السنوات السبع الماضية على إدارة الملف السوري، بوصفه أزمةً يجب تجنب إرهاصاتها الخارجية. لذلك حين بات الروس أصحاب كلمة قوية في هذه الأزمة، استدار نحوهم طالباً رضاهم، وبات ينظر مثلهم إلى الثورة السورية أنها مجرد نزاع داخلي، أهلي طائفي، وذلك بعد أن مكّنت الآلة العسكرية الروسية النظام من إعادة السيطرة على مناطق عديدة في سورية، وتقاسمت موسكو النفوذ مع واشنطن وطهران، وها هي تقوم بمحاولات لإعادة فرض الأسد على السوريين، ثم جاء الدور على إعادة تطويع المعارضة، لكي توافق على هذه العملية، خصوصا وأنها تحضر لعقد اجتماع الرياض 2، وستكون كل الاحتمالات مفتوحة عند انعقاده المرتقب.
ويبقى أن المسألة السورية هي مسألة شعب يتطلع إلى الحرية وبناء سورية جديدة، لا مكان فيها لحكم آل الأسد، وليست كما يصورها دي ميستورا في خسارة المعارضة عسكرياً أو انتصار معسكر النظام وحلفائه، وستبقى كذلك إلى أن يحقق هذا الشعب طموحاته.