تصحّر أراضي مصر... استنفاد خصوبة التربة وتملحها يفاقمان القحل

25 فبراير 2019
86%‏ من مساحة مصر ضمن الأراضي شديدة القحولة(العربي الجديد)
+ الخط -
 
 

بارت أرض المزارع المصري إبراهيم رمضان، بعد تملح أفدنته الخمسة (الفدان يساوي 0,42 هكتار) والتي كان يرويها من مياه ترعة المحمودية المجاورة لأرضه الواقعة في منطقة أبيس بمحافظة الإسكندرية الساحلية، إذ تراكمت الأملاح الزائدة الناتجة من مياه الري المخلوطة بالصرف الصحي وارتفاع نسبة المياه الجوفية في التربة، ما أدى إلى تدهور إنتاجية أرضه الزراعية تدريجيا حتى بارت ودخلت ضمن قائمة الأراضي التي تعرضت للتصحر في مصر خلال عام 2018، كما يقول لـ"العربي الجديد".

وتدخل أرض المزارع رمضان التي خرجت عن الرقعة القابلة للزراعة في مصر ضمن قائمة المناطق المصرية التي تعاني من ظاهرة التصحر والتي تعرّف بأنها تدهْـور الأراضي في المناطق الجافة وشِبه الجافة وشِبه الرطْـبة نتيجة عوامل شتى طبيعية وبشرية، بما يؤدي إلى فقدان الأرض قدرتها على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة بحسب المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتي اعتمدت في باريس يوم 17 يونيو/حزيران من عام 1994 ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول من عام 1996.

وتحتل مصر المرتبة الأولى عالمياً في ظاهرة التصحر بحسب ما أعلنته في يونيو/حزيران من عام 2011 السكرتارية التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة ظاهرة التصحر التي تحدث بسبب مجموعة من العوامل الجيولوجيّة، والبيولوجيّة، والبشريّة، والمناخيّة المؤدّية إلى تدهور المقومات الفيزيائيّة، والكيميائيّة، والبيولوجيّة للأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، ما يؤدّي إلى التأثير على التنوّع البيئي والمجموعات البشرية وفق دليل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" الصادر في يونيو/حزيران من عام 2010.



خارطة المناطق الأكثر تدهوراً في مصر

تنقسم الأماكن الأكثر تصحراً والمهددة بالتصحر في مصر إلى 4 أقاليم لكل منها أسبابه الخاصة بحسب ما يكشف عنه تقرير المناطق الأكثر تصحراً وتدهوراً في مصر والمعد من قبل مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة في عام 2018، والذي حدد إقليم الساحل الشمالي في مقدمة تلك المناطق، ويضم كلا من: منطقة الحمام وبرج العرب بالإسكندرية ومرسى مطروح ومنطقة أبيس وسهل الطينة. ويعاني الإقليم تدهورا شديدا للغاية وتصحرا نتيجة تملح الأراضي وارتفاع مستوى المياه الأرضي ويليه إقليم دلتا النيل والوادي ويضم: كفر الشيخ ورشيد ودمنهور وبني سويف وسوهاج والمنيا.

وبسبب التملح، وارتفاع مستوى المياه الأرضي، والبناء على الأراضي الزراعية تدهورت أراضي هذا الاقليم وتعرضت للتصحر وفق التقرير المرسل إلى مكتب الأمم المتحدة لمكافحة التصحر العام الماضي، والذي جاء فيه أن أسباب التصحر في إقليم الصحراء الغربية، ويضم: الفيوم والواحة البحرية وواحة الفرافرة وبعض المناطق المحدودة بالوادي الجديد، ترجع إلى التملح وارتفاع مستوى المياه الأرضي، بينما تدهورت الأراضي في إقليم الصحراء الشرقية وسيناء ويضم: الغردقة والعريش وشرق القنطرة وحلايب وشلاتين وأبو رماد (على الحدود مع دولة السودان) نتيجة أسباب طبيعية بيئية ومنها الانجراف بالمياه نتيجة السيول أو الرياح.

ونتيجة لتدهور الأراضي في تلك المناطق ودخولها ضمن حيز التصحر، خسرت مصر 2 مليون فدان في شمال وشرق الدلتا، بحسب إفادة رئيس مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة المصرية الدكتور رأفت خضر والذي قال لـ"العربي الجديد": "التوسع العمراني وتملح الأراضي الزراعية والتلوث واستنفاد خصوبة التربة والتدهور الفيزيائي للأرض وانجراف التربة والكثبان الرملية، تؤدي إلى خسارة مصر سنوياً 30 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية والقابلة للزراعة".
 

 
 


أسباب تصحر الأراضي الزراعية

تعاني أراضي الزراعة المروية في الوادي والدلتا من آثار جانبية للري بسبب عدم وجود نظام فعال للصرف، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع المياه الجوفية، وتراكم الأملاح، ما يقلل من إنتاجيتها وفق ما جاء في دراسة "واقع تغير المناخ والتصحر في مصر" التي أعدها الدكتور علي عبد الرحمن علي رئيس الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة. وبحسب الدراسة، إن أراضي الواحات والمناطق الغربية من (شمال سيناء، والمنيا، وأسيوط، والشاطئ الغربي من بحيرة ناصر) تعاني من التصحر، نتيجة لغزو الكثبان الرملية، ناهيك بمخاطر تصحر أخرى على الأراضي المروية، ومنها استنزاف رصيد عناصر غذاء النبات بها لتوالي زراعتها بمحاصيل مجهدة وتلويثها ببقايا المبيدات ومخلفات المصانع والصرف الصحي وتدهور خصوبة التربة.

ويزيد من مشكلات تراكم المياه والأملاح في الأراضي عوامل أخرى، منها انخفاض منسوب أراضي المنطقة بالنسبة للأراضي المجاورة، وارتفاع تراكيز الأملاح في مياه الري، أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية إلى الحد الحرج، وتزداد الملوحة والصودية في مناطق الأطراف الشمالية للدلتا (محافظة كفر الشيخ) لانخفاض منسوبها من جهة، وانخفاض جودة ونوعية مياه الري من جهة أخرى، كما ينتشر هذا التصحر في واحات الصحراء الغربية خاصة واحة سيوة، نظرا للإسراف الشديد في الري، دون وجود نظم للصرف وفقا لدراسة واقع تغير المناخ والتصحر في مصر، التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها.



لماذا تتملح الأراضي في مصر؟


تعاني مصر من قلة الموارد المائية مع الاستغلال غير المرشَّد لها ونُظم الري التقليدية‏ (‏الري السطحي‏)،‏ ووجود عمليات الصرف السطحي، ما أدى إلى تصاعد ظاهرة تملح الأراضي Soil salinity بسبب ارتفاع مستوى الملح في التربة نتيجة تراكم الأملاح الزائدة بسبب تشبعها بالماء عالي الملوحة، ما يؤدي إلى تكوين طبقة ملحية تكون "نواة تصحر الأرض" بحسب ما أوضحه الباحث المتفرغ بقسم الإنتاج النباتي بمركز بحوث الصحراء الدكتور منير صبحي برسوم لـ"العربي الجديد" قائلا: "توجد عوامل أخرى تؤدي إلى تملح الأرض مثل الري بالمياه الجوفية مرتفعة الملوحة، أو الري بمياه مخلوطة بمياه الصرف الزراعي التي تحتوي على نسبة عالية من الأملاح والمعادن، فضلا عن أن الزراعة التقليدية، مكثفة ومجهدة للأرض، نتيجة الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية والمبيدات‏، إضافة إلى القضاء على الكائنات الحية تحت سطح التربة والتي لها دور أساسي في زيادة خصوبة التربة وحفظ التوازن البيولوجي بينها وبين غيرها من الكائنات الحية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان النباتات غير المتحملة للملوحة، كمورد بيولوجي واقتصادي مهم يحدث خللا في التوازن البيئي، وتدهور الأرض وانخفاض إنتاجيتها ومن ثم بوارها وتصحرها".

وتعتبر 30% من الأراضي الزراعية المروية في مصر من الأراضى المتأثرة بالأملاح بدرجات متفاوتة Salt affected soils وفق ما وثقه تقرير "حالة البيئة في مصر" الصادر عن وزارة البيئة المصرية ديسمبر/كانون الأول 2006 والذي لفت إلى أن عمليات غدق (ري) الأراضي من أبرز أسباب تدهور الأراضي الزراعية في مصر، بسبب سوء إدارة المياه في مجال الزراعة، المتمثل في اتباع نظام الري السطحي التقليدي، والذي لا تتجاوز كفاءته 60% في الغالبية العظمى من الأراضي المروية في البلاد، إلى جانب إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي في الري رغم أنها تحتوي على نسب عالية من الأملاح ومتبقيات الأسمدة والمبيدات ومخلفات الصرف الصحي، إذ يجري خلطها مع مياه الترع التي تستخدم في الري، والسحب الجائر للمياه الجوفية في المناطق المستصلحة، وتداخل مياه البحر في المناطق الساحلية، وعدم وجود نظام صرف زراعي مناسب في مساحات كبيرة من الأراضي المروية، بحسب التقرير ذاته.



86% من أراضي مصر شديدة القحولة


تبلغ المساحة الكلية لمصر مليون كيلومتر مربع، أي 238 مليون فدان، يعيش عليها 95 % من سكان مصر الذين بلغوا 100 مليون نسمة، وتؤدي الزيادة المطردة في عدد السكان وحاجتهم لوحدات سكنية في ظل تكدسهم في مساحة 14 مليون فدان في أراضي الوادي والدلتا، إلى تناقص سريع في مساحة الأراضي الزراعية بسبب التعدي عليها، ومن ثم اتساع ظاهرة التصحر بحسب ما ذكره رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق الدكتور محمد دراز، لـ"العربي الجديد"، قائلا إن تعرض التربة وخاصة في مناطق الوادي والدلتا لملوثات الصرف، وآلاف الأطنان من المخلفات الزراعية والصناعية التي تُحرق وتُدفن بها سنويا، يؤدي إلى نضوب الأراضي القابلة للزراعية ناهيك بالأراضي الزراعية والتي تقدر بنحو 8.2 ملايين فدان أي بنسبة 3.45% من إجمالي مساحة الدولة، منها 5.7 ملايين فدان هي أراض قديمة مروية في الدلتا والوادي، بالإضافة إلى 2.5 مليون فدان زراعات مطرية في كل من الساحلَين الشمالي الغربي والشرقي، ما يجعل نصيب الفرد من الأراضي الزراعية يبلغ 0.115 فدان (485 مترا مربعا) وهو ما يوضح خطورة التفريط في أي جزء من تلك المساحة وفق تقرير حالة البيئة في مصر الذي يشير إلى أن التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية الخصبة يعد من أخطر عمليات التصحر، لأنه من الناحية الزراعية، يعد فقْداً كاملاً وكلياً لوظيفة الأرض الأساسية، في ظل أن مصر من أوائل الدول المعرضة لزحف ظاهرة التصحر، نتيجة لموقعها المناخي والجغرافي، بحسب دراز.

وتصنف نسبة 86%‏ من مساحة مصر ضمن الأراضي شديدة القحولة، في حين أن ‏14%‏ من الأراضي تصنف باعتبارها قاحلة‏،‏ وتدخل ضمنها مساحة الأراضي الزراعية‏ التي تمثل 4%‏ فقط من إجمالي مساحة مصر، وبالتالي في حال تعرضها لتدهور في كفاءتها الإنتاجية وتدمير الطاقة الحيوية للأرض والتربة والنبات الطبيعي وموارد المياه، سيؤدي الأمر إلى مزيد من تناقص نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى التهديد الكارثي للإنتاج الحيواني، وهو ما يعني تهديد الأمن الغذائي بحسب دراز.‏

ويعتبر الاستخدام الحالي للأراضي الزراعية في مصر من أكثف النظم الزراعية في العالم، إذ قد يصل إلى زراعة ثلاثة محاصيل في العام، وهذا الاستخدام "الجائر" تحت ظروف الضغط السكاني المتزايد يستلزم الإسراف في مدخلات الإنتاج النباتي، كالري والتسميد واستخدام المبيدات، وهو ما يؤدي إلى خلل واضح في التوازن بين الإنتاج وصيانة الأراضي، خاصة أن غالبية المزارعين من صغار الحائزين، غير القادرين على استخدام وسائل فعالة لحماية أراضيهم وفقا لتقرير حالة البيئة في مصر.
 

 
 


التدهور البيئي يزيد التصحر

تعد ظاهرة تدهورالأراضي الزراعية وتصحرها من المشاكل البيئية الخطيرة التي يجب الانتباه لها، لأنها تتطور عالميا بمعدلات متسارعة، حيث يفقد العالم سنويا ‏24‏ مليار طن من التربة الخصبة، وهذا يؤثر تأثيرا مباشرا على‏ 250‏ مليون نسمة موزعة على 100 دولة،‏ وينتج منه تهديد الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، خاصة أن القطاع الزراعي هو الأساس لمعظم الأنشطة الأخرى الصناعية والتجارية بحسب دراز.

ويتفق الدكتور رأفت خضر مع الرأي السابق موضحا أن ارتفاع درجات الحرارة عالميا يتسبب في فقدان مصر 19 مليار متر مكعب من حصتها في مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب بفعل "البخر"، ما يحرم مساحات من الأراضي الزراعية من نصيبها من المياه، ويؤدي إلى جفافها وتصحرها، وتابع: "درجات الحرارة، والانبعاثات الناجمة عن ثاني أكسيد الكربون، نتيجة نسبة التلوث الكبيرة في الجو، والإسراف في استخدام الأسمدة والمبيدات، تسهم في حدة التصحر، وبالتالي التأخر في برامج التنمية المستدامة في الدلتا والوادي".

وتسببت التغيرات المناخية في انخفاض نسبة سقوط الأمطار إلى جانب جفاف التربة وتهديد خصوبتها‏، التي تتعرض لنزيف حاد بسبب غزو مياه البحر لأراضي الدلتا، وفق ما يحذر منه وكيل معهد الأراضي والمياه والبيئة التابع لمركز البحوث الزراعية الدكتور هاني رمضان، والذي لفت إلى تدهور خواص التربة المصرية، المنعكس على الإنتاج الزراعي في الأجزاء الشمالية من الدلتا، لأنها منخفضة نسبيا، الأمر الذي يسهل من تدفق مياه البحر المالحة للتربة لمسافة ترتفع إلى‏ 60 سم، ومع الظروف الجوية الجافة في مصر ترتفع المياه المالحة إلى سطح التربة وتتبقّى الأملاح، قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه العملية ترفع نسبة عنصر الصوديوم في التربة مما يجعل تربة الدلتا ملحية قلوية، فتتفرق حبيبات التربة الطينية وتتدهور الخواص الطبيعية، لها، فيصعب انتشار البذور ونمو جذور النباتات"‏.
 

 
 


إسرائيل تقود محاربة التصحر

بالرغم من إعداد فريق عمل مصري في عام 2007 استراتيجية وطنية لمواجهة التصحر اشتركت في وضعها وزيرة البيئة الحالية ياسمين فؤاد، إلا أن مصدرا مسؤولا بوزارة الزراعة المصرية كشف لـ"العربي الجديد" أن "اللجنة التنسيقية الوطنية العليا لمكافحة التصحر" التي يرأسها وزير الزراعة المصري بصفته الوظيفية، لم تنعقد منذ 14 عاما، رغم أن مصر عضو مؤسس في جهود مكافحة التصحر التي بدأت منذ عام 1992 بعدما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يقضي بإعداد اتفاقية لمكافحة التصحر والتي شارك في صياغتها العالمان المصريان الراحلان والمتخصصان في البيئة مصطفى طلبة وعبد الفتاح القصاص.

وتابع المصدر الذي رفض الكشف عن هويته لحساسية منصبه، أن "مصر تخلت عن دورها الريادي في أفريقيا في مختلف المجالات ومنها مكافحة التصحر، إذ إن معهد يعقوب بلاوشتاين لبحوث الصحراء في إسرائيل التابع لجامعة بن غوريون الإسرائيلية يدرب الباحثين الأفارقة سنويا على مكافحة التصحر وهو الدور الذي يجب أن تقوم به مصر".

اللافت أنه رغم توسع الظاهرة يغيب دور المرشدين الزراعيين بسبب سياسة الحكومة ووزارة الزراعة في عدم تعيين مهندسين زراعيين جدد، والحديث للمصدر المسؤول في وزارة الزراعة والذي قال: "من الطبيعي أن يصرخ الفلاح الآن، لغياب عملية الإرشاد الزراعي التي كان لها دور في عملية توعية الفلاح من أجل مواجهة زيادة الملوحة في أرضه نتيجة سوء نظام صرف المياه في التربة، ما أدى إلى ضعف الإنتاجية، إذ يخسر كل فدان 50% من إنتاجيته بسبب ظاهرة التصحر وتدهور خصوبة الأراضي" كما يقول.

والنتيجة أن معدل الخسارة السنوية بلغ 30 ألف فدان قبل ثورة 25 يناير 2011 بسبب التصحر، أي وصل معدل الفقد إلى نحو 3.4 أفدنة كل ساعة، وأثناء الثورة وصل إلى 5 أفدنة كل ساعة بسبب التمدد العمراني على الأراضي الزراعية نتيجة تراخي الدولة، وحاليا نفقد 4 أفدنة كل ساعة بسبب التصحر، بحسب المصدر والذي قال : "بدلاً من مشروع المليون ونصف مليون فدان الذي أعلنت عنه الحكومة، كان من الأولى رفع الإنتاجية التي ستحل مشاكل الفلاحين".



طرق غير مستدامة


باتت أراضي الوادي والدلتا التي كانت أخصب الأراضي الزراعية المصرية، مهددة بالتصحر وتدهور إنتاجيتها، بسبب تعرضها لعمليات تجريف وتعرية متعددة، نتيجة عمليات الري السطحي والري بالمياه المخلوطة بمياه الصرف الزراعي عالية الملوحة، خاصة مع الاستخدام المكثف للأسمدة الكيماوية والمبيدات، مما أدى إلى تدهورها، في ظل انقطاع طمي النيل بعد بناء السد العالي‏، فضلا عن غياب الدورات الزراعية والتركيب المحصولي المناسب، علاوة على تعرضها لعمليات التجريف بهدف استخدام الطبقة السطحية في صناعة الطوب الأحمر، وعمليات الزحف العمراني بحسب الدكتور برسوم.

ويؤكد تقرير حالة البيئة في مصر أن "التملح، وتلوث المياه السطحية والجوفية، وفقْدان الخصوبة، والتدهور الفيزيائي للأراضي المروية، وانجراف التربة، كلها عوامل تثبت أن الطرق الحالية لإدارة الأراضي الزراعية المصرية ليست مستدامة، إذ إن الاستخدام الجائر قد لا يكفل تطويراً في الإنتاجية أو حتى ثباتها، كما أنها لا تحقق البعد البيئي في حماية الموارد الطبيعية من حيث منع تدهور الأرض والمياه والمحافظة على جودة المنتجات، ومن ثم صحة الإنسان ورفاهيته، وهذا يستلزم وضع وتنفيذ برامج واضحة لمعالجة الموقف".

وأدى الإسراف في كميات مياه الري، في ظل غياب طمي النيل، وتدني معدلات التسميد العضوي، خصوصا في الأراضي المستصلحة المقدرة بنحو 40% من مساحة الأراضي المروية في مصر، إلى تدهور واضح في خصوبة التربة، وأصبحت مستويات الإنتاج النباتي من الأرض في غالبية الحالات لا تتناسب مع مستويات مدخلات الإنتاج ولا تستجيب لزيادتها بحسب التقرير ذاته، والذي يقدر النقص في الإنتاج الزراعي في الأراضي التي تعاني من النقص في تركيزات العناصر الغذائية الأساسية، أو تدهور واضح في خصوبتها بنحو 15%.

ويوضح التقرير أن مصر فيها ما يزيد عن 5 ملايين فدان من أراضي المراعي تعاني من العديد من عوامل التدهور، وأن تأهيل هذه المراعي وتنميتها أمر مهم جدا وضروري لتنمية المجتمعات المحلية، فضلا عن أهميته في زيادة الدخل القومي، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة تخفف من البطالة وتسهم في استقرار المجتمع ما يقتضي تبني وتنفيذ برنامج متكامل يتضمن كافة الجوانب التنفيذية والمؤسسية والتشريعية لإدارة أراضي المراعي.

ويشير الدكتور أشرف عبد الحميد، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة إلى إمكانية التقليل من أثر التغيرات المناخية والأنشطة البشرية على تدهور الأراضي ومحاولة صيانتها ورفع إنتاجيتها بكل الوسائل الممكنة، عن طريق إدخال أصناف وسلالات جديدة من النباتات المقاومة للإجهاد المناخي، وتنمية وإدارة المراعي الطبيعية للحد من انجراف التربة، وتوفير الاحتياجات الغذائية للحيوان ووقاية وحماية المزروعات من الآفات بطرق المكافحة الحيوية، ومحاولة تقليل الأثر الضار للتراكمات الرملية وحركة الكثبان الرملية للمحافظة على مشروعات الاستصلاح والأراضي المزروعة بالفعل، بينما يقترح وكيل معهد الأراضي والمياه والبيئة التابع لمركز البحوث الزراعية الدكتور هاني رمضان، توفير شبكات صرف زراعي وبيّارات جيدة تساعد على امتصاص المياه المالحة، منبها إلى ضرورة تطبيق أسلوب علمي لحصاد مياه السيول والأمطار والاحتفاظ بها في آبار في مناطق الساحل الشمالي الغربي وشمال سيناء، لمساعدة البدو في الاستيطان من خلال استخدامها في الزراعة والإنتاج الحيواني حتى لا تضيع هباءً، خاصة أن عدم القدرة على استغلال مياه الأمطار والسيول يُحدث انجرافا لسطح التربة الخصب مما يؤدي هو الآخر إلى تراجع كفاءتها الإنتاجية وانتشار ظاهرة التصحر.

جهود حكومية لا تكفي

تعتمد مكافحة التصحر على عدة خطوات، أهمها توفير قاعدة معلومات واسعة عن كل ما يساعد في نمو التصحر، وهذا يشمل الحصول على معلومات عن عناصر المناخ والحصول على معلومات كافية عن الغطاء النباتي وحالة التربة وخواصها. ثم نشر عمليات الري الحديث وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد المعالجة في زراعة الأشجار. والاتجاه للزراعة العضوية والحيوية. وابتكار طرق جديدة لتثبيت الكثبان الرملية والعمل على التوسع في انتشار زراعة مصدات الرياح والتي لها دور رئيسي في التقليل من تأثير التصحر، خاصة في الأراضي الزراعية والقريبة من التجمعات السكانية بحسب ما أوضحه الدكتور أشرف عبد الحميد، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة ويتفق رئيس مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة المصرية الدكتور رأفت خضر مع الرأي السابق قائلا: "مصدات الكثبان الرملية مهمة لمكافحة التصحر في مصر، وتفعيل البحث العلمي عبر إعداد أبحاث حول المحاصيل التي تتحمل الملوحة أمر شديد الأهمية لإنقاذ الأراضي المصرية وزراعة محاصيل تتحمل الجفاف في المناطق الأكثر ملوحة ورطوبة بمصر"، لكن الباحث برسوم، يقول إن المناطق القابلة للزراعة التي تهدف الدولة لاستصلاحها بالصحراء الغربية والواحات، معرضة لمهاجمة الكثبان الرملية دون عائق، ما يؤثر على طبيعة التربة فيها ويقلل من جودتها كما ينتج من ذلك وصول الكثبان الرملية إلى أراضي الدلتا والوادي القريبة‏،‏ مضيفا أن المياه الجوفية، أو الأمطار التي يتم الاعتماد عليها في زراعة الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء تتجمع في شكل سيول جارفة يضيع معظمها في البحر الأحمر، أو في قاع الوديان بعد تجريفها التربة أثناء تحركها محملة بالمواد العضوية والعناصر الغذائية، ما يتسبب في تملح التربة وانهيار بنائها فتصبح غير صالحة للزراعة، وإن قلة وجود الغطاء النباتي وتعرضه للتآكل يساعدان في ذلك، "والنتيجة هجرة الفلاحين الذين ترك بعضهم الزراعة أو باع أرضه ولجأ إلى حرف ومهن أخرى"، بحسب ما اختتم المصدر المسؤول في وزارة الزراعة حديثه.