أرسل شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، اليوم الأحد، خطاباً إلى رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، يطالبه فيه بحضور الجلسة العامة للبرلمان، غداً الاثنين، لإعلان رفضه مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، حال الإصرار على إقرار المشروع، رغم ما به من عوار دستوري، وذلك "وفاءً بالأمانة التي أولاها الله تعالى له، وعرض رؤية الأزهر في ذلك المشروع".
وقال الطيب في الخطاب إن "إقرار مشروع قانون دار الإفتاء من شأنه أن يخلق كياناً موازياً لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته"، مشدداً على أن "مواد الدستور المصري جعلت من الأزهر - دون غيره - المرجع الأساس في العلوم الدينية، والشؤون الإسلامية، والمسؤول عن الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم".
وأضاف الطيب أنّ "من المسلَّم به أنَّ الفتوى الشرعية من الشؤون الإسلامية، وعلوم الدين، التي يرجع الأمر فيها لرقابة الأزهر الشريف، ومراجعته"، مذكراً بتحفظ الأزهر على مشروع القانون، في ما تضمَّنه من تعارضٍ مع نص المادة السابعة من الدستور، ومع قانون الأزهر القائم، ومع اختصاصاته الثابتة عبر مئات السنين من خلال القوانين المتعاقبة، وشرح مبررات هذا التحفظ.
وأرفق شيخ الأزهر مع خطابه رأي هيئة كبار العلماء في مشروع القانون، وكذلك صورة التقرير المتداوَل لقسم التشريع في مجلس الدولة، متابعاً: "اليوم أضع أمام بصر نوَّاب الشعب المصري - المؤتمنين على مؤسَّساته العريقة بعد أن أقسموا اليمينَ على احترام الدستور - صورةَ التقرير المتداوَل لقسم التشريع في مجلس الدولة، باعتباره الجهة المختصَّة بمراجعة مشروعات القوانين، والذي انتهى فيه - بعد دراسة موضوعية لمشروع القانون المحال من مجلس النواب - إلى مخالفته الصريحة لنصوص الدستور، وتعارضه مع الاختصاصات الدستورية والقانونية للأزهر الشريف".
وزاد قائلاً: "جاءت أسباب رفض مجلس الدولة لمشروع القانون متفقةً مع رأي فقهاء القانون الدستوري، وأساتذته، ومع الدراسة التي أجراها الأزهر لمشروع القانون، والسابق موافاة مجلس النواب بها بتاريخ 1 مارس/ آذار 2020، من أجل توزيعها على النوَّاب قبل التصويت على المشروع".
ويستهدف مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء إنشاء كيان موازٍ للأزهر، وتهميشه، وتفريغ دوره لمصلحة كيان دار الإفتاء الخاضع لأمر السلطة التنفيذية، في إطار الصراع الدائر منذ سنوات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والطيب، الذي انتقل إلى مرحلة جديدة تقوم على تحجيم أجنحة الأزهر بصورة غير مباشرة، من خلال إبراز أدوار وزارة الأوقاف ودار الإفتاء التابعة لوزارة العدل.
وأدرج رئيس مجلس النواب مشروع القانون على جدول أعمال جلسته العامة غداً، التي من المقرر أن تكون الأخيرة في دور انعقاده السنوي، إيذاناً بانتهاء فصله التشريعي الحالي، وبدء إجراءات انتخابات البرلمان الجديد، على الرغم من إرسال قسم التشريع في مجلس الدولة رداً وافياً، شرح فيه بالأسباب عدم دستورية المشروع لمخالفته المواد أرقام 2 و7 و8 و15 من الدستور.
وأفاد مجلس الدولة في رده بأن "القانون المقترح خالف المادة (32 مكرر) من القانون 103 لسنة 1961 وتعديلاته، التي تؤكد أن الأزهر هو المرجع الأساسي الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء، بوصفها مظهراً تطبيقياً للعلوم الدينية، والشؤون الإسلامية".
قال الطيب في الخطاب إن "إقرار مشروع قانون دار الإفتاء من شأنه أن يخلق كياناً موازياً لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته
وأشار إلى ما أقرّه مشروع القانون من سحب اختصاص الفتوى من الأزهر لصالح دار الإفتاء، نظراً لأنها أداة من أدوات نشر علوم الدين في مصر والعالم، وهذا هو شأن الأزهر الشريف، وإلا فإنها ستقوم على غير أساس مفتقدة مرجعها الأساسي، مستطرداً بأن "ليس من المستساغ دستورياً وقانونياً أن يأتي المشرع العادي بأداة أدنى من الدستور، لينال من الاختصاص الذي حدده الدستور للأزهر، ويعهد به إلى جهة وهيئة أخرى".
وتابع مجلس الدولة: "إنّ اختصاص دار الإفتاء بإصدار الفتاوى وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، بما يتفق مع صحيح الدين، يجعلها وحدة من وحدات الأزهر، وتابعة له"، محذراً من أن مشروع القانون "يجعل من دار الإفتاء طريقاً موازياً للأزهر، وتمارس اختصاصات أناطها المشرع الدستوري بالأزهر، وما يشمله من هيئات ممثلة في مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، وذلك بغير سند من الدستور".
وكانت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف قد قالت، في خطاب أرسلته إلى رئيس البرلمان، إنّ "الأزهر بنص الدستور هو المرجع الأساس في كل الأمور المتعلقة بالشريعة، وفي صدارتها الإفتاء، وبالتالي إسنادها إلى هيئة تابعة لوزارة العدل ينطوي على مخالفة دستورية، ومساس باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مشاعاً لجهات أخرى لا تتبعه"، منبهة إلى أن "دار الإفتاء ستصير عندئذ كياناً عضوياً منبتّ الصلة عن الأزهر، وتمارس عملها بمعزل عنه".
ورفضت الهيئة ما ذهب إليه مشروع القانون من إنشاء مركز لإعداد المفتين برئاسة المفتي، بدعوى إعداد الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك، وتأهيلهم داخل مصر وخارجها، وإصدار شهادة دبلوم يعادلها المجلس الأعلى للجامعات، وهو ما يُعَدّ افتئاتاً على جامعة الأزهر، التي تختص بإصدار الشهادات العلمية في العلوم الإسلامية.