تشكيل محكمة القيم "الساداتية": مصر عاصمة العدالة البطيئة

24 أكتوبر 2017
قضية واحدة تستغرق سنوات وربما عقوداً لحسمها(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
أعاد إصدار وزير العدل المصري، حسام عبد الرحيم، قراراً بتشكيل محكمتي القيم والقيم العليا، طرح تساؤلات عن أوضاع العدالة الناجزة في مصر، التي تعتبر من الدول الأقدم في النظام القانوني والقضائي الحديث في المنطقة العربية. وعلى الرغم من الخبرات الطويلة لدى الدولة في إدارة شؤون العدالة، واعتبار المحاكم جزءاً أساسياً من النواة الصلبة للبيروقراطية في مصر، إلا أن القضاء هناك لا يزال عاجزاً عن تلبية احتياجات المواطنين البسيطة المتمثلة في إنجاز القضايا الخاصة بهم، ولا سيما المتعلقة بالأوضاع المالية، إذ تستغرق القضية الواحدة سنوات وربما عقوداً لحسمها.

وأنشئت محكمة القيم لأول مرة عام 1980، للفصل في القضايا التي يتولى التحقيق فيها ويحركها المدعي العام الاشتراكي آنذاك، وهو منصب مكافئ للنائب العام، استحدثه الرئيس الراحل أنور السادات بالقانون 95 لسنة 1980، المعروف بـ"حماية القيم من العيب". وأسند إليه سلطتي التحقيق والاتهام في قضايا الحراسات على الأراضي الزراعية المنزوعة من أثرياء وإقطاعيين، في عهد جمال عبد الناصر، وفي الفساد المالي للمسؤولين في الدولة ورجال الأعمال. كما أنشئت محكمة "القيم العليا" للطعن على الأحكام الصادرة من محكمة "القيم".

ولطالما اتهم النظام باستغلال المحكمة لتصفية الحسابات أو التخلص من معارضين أو شخصيات غير مرغوب فيها بعينهم، كرجل الأعمال عصمت السادات، شقيق الرئيس الراحل، والذي صدر ضده حكم عام 1983 بمصادرة ممتلكاته. وتكرر التصرف نفسه مع بطريرك الكرازة المرقسية الأسبق، البابا شنودة الثالث، الذي أيدت المحكمة قرار السادات بعزله، قبيل قرارات سبتمبر/ أيلول من عام 1981، قبل أن يعيده الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لمنصبه مجدداً. وفي عام 1995، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً ببطلان تحصين أحكام محكمة القيم العليا، فصدر بعد عامين قانون يسمح بإقامة طعون على تلك الأحكام أمام محكمة النقض، وظل الوضع كما هو حتى عام 2008، عندما قرر مبارك إلغاء نظام الادعاء الاشتراكي تطبيقاً للتعديلات الدستورية التي أدخلها عام 2007، ونقل جميع اختصاصاته إلى النائب العام، بهدف التخلص تدريجياً من الأنظمة القضائية الاستثنائية. لكن وبسبب عدم إنهاء مئات القضايا المنظورة أمام محكمتي القيم والقيم العليا، قررت الدولة استمرار انعقاد المحكمتين بذات تشكيلهما والإجراءات المتبعة في القانون الذي أصدره السادات، وذلك لحين إصدار أحكام نهائية في جميع تلك القضايا. وهذا ما اتبعه المشرع المصري في عدد من القوانين الأخرى كقانون الطوارئ، إذ أن إلغاء حالة الطوارئ لا يعني وقف العمل بمحاكم أمن الدولة طوارئ، التي تشكل في ظل حالة الطوارئ، بل تظل هذه المحاكم تعمل لحين الانتهاء من القضايا المنظورة أمامها.


لكن ظاهرة بطء سير العدالة التي يتسم بها القضاء المصري أدت إلى استمرار عمل محكمتي القيم والقيم العليا حتى الآن. وعلى مدار أكثر من 9 سنوات، فشلت المحكمتان بكل القضاة الذين عملوا فيهما، في إنهاء المنازعات المنظورة أمامهما، لتتراكم أمامهما عشرات المشاكل التي تخص المواطنين، وبعضهم أصحاب حقوق مسلوبة منذ عقود، في حين أن بعض القضايا يتولاها حالياً أبناء وأحفاد المتهمين أو المدعين الأصليين.

وفي هذا السياق، قال مصدر قضائي بمحكمة النقض لـ"العربي الجديد" إن قائمة القضايا المعطلة أمام محكمتي القيم والقيم العليا تصل إلى 200 قضية، فضلاً عن طلبات وقف التنفيذ والإشكالات المعروضة عليهما، منها ما لا يقل عن 50 بالمائة لا تزال بحوزة مصلحة الخبراء لإجراء تحريات ميدانية وإعداد تقارير عن طبيعة المنازعات، مما يعني أنها لن تحسم خلال عامين أو ثلاثة، علماً بأن جميع تلك القضايا تم تحريكها في الفترة الممتدة من 1980 وحتى 2008، وهذا يعني وجود قضايا عمرها أكثر من 35 عاماً. وأضاف المصدر أن تكدس القضايا أمام محكمة القيم أمر ليس استثنائياً بالنسبة لمحكمة النقض (التي يتولى أقدم نائبين لرئيسها رئاسة محكمة القيم بدرجتيها)، إذ إن دوائر النقض الجنائية والمدنية أمامها ما يتجاوز 5 آلاف طعن، بعضها لم ينظر حتى الآن، والبعض الآخر متوقف على فصل المحكمة الدستورية في شأنها. أما في المحكمة الدستورية ذاتها، فهناك أكثر من 2020 قضية متداولة أمام المحكمة وهيئة المفوضين، وبعضها طعون مقامة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لقضايا الطوارئ الخاصة بوقائع الإرهاب والتظاهر والعنف، التي حدثت في ظل حالات الطوارئ التي أعلنت قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أو بعدها. ولا تزال هناك أربع دوائر تنعقد خصيصاً بهيئة محكمة أمن دولة طوارئ عليا، لنظر حوالى 20 جناية لم يتم الفصل فيها بعد، وذلك من إجمالي نحو 50 قضية لم تحركها النيابة العامة ومكتب أمن الدولة حتى الآن.

ولا تعمل الحكومة بجدية لحل مشكلة بطء العدالة، على الرغم من تعدد الخطط لمواجهتها منذ منتصف العقد الماضي. وكانت وزارة العدل قد أطلقت، على مدار 10 سنوات، 5 برامج ممولة من جهات محلية وأجنبية لرقمنة المحاكم، لكنها جميعاً باءت بالفشل واستمر الاعتماد على العنصر البشري في مساعدة القضاة وحفظ القضايا وجدولتها وكتابة التحقيقات، وهو ما يفتح الباب للفساد والتلاعب. كما تقاعست وزارة العدل عن حل مشاكل الخبراء الفنيين وزيادة أعدادهم، ما يؤدي لبطء إنجاز المنازعات المدنية، فضلاً عن إصرار الهيئات القضائية على عدم زيادة أعداد الخريجين المقبولين للعمل بها حفاظاً على الدخول المالية المرتفعة لأعضائها الحاليين، في ظل عدم توافر مخصصات مالية إضافية من الحكومة، خصوصا منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية ومحاولته تخفيض الامتيازات المالية للقضاة.