تشريعات البرلمان العراقي تعطل عمل "النزاهة" وتبرئ الفاسدين

18 فبراير 2018
خلال تظاهرة ضد الفساد ــ سبتمبر 2017(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يمثل تعارض القوانين العراقية التي تشرّع في البرلمان وفقاً للمساومات والصفقات السياسية، التحدي الأكبر أمام بناء مؤسسات الدولة ذات الاستقلالية التي يحلم بها الشعب العراقي. فمع وجود مؤسسات حكومية تعمل وفقاً لقوانين واضحة تحارب الفساد وتعمل على كشف الجهات التي تدعمه، تأتي قوانين وتشريعات البرلمان لتنقض كل ما تحققه تلك المؤسسات وتعطل عملها، لتنتشل الفاسدين من أروقة القضاء، الأمر الذي بات يمثل تهديداً خطيراً، ومنحى يسير بالبلاد نحو الهدم لا البناء.

ويعدّ قانون العفو العام، الذي أقرّه البرلمان العراقي، من أخطر تلك القوانين، إذ إنه انتشل آلاف المدانين بالفساد من براثن القضاء، ومنحهم الحرية، في وقت كان ينتظر منه أن ينتشل الأبرياء من السجون، ما يدفع باتجاه شرعنة عمل الفساد وحمايته في البلاد. وقال مسؤول رفيع المستوى في هيئة النزاهة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك تذمراً كبيراً لدى هيئة النزاهة، بعد أن جمّدت بعض القوانين التي شرعها البرلمان عمل الهيئة بشكل كامل"، مبيناً أنّ "قانون العفو العام أصبح سيفاً مسلطاً على قوانين هيئة النزاهة وعملها". وأوضح أنّ "القانون الذي أقره البرلمان، بعد التعديلات التي أجريت عليه، وبعد مساومات سياسية وحزبية، أصبح قانوناً جائراً، فقد حارب النزاهة بشكل واضح، والهيئة التي كانت تتابع عدداً من الملفات لمتورطين بالفساد أجبرت على تركها. فقانون العفو انتشل الآلاف من الفاسدين، بينهم مسؤولون حكوميون، من الأحكام القانونية التي كانت تنتظرهم، إذ إنّ القانون (العفو العام) أقوى من قوانين هيئة النزاهة، وقد أجبرنا على وقف متابعة ملفاتهم". وأشار إلى أنّ "العمل البرلماني وعمل هيئة النزاهة أصبح متعارضاً جداً، فالهيئة تحاول البناء والبرلمان يهدم ما تبني، ما يعني تعطيلاً شاملاً لعمل مؤسسة مهمة من مؤسسات البلاد"، مشدداً على "أهمية فصل السلطات، وألا يكون للبرلمان وتشريعاته سلطة على تشريعات وقوانين هيئة النزاهة، التي تعد من أهم مؤسسات الدولة في محاربة الفساد". ودعا إلى "إعادة دراسة تعارُض القوانين، وتأثيرها السلبي على المجتمع العراقي، وما قد تتسبب به من مشاكل على البلاد".

وينص قانون العفو العام على تسديد المدانين بالفساد، ما بذمتهم من أموال للدولة، ليتم إطلاق سراحهم وتسوية ملفاتهم قانونياً. وقال رئيس لجنة النزاهة البرلمانية النائب طلال الزوبعي، في تصريح صحافي، إنّ "قانون العفو العام الذي أقره البرلمان في أغسطس/آب الماضي انتشل أكثر من 40 سياسياً مداناً باختلاس ما يزيد عن 500 مليون دولار من أموال الدولة". وأكد أنّ "المدانين بدأوا بتسديد ما بذمتهم من أموال إلى خزينة الدولة، معتمدين بذلك على فقرات في قانون العفو، تشترط إطلاق سراح مختلس المال العام بعد تسديد ما بذمته".

وأكد سياسيون أنّ قانون العفو العام أفرغ من محتواه قبل تشريعه. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يشمل السجناء المظلومين، والذين اعتقلوا وفقاً لدعاوى كيدية وتوجهات طائفية لدى الحكومة السابقة، شمل الفاسدين. وقال القيادي في التيار المدني العراقي، حسام الفرّاجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون العفو لم يقر في البرلمان إلّا بعد مساومات سياسية، وقد عملت جهات سياسية معروفة على إفراغه من محتواه، ليشمل الفاسدين والمتورطين بملفات خطيرة"، مبيناً أنّ "الصفقات السياسية هي التي تتحكم بعمل البرلمان، فلا يقر قانون يخدم جهة سياسية، إلّا مقابل إقرار قانون يخدم جهة أخرى". وأضاف "هذه المساومات جعلت القوانين تخدم أجندات الجهات السياسية على حساب مصلحة الشعب، ما يعني أنّ البرلمان ليس صوتاً للشعب كما يفترض، بل هو صوت الفاسدين والمساومات والصفقات السياسية"، داعياً الرئاسات الثلاث إلى "مراجعة القوانين المشرعة برلمانياً، والتي لا تخدم البلاد".

ولم يتوقف تعارض القوانين على قانون العفو وحده، بل هناك قوانين أخرى تعارضت مع غيرها، بينما يحذر مراقبون من مغبة التعارض وتأثيره السلبي على البلاد، مطالبين بتكييف قانوني لها، يتم من خلاله تنسيق القوانين بين المؤسسات وجعلها تخدم الصالح العام. وقال الخبير القانوني، غالب الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعارض القوانين يعد من أخطر ما يواجهه البلد، إذ إنّ هذا التعارض لم يقف عند قانون العفو العام، بل هناك تعارض بين قانون المساءلة والعدالة وقانون الانتخابات، كما يتعارض قانون الانتخابات أيضاً مع قانون تجميد أموال الإرهابيين، الذي يحتاج إلى توضيح فقراته، وعدم تركها مبهمة قابلة للتأويل، وغيرها من القوانين الأخرى". وأشار إلى أنّ "مخاطر تلك القوانين ستظهر لاحقاً، وستتسبب بأزمات خطيرة، في وقت بدت فيه خطورة قانون العفو واضحة للجميع بعد أن أصبح حامياً للفاسدين ومنقذاً لهم"، مشدداً على "ضرورة تكييف القوانين بين المؤسسات، وألا تبقى متعارضة فيما بينها". وحمّل الحكومة والسلطة القضائية "مسؤولية السكوت على هذا التعارض القانوني الخطير، وعدم السعي لتجاوزه، بما يخدم مصلحة البلاد". وتعدّ الصفقات السياسية التي تعقد بين الكتل، لتمرير القوانين البرلمانية، من أخطر التوجهات في البلاد، إذ إنّ الكتل والأحزاب تتفق في ما بينها لتمرير ما تريد من قوانين وتعطيل ما تريد، من دون النظر إلى الصالح العام.

المساهمون