تشابه أسماء... أبرياء يعتقلون في مصر

18 يناير 2019
اعتقالات (أحمد إسماعيل/ الأناضول)
+ الخط -

كثيراً ما يعتقل مصريون أبرياء في مصر نتيجة تشابه أسمائهم مع أسماء مجرمين. وحتى اليوم، لم تتّخذ الجهات المعنية الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تكرار الأمر

"تشابه الأسماء" مشكلة يوميّة يُواجهها آلاف المصريّين، وقد تؤدي إلى سجن بريء في قضية لم يرتكبها، لأن اسمه مشابه لاسم مُرتكب الجرم. وفي ظلّ توسيع دائرة الاشتباه السياسي وتطبيق قانون الطوارئ، كثرت كمائن الشرطة. وبمجرّد تطابق بطاقة الرقم القومي (بطاقة تحقيق الشخصية) مع المعلومات التي في حوزة الضباط، يعتقل الشخص فوراً، وإن نفى أي معرفة له بالقضية التي اعتقل على أساسها.

مشكلة الأسماء انعكست على بطاقات التموين، وقد حُذفت عشرات الأسماء نهائياً، باعتبار أنّ أصحابها متوفّون أم مسافرون. ولا يجد المواطنون أمامهم غير التوجّه إلى المؤسسات الرسميّة لإثبات أنّهم أحياء، أو تأكيد مكان إقامتهم واستقرارهم في البلاد من خلال إظهار جوازات سفرهم.

وينتقد حقوقيّون بطء الإجراءات المتعلّقة بإثبات هوية الأشخاص في حال تشابه الأسماء، خصوصاً أن بريئاً قد يبقى في السجن فترة طويلة بسبب جريمة لم يرتكبها. ويؤكّد الناشط الحقوقي فتحي عبد العزيز أنّ الكتاب الدوري الذي أصدرته وزارة الداخلية في هذا الشأن غير كافٍ، وهو أن يتقدم الشخص بطلب تظلّم لرئيس مباحث قسم الشرطة، ويُعلمه بوجود تشابه في الأسماء، مشدداً على أن هدف الضبّاط هو "الغنيمة" واعتقال متّهم. ويوضح أنّه تقدّم بطلبات إلى مجلس النواب ومصلحة الأحوال المدنية، لضرورة إضافة اسم الأم على بطاقة الرقم القومي، فضلاً عن المهنة والعنوان لمواجهة هذه الأزمة التي تنتشر في كافة أنحاء مصر. إلا أن الأجهزة المسؤولة لم تأخذ بالاقتراح، على الرغم من عدم إيجادها أية حلول لأزمة تشابه الأسماء.




من جهته، يرى الناشط الحقوقي إمام محمد أن توقيف أبرياء لساعات طويلة وربما أيام بسبب تشابه أسمائهم مع آخرين أصبح أمراً مقلقاً. يقول: "ربما يكون هؤلاء في مهمّة عمل رسمية أو رحلة علاج من القرية إلى المدينة، أو ربما سافروا إلى الخارج بهدف العمل"، مطالباً وزارة الداخلية إيجاد حلول لتلك الأزمة التي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد زيادة عدد السكان وكثرة حالات تشابه الأسماء في القرى والمدن. يضيف: "ربّما يتحدّر المعتقل من الصعيد، فيما المتّهم الحقيقي من إحدى محافظات الوجه البحري"، مشيراً إلى أن مسألة تشابه الأسماء تتكرر في محافظات الصعيد والقرى على وجه خاص. ويؤكّد على ضرورة وجود بصمة إلكترونية في البطاقة، وتزويد وزارة الداخلية بأجهزة متطوّرة لمطابقة البصمة، واتخاذ إجراءات جزائية في حال تزوير بطاقة الرقم القومي.

ويرى المحامي محمد فخري أن قاعدة البيانات في وزارة الداخلية تتطلّب إعادة هيكلة وتغييراً، بدءاً من التسجيل الجنائي، مروراً بتشابه الأسماء وانتهاءً بأحكام الإدانة والبراءة. والأخطر أن النظام يتيح للإدارة الجنائية، وتحديداً ضباط المباحث، تسجيل العناصر الخطيرين أو من سبق اتهامهم آليّاً، حتى ولو لم يرتكبوا جرائم جديدة، مع أن العرف القانوني أو العرف الدولي ينص على محو هذه السوابق بمجرد سقوطها مع الوقت وغير ذلك. إلّا أنّ ضباط المباحث لا يغفرون السوابق، مطالباً بمحاكمة من أخطأ بتوقيع ظلم على مواطن شريف، حتى يكون هؤلاء الضباط عبرة لمن لا يعتبر.



وقصص المظلومين الذين سجنوا أو مثلوا أمام القضاء في جرائم لم يرتكبوها بسبب تشابه أسمائهم مع متهمين حقيقيّين كثيرة، ما يضع الجهات التنفيذية والقضائية في قفص الاتهام. فالنتيجة تكون وضع الكثير من الأبرياء في السجن، وقد يحرمون من أعمالهم حتى يتسنى لهم إثبات الحقيقة. وما زال بعض الأبرياء في السجن، ما يؤكّد مقولة: "يا ما في السجن مظاليم".
في السياق، يوضح أحمد خالد/ من منطقة الشرابية في القاهرة، معاناته شبه اليومية في التنقل بين أحياء القاهرة بسبب ظروف عمله. أحمد الذي يحمل اسماً مشابهاً لاسم أحد المطلوبين لدى النظام المصري يعاني بسبب كثرة توقيفه على الحواجز الأمنية، حتى إنه احتجز أكثر من ثلاث مرات لأيام عدة قبل التأكد من أنه ليس الشخص المطلوب.

وهناك مئات الحالات المشابهة والكثير من الشباب المعتقلين، وذنبهم الوحيد أنّهم يحملون أسماء مشابهة لمتهمين. أم إبراهيم، وهي من منطقة صفط اللبن في الجيزة، اضطرت إلى دفع ابنها الوحيد للسفر إلى الخارج، خصوصاً بعد اعتقاله لمدة تجاوزت الأربعة أشهر بسبب "تشابه أسماء".



أحمد عبد القادر الذي يتولى وظيفة مرموقة في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، والذي اقترب عمره من الستين، ويقيم في محافظة الأقصر في إقليم جنوب الصعيد، توجه إلى القاهرة لزيارة طبيبه بعد إجرائه عملية قلب مفتوح، فاعتقل من داخل مقر إقامته في أحد فنادق وسط القاهرة، بتهمة "تبديد عفش (التخلص من أثاث) لمطلّقته"، وزجّ في السجن في قسم الأزبكية في القاهرة لمدة أربعة أيام وسط المجرمين، من دون مراعاة لظروفه الصحية ووضعه الاجتماعي. وفي وقت لاحق، أفرج عنه، وقد أصيب بمرض جلدي.

شخص آخر يدعى فادي سعيد في العقد الثالث من العمر، وهو سائق "توك توك"، اعتقل بتهمة تجارة المخدرات والهرب من تنفيذ الحكم الصادر في حقه. إلا أنه طلب من الضباط إجراء فحوصات دم كونه لا يدخن، وبالتالي لا يعرف شيئاً عن تلك التهمة. الضباط رفضوا الاستماع إليه واعتقلوه حتى الصباح. بعدها نقل إلى قسم شرطة الوراق في الجيزة، الذي حقّق معه لمدة ثلاثة أيام، ثم أمرت النيابة العامة بحبسه، وبقي في السجن مدة 45 يوماً. بعدها، أفرج عنه كونه ليس الشخص المطلوب. واكتفى المعنيون بالقول: "آسفين على حجزك".

وكان عضو مجلس النواب حسين غيتة قد تقدّم باقتراح لحلّ مشكلة تشابه الأسماء وتوقيف أبرياء في الكمائن، نتيجة عدم البحث بالرقم القومي داخل بيانات المواطنين، وضرورة الانتهاء من مشروع البطاقة الذكية. يضيف أن هناك مواقف كثيرة يتعرض لها مواطنون بسبب تشابه أسمائهم، وقد يسجن مواطن بريء في قضية لم يرتكبها بسبب تشابه اسمه مع اسم مرتكب الجرم. ويقول: "مشكلة تشابه الأسماء تحدث نتيجة عدم التدقيق في الرقم القومي، خصوصاً على الطرقات. وعند الاشتباه بأحد الأشخاص، يبحث عن اسمه الثلاثي. وفي معظم الأحيان، يكون هناك تشابه أسماء".




ويلفت إلى أنه، بحسب مصلحة الأحوال المدنية، يوجد نحو ثمانية آلاف اسم ثلاثي متشابه و4000 اسم رباعي مشابه، ما يمثّل مشكلة كبيرة. ويشير إلى أنه على الرغم من إعلان وزير الداخلية محمود توفيق الانتهاء من مشروع البطاقة الذكية، وتركيب شريحة في داخلها مثل شريحة الهاتف المحمول، تتضمن كل معلومات صاحب البطاقة مثل توقيعه الإلكتروني وبصمة اليدين وبصمة الوجه والبصمة العشرية لأصابع اليدين كاملة، إلا أنها لم تظهر للنور بعد.