تسويق السيسي في واشنطن

13 مارس 2015

نائب أميركي يمثل السيسي في مؤتمر صحافي ساخرا (يوليو/2014/Getty)

+ الخط -
قبل أيام، أجرى عبد الفتاح السيسي حواراً مع قناة فوكس نيوز الأميركية. وبعيداً عن مضمون الحوار الذي لم يحمل سوى مزيد من "الكلام"، من دون أي معنى حقيقي، فإن توقيت الحوار حمل رسالة واضحة، هي محاولة "تلميع" صورة الجنرال قبل أيام من المؤتمر الاقتصادي المنعقد في شرم الشيخ، وتقديمه للرأي العام الأميركي باعتباره "قائداً" و"زعيماً" إصلاحياً.
حوار السيسي جزء من حملة "تسويق" مستمرة منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، وهي ركن أصيل من أركان "الثورة الإقليمية المضادة" التي يموّلها ويرعاها الحلفاء الإقليميون للجنرال. وتشمل هذه الحملة مؤسسات وهيئات وشخصيات غربية عديدة، ويتم التخطيط لها وتنفيذها بدقة، والإنفاق عليها بغزارة، تصل، أحياناً، إلى حد الإسراف والسفه. فهناك صحافيون وإعلاميون وباحثون وسياسيون منخرطون فى هذه الحملة، ويعملون من دون كلل مقابل آلاف الدولارات. بل هناك برامج ومراكز أبحاث يتم تدشينها ورعايتها خصيصاً لتحقيق الهدف نفسه. فلا يمر أسبوع، إلا ونرى مقالاً أو تعليقاً لأحد المنخرطين فى هذه الحملة، يقوم فيه بتسويق نظام الجنرال السيسي وتلميعه، على الرغم من أخطائه وفشله السياسي، وذلك من دون استحياء أو خجل.
وربما ليس مفاجئاً أن غالبية شركات "اللوبي" التي تعمل لصالح "تسويق" نظام السيسي في الكونغرس الأميركي ودوائر صنع القرار في واشنطن، يتم الإنفاق عليها، أيضاً، وتمويلها أيضاً من حلفاء الجنرال. لذا، لم يكن غريباً أن يزور وفد من الكونغرس السيسي قبل أيام في القاهرة، من أجل إظهار الدعم والتأييد له. ولن نفاجأ إذا كانت الزيارة قد مولها الرعاة والحلفاء الإقليميون للجنرال، مثلما مولوا، قبل ذلك، زيارات أخرى لباحثين وصحافيين وإعلاميين من أجل الحديث والكتابة عن الجنرال في وسائل الإعلام الأميركية. كما أن بعض الزيارات التي تقوم بها وفود مصرية لواشنطن من أجل تحسين صورة النظام المصري لدى رجال السياسة ومراكز البحث الأميركية، يمولها كلياً الحلفاء السلطويون للجنرال. الأكثر من ذلك، يقوم بعض المسؤولين من حلفاء الجنرال بعملية "التلميع" بأنفسهم، مثلما حدث، أخيراً، مع وزير خليجي جاء لواشنطن من أجل تسويق المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، والتقى مسؤولين أميركيين، لإقناعهم بضرورة دعم نظام الجنرال.
هناك، إذاً، حملة ممنهجة ومتكاملة وشبكة معقدة من العلاقات، تعمل، ليل نهار، في خدمة نظام "الجنرال". وهي جزء من منظومة أكبر، تم وضعها قبل الانقلاب بأشهر قليلة، وساهمت في تمهيد الأرض وتهيئة الرأي العام، محلياً وإقليمياً ودولياً، من أجل القيام به وإنجاحه.
بيد أن ما يثير الشفقة بشأن هذه الحملة عدة أمور، أولها أن معظم المنخرطين فيها من المحسوبين على التيار اليميني المتشدد في السياسة الأميركية، أو من يعرفون بالمحافظين الجدد، وهو ما يشوّه صورة الجنرال أكثر، وليس العكس. الأكثر من ذلك أن كثيرين منهم من أشدّ الداعمين والمؤيدين لإسرائيل. ثانيها، لا يفعل معظمهم ذلك قناعة بالجنرال، أو بمن يدعمه، وإنما فقط من أجل المال، خصوصاً أن معظمهم من المتقاعدين، سواء من دبلوماسيين سابقين أو صحافيين مغمورين، مثل الذي دعا، قبل فترة، إلى منح السيسي جائزة نوبل للسلام، ما أثار سخرية كثيرين. وثالثها أن هذه الحملة لم تؤت ثمارها بالشكل المخطط لها، والمرجو منها، وبما يتناسب مع حجم الأموال التي تم إنفاقها عليها. فصحف أميركية كثيرة مؤثرة لا تزال تتعاطى مع نظام الجنرال السيسي باعتباره نظاماً ديكتاتورياً، جاء إلى السلطة بعد الانقلاب على سلطة منتخبة، فضلاً عن أن أفعال الجنرال نفسه كفيلة بإفشال مثل هذه الحملات.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".