فجأة كشرت الحكومة المصرية عن أنيابها، وبدأت في ملاحقة المباني والعقارات المخالفة على مستوى الجمهورية والتي يقدر عددها بنحو 3 ملايين عقار مخالف.
وبأسلوب أفلام "الأكشن" والحركة والتشويق راحت أجهزة الدولة تهدم مئات من المباني المخالفة في محافظات عدة رفض أصحابها التقدم بطلب للتصالح ودفع الغرامات المقررة في القانون الجديد، بل وتنقل المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي عمليات الهدم بالصوت والصورة لملايين المواطنين، في محاولة من الحكومة لإيصال رسالة شديدة اللهجة للمخالفين مفادها أنه " إذا لم تسارعوا في سداد الغرامات فسنسوي عقاراتكم بالأرض، وخلال لحظات سنحولها إلى ركام كما رأيتم، وبالتالي تضيع ملايين الجنيهات التي تم إنفاقها في عملية التشييد والبناء، كما سيتم إنفاق مثلها في عملية التخلص من الركام".
كما راحت وسائل الاعلام تبالغ في نشر الأخبار المتعلقة بهدم المباني المخالفة، وتفرط في إعادة نشر التهديدات الحكومية بإزالة العقارات التي تمت إقامتها أصلا تحت أعين وسمع أجهزة الدولة والمحليات الفاسدة.
وزادت الحبكة الدرامية تتصاعد حينما كثفت وسائل الإعلام النشر عن إحالة آلاف المخالفين الرافضين للتسوية القانونية للقضاء العسكري وإلزام هؤلاء بسداد غرامات ضخمة للإفراج عنهم تصل إلى مليون جنيه وربما أكثر، وبالتالي وكما يقول المثل المصري "موت وخراب ديار"، حينما يجمع الهدم مع الغرامة وربما السجن.
اندفاع الحكومة نحو إعادة إحياء ملف العقارات المخالفة ليس بهدف مقاومة العشوائيات كما تردد، وليس بهدف تطبيق القانون الصادر في العام الماضي ولم يستجب له سوى عدد محدود جداً حسب الأرقام الرسمية نفسها، وليس لأن قانون التصالح في مخالفات البناء هدية للشعب المصري كما قال أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب.
لكن التحرك الحكومي "الحاد والمستغرب" من وجهة نظر كثيرين جاء عقب تراجع إيرادات الدولة بشدة خلال الأشهر الماضية بسبب تداعيات تفشي كورونا على الاقتصاد والأنشطة التجارية، وبالتالي فإن الحكومة تبحث عن موارد بديلة سواء عبر زيادة الرسوم والضرائب أو عبر زيادة حصيلة المصالحات في مخالفات المباني.
وحسب تصريحات محمد معيط، وزير المالية، يوم 8 يونيو/حزيران الماضي، فإن الإيرادات العامة الضريبية وغير الضريبية انخفضت بنحو 124 مليار جنيه، نتيجة تأثر الأوضاع الاقتصادية بتداعيات أزمة كورونا.
كما تراجعت بشدة إيرادات الضرائب التي تمثل 80% من إيرادات الخزانة بسبب توقف الأنشطة التجارية والاقتصادية، وتراجع أرباح وعوائد المؤسسات والشركات الأكثر سدادا للضرائب في البلاد، وإعلان العديد من الشركات عن تحقيقها خسائر.
السؤال هنا: ما هو مصير حصيلة "قانون التصالح في مخالفات البناء" التي تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات؟ هل ستُوجّه مباشرةً إلى الخزانة العامة للدولة، وبالتالي لاحقا لدعم رغيف الخبز والكهرباء والوقود ومشروعات البنية التحتية، ومشروعات الإسكان الاجتماعي، وغيرها من المشروعات الخدمية التي تحتاج إلى دعم كبير لاستكمالها ودخولها الخدمة كما قال علاء والي، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب؟
أم ستوجه الحصيلة لتغطية خسائر الاقتصاد الفادحة الناجمة عن فيروس كورونا والتي تتوقع الحكومة أن تراوح ما بين 88 و180 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، 2020-2021، أم ستذهب لتمويل إنشاء القصور الرئاسية ومقر مجلس الوزراء والحي الحكومي ودار الأوبرا ومجمع الفنون وأعلى برج في أفريقيا والقطار المكهرب، وهي المشروعات الجديدة الجاري تشييدها في العاصمة الادارية الجديدة وتمول من موازنة الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر؟